أقلام وأراء
الأربعاء 06 ديسمبر 2023 11:22 صباحًا - بتوقيت القدس
سقطت كل الأقنعة
هل كان من الضروري أن تشن القوات الإسرائيلية العسكرية حربا شعواء ضد كل ما يتنفس من بشر وشجر في القطاع بشماله وجنوبه وشرقه، وتقتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، وتهدم المدارس والمساجد والكنائس ، وتهدم وتزيل من على وجه البسيطة كل تلك المنازل والشقق، وتخرب البنى التحتية الفسيحة لشوارع قطاع غزة، أم أنها غريزة الإنتقام والشهوة للدم الفلسطيني المهراق، لنكتشف أن جميع الأقنعة سقطت واحدا تلو الآخر.
هذان الشهران كشفا كل الزيف والزور والبهتان الذي غرقنا فيه حتى اذنينا طيلة سبعة عقود ونيف، بل أقنعنا أنفسنا، وأقنعنا غيرنا بصواب كل ذلك الزيف، بل تبنيناه ودافعنا عنه، واعتبرناه نهجا لا حيدة عنه، ومطلبا سخرنا له كل قدراتنا الذاتية العقلية ، وهاجمنا كل من ناهض ذلك الزيف. والآن بعد كشف كل ذلك الزيف وسقوط ألأقنعة، بدت الصورة أوضح وأنقى رغم أن البعض ما زال يتلظى بالصورة القديمة والزيف الماضي لمقاصد شتى.
قضينا ردحا طويلا من الزمن، وصرفنا الوقت والجهد والمال ونحن نهلل لمنظمة كالأمم المتحدة ولميثاقها، ولمجلس أمنها ولجمعيتها العامة، وللمنظمات التي انبثقت عنها ولمحكمة العدل الدولية وأحكامها القليلة. وكتبت الكتب حولها وحول وظيفتها، ونشرنا كل قراراتها وفهرسناها وصنفناها وأدخلناها في سياق مناهج جامعاتنا وأفردنا مساقات لها بل شرحنا كل كلمة وردت فيها حتى أل التعريف لم تنج من تحليلاتنا، وبموجب أي فصل قد صدر القرار سادس أم سابع ، وأخذنا نحلل ونقارن ونذكر الفارق بين الدولة العضو وبين الدولة التي وضعها القانوني كمراقب، وأحصينا كم صوتا حققنا وكم صوتا معارضا وكم صوتا ممتنعا، وحللنا ودرسنا كل ذلك، ودخلنا بكل ذلك الهراء، الذي لا طائل تحته ولم يقدم القضية الفلسطينية شبرا واحدا بل اعتبرناه نصرا عظيما للقضية الفلسطينية . وإذا بكل تلك السير والكتب، بعد أحداث السابع من أكتوبر من عام 2023، ما هو إلا ثرثرة فوق النيل وفق رواية نجيب محفوظ، أو جعجعة بدون طحن وفق مسرحية وليم شكسبير أوقل ما هو إلا سراب مخادع في لظمآن لهيب الصحراء.
تبنينا الإشادة ومجدنا ما يسمى بقانون الحرب، الذي اسموه دعاته تأدبا بالقانون الدولي الإنساني أو قانون النزاع المسلح. وإذا به ينهار أمام أول تجربة عملية له بعد السابع من أكتوبر. وكنا نقول بملء فينا أن قذيفة المدفع يجب أن لا تسكت القانون، بل عليه أن لا يصمت. فإذا به مصاب بمتلازمة الشلل وعدم الحراك. فآلاف الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ وليس المئات، لم تستطع أن تستثر عاطفة دولة من المائة وثلاث وتسعين دولة التي صادقت على مواثيق الحرب رغم وفرة النصوص القانونية التي تعطيها هذا الحق من أجل وقف دم المدنيين المراق، ومن أجل التمييز بين المدنيين والعسكريين ومن أجل إجراء عملي واحد. ومن السخرية الغربية التي غدونا لها أسرى، أن بعضنا أخذ يعقد الندوات ويبين النصوص ويفسرها، بدل اتخاذ الأفعال والإجراءات.
وزاد الطين بلّة أن الجهة الموكولة لها تطبيق قانون الحرب كانت تجامل المعتدي في كل حركاتها. وكنا نقول ذلك مسبقا وندين مثل هذه التصرفات اللاقانونية إلا أن الصدود الرسمي والتنظيمي، كان بشكل بأذن من عجين وأخرى من طين. شكونا سابقا، كيف يسكت الصليب الأحمر على زيارة ممثليه لمستوطنة جيلو. شكونا كيف يعقد ممثلو الصليب مشاورات مشتركة مع ممثلي الجيش الإسرائيلي، في الندوة السنوية في هرتسليا الخاصة بالأمن الإسرائيلي، وبخاصة فيما يتعلق بحرب المدن بحجة تقليل الخسائر بين الجانبين المتقاتلين. وكنا نشكو كيف للصليب الأحمر أن يقبل بنقل السجون إلى داخل الخط الأخضر بدل بقائها في الأراضي المحتلة، كما يقرر القانون الدولي الإنساني، ولماذا يثقل على أهالي الأسرى ولا يحتج على التصرفات الإسرائيلية. وكنا نشكو من التصريحات السياسية المهادنة للإحتلال الإسرائيلي من قبل رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي. وها هو يمتنع عن القيام بدوره الإنساني عملا بميثاقه بعد تصرفات وقرارات بن غفير بالسجون الإسرائيلية. وها هو يدلي بتصريحات عائمة غائمة عبر رئيسته في قطاع غزة التي تزوره لأول مرة، لكن المنافقين والمنتفعين ما زالوا يجدون له الأعذار رغم أن ما يقوم به ليس منّة أو صدقة بل هو واجبه عملا بميثاقه، لكن الكيل بمكيالين وتفاوت الألوان وصل ساحته وسقط القناع عن هذه الجهة وعملها.
كان من المؤلم أن نرى كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بين جنباتنا في الأراضي المحتلة، للتحقيق في جرائم حركة حماس حول تقارير مفبركة حول اغتصاب النساء وقطع رؤوس الأطفال. وكنت على يقين أن كريم خان لو طلب زيارة الأراضي المحتلة في مناسبة أخرى لما سمحت له السلطات الإسرائيلية أن تطأ قدماه الأرض المحتلة، مثل سابقيه القاضي اليهودي عضو مجلس أمناء الجامعة العبرية ريتشارد جولدستون وممثلي مجلس حقوق الإنسان واللجنة الدائمة لحقوق الشعب الفلسطيني. مؤلم ومخيب للآمال أن نرى ممثل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بين ظهرانينا ليحقق معنا وليس مع مجرمي الحرب ومجرمي الإبادة وضد الإنسانية. محزن أن تكشف هذه المحكمة عن قناعها السوداوي رغم ألآمال الكثيرة والكبيرة، التي علقها عليها الشعب الفلسطيني ، ونظر لها الكثيرون، وناضل من أجل الإنضمام إلى معاهدتها وميثاقها، حتى لم يكن أي بيان سياسي أو تصريح صحفي من أي قيادي فلسطيني أو هيئة فلسطينية، تخلو من كيل المديح للمحكمة والإشادة بها. وكانت النصيحة الدارجة والمتداولة ممن يفهمون وظيفة هذه المحكمة أو ممن يجهلون ماهيتها، بأن قدموا شكوى للمحكمة الجنائية الدولية بحيث غدا التوجه إليها أمرا يثير الشك والسخرية. لكن أحداث السابع من أكتوبر كشفت القناع، وكأن النبوءة صدقت بأن هذه المحكمة مخصصة لمقاضاة أهل الجنوب، أما أهل الشمال البيض فهم محصنون من محكمتهم. ولا أدل على ذلك من عدم محاكمة طوني بلير ولا بوش الإبن ولا كل طاقم المحافظين الجدد على ما اقترفوه من جرائم حرب وضد الإنسانية وعدون في العراق وأفغانستان.
يبدو أن جميع المنظمات الدولية الحكومية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، سواء أمم متحدة أو صندوق دولي أو بنك دولي أو يونسكو أو محكمة عدل دولية، وروجت لها أجهزة الإعلام الغربية القوية وغسلت أدمغة أهل الجنوب تحديدا، قامت بشكل أو بآخر لخدمة الدول الغربية برئاسة الولايات المتحدة وسياساتها ومبادئها. وإلا فكيف تعاني كل دول الجنوب مثلا، من كل هذه الديون التي لا تستطيع تسدد فوائدها فقط وليس صلب الدين ذاته. وإلا كيف تحكم العالم واقتصاده مائة شركة وكيف يكون رأس مال واحد مثل ماسك أكثر من أربعمائة مليار دولار، وهو رقم يوازي موازنات عشرات الدول.
كما يبدو أن الأنظمة العربية المصطنعة التي نشأت في العصر الحديث سواء بعد اتفاقية سايكس بيكو، أو بعد الحرب العالمية الثانية وتراكم عددها بأن بلغت ثلاثا وعشرين دولة، إلى زوال، وهي موغلة في العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، إلا من رحم ربي. بل هي لا تعرف مصلحة شعوبها وتأتمر بأمر الشيطان الأكبر الأمريكي، وتجهل وتتجاهل القومية العربية والأخوة الإسلامية، وتتآمر على المصلحة الوطنية للعالم العربي، وبذا سقطت كل أقنعة التضامن والبيانات والبلاغات والمساعدات.
بعد السابع من أكتوبر 2023، سقطت الأقنعة عن كثير من الزيف والمقولات التي كنا نسلم بها، عن مواثيق دولية، وعن محاكم دولية، وعن أنظمة عربية تدعي العروبة والإسلام، وعن هيئات دولية وعربية وإسلامية، وقمم عربية وإسلامية، وعن معاهدات عربية كأوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد، وعن قوانين دولية وعن القانون الدولي العام ذاته الذي ولد بدون مخالب وبدون قدرة على التطبيق وعن آلياته وجزاءاته، ويجب أن لا نعول كثيرا على هذه الأجهزة وإفرازاتها، بل يجب أن نفكر في أمور أخرى، أهم وأجدى للقضية الفلسطينية، فلا خير في زمن تخوننا قيمه ومثله، وتتغول علينا ذئابه ولا خير في خل يخونه خليله!!!
دلالات
نجاح دقماق قبل 12 شهر
فعلا سقطت كل الأقنعة ولحضرتكم الاحترام والتقدير
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
واشنطن ترفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بإلقاء القبض على نتنياهو وغالانت
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 94)
شارك برأيك
سقطت كل الأقنعة