أقلام وأراء
الخميس 28 سبتمبر 2023 9:18 صباحًا - بتوقيت القدس
أمم متحدة للثرثرة والتنظير
على الرغم من أن رياح الحرب لم تكن قد هدأت بعد وجرحاها لم يشفوا وقتلاها لم يواروا الثرى، ومدنها وقراها لم تعمر بعد، إلا أن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية المتعجلة، لم تهدأ حتى اجتمعت في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت بسن ميثاق للأمم المتحدة في السادس والعشرين من شهر حزيران ( يونية ) من عام 1945، يخلف ميثاق عصبة الأمم الذي فشل في منع الحروب والمعاناة الإنسانية.
ومن هنا كانت ديباجة الميثاق الجديد عامرة بجميع المبادىء الدولية وقواعد القانون الدولي العام الحديث. فهي تتعهد بقولها ب " أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف ".
وتؤكد من جديد " الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية في ظل تحقيق العدالة واحترام الإلتزامات الناجمة عن المعاهدات ".
وتتعهد شعوب الأمم المتحدة بالتسامح وأن تعيش معا بسلام وحسن جوار وعدم استعمال القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة وأن تستخدم الأداة الدولية في تحسين الشؤون الإقتصادية والإجتماعية للشعوب جميعا ".
ولهذا فإن شعوب الأمم المتحدة ارتضت ميثاقها وأنشأت بموجبه هيئة الأمم المتحدة التي تضم بين جنباتها مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية. وهي أكبر وأهم منظمة دولية حكومية في العالم أجمع ومقرها نيويورك في أمريكا.
ولم يكد مداد القلم الذي كتب به ميثاق الأمم المتحدة في السيلان حتى جف حينما فشلت هيئة الأمم المتحدة بأن تكون هيئة نافذة ذات قوة تنفيذية، وعادت حليمة لعادتها القديمة وغلبت عليها السياسة الضيقة والمصالح القصيرة الذاتية. وليس غريبا فالدول التي أنشأت الميثاق هي ذاتها الدول التي شنت الحربين العالميتين الدوليتين بين دول الشمال. ولم يكن للجنوب دولا سوى العدد القليل جدا. ويكفي أن نذكر أن عدد الدول التي أنشأت الأمم المتحدة هو 51 أما عدد أعضائها اليوم فهو 193 دولة، ليس من بينها دولة فلسطين ولا دولة الفاتيكان.ولعل السبب لهذا الإرتفاع الكبير في عدد الأعضاء يعود لإقرار الحق في تقرير المصير.
تأكيدا للإرتداد الدولي عن أهداف ميثاق الأمم المتحدة ، أنشئت الأحلاف العسكرية مثل حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو، وقامت التكتلات الإقتصادية في أوروبا . وعادت النزاعات الدولية لتطل برأسها من جديد، وعلى الرغم من المادة الثانية من الميثاق التي تحظر الحروب، إلا أن الدول الكبرى شنت من الحروب ما يصعب تعداده وحصره. لكن الملاحظ أن نصيب الجنوب وسكانه من النزاعات المسلحة كان الأكبر والأخطر حيث ابتعدت الدماء والمعاناة عن الشمال، وتعمقت في الجنوب، حيث دفع شعوب الجنوب ثمنا غاليا في الأنفس والمال والإقتصاد والإجتماع.
وبسطت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها على العالم من خلال إنشاء قواعد عسكرية في معظم دول العالم ، وأنشأت منظمات دولية تهيمن عليها مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وبخاصة اتفاقية بريتون وودز للمعادلات المالية .
وعلى سبيل المثال كان شعب فلسطين من أوائل الشعوب الذين دفعوا ثمنا بعد تبني الميثاق وما زال، تبعه الشعب الكوري والفيتنامي , والمصري والسوري والكمبودي والتشيلي والكولومبي والجنوب أفريقي والأفغاني والعراقي والبنمي والقائمة طويلة. فالحقيقة المرة والأليمة التي غابت عن أعين الكثيرين أن القانون الدولي ليس له مخالب وجزاءاته جميعا يتم تسييسها من قبل الدول الكبرى. فآلياته تساعد على تبني هذا النهج الضعيف الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. ولم تستطع الأمم المتحدة حل قضية على جانب من الأهمية طيلة فترة ثمانية عقود تقريبا رغم القرارات التي تتبناها والتي لا تستطيع تنفيذها. صحيح أن الأمم المتحدة صاغت وتبنت الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان ومواثيق 1966 للحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ومنع التعذيب والطفل إلا أن كل ذلك بقي في نطاق الأدبيات رغم الطاقم الإداري المكتبي الذي يعمل فيه وعليه.
ورغم ذلك كله تتهافت الدول كبيرها وصغيرها، فقيرها وثريها، قويها وضعيفها، شمالها وجنوبها، اشتراكيها ورأسماليها، على الحج إلى نيويورك في شهر أيلول ( سبتمبر ) من كل عام حيث تستعرض مهارتها اللغوية واللفظية وبيع لقيمها والتشهير بغيرها والدفاع عن قضاياها في الترويج لقضاياها حتى لو كانت مخالفة لميثاق الأمم المتحدة.
ومن هنا تتضح لنا الصورة كاملة. فالولايات المتحدة موجودة عبر رئيسها جون بايدن، وإيران موجودة عبر رئيسها إبراهيم رئيسي، وفلسطين موجودة عبررئيسها محمود عباس، والكيان موجود عبر رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، وعليه قس بقية الدول. ومن نافل القول أن كل دولة تفوض متحدثا باسمها وليس بالضرورة أن يكون رئيس دولة أو رئيس وزراء. لكنه حشد عالمي اجتماعي لرؤساء كثير من الدول والحكومات، قل أن يوجد مثيل له أن يجتمع في وقت واحد. ومن هنا تكمن أهميته الأدبية التي لاتعدو الرأي العام والتأثير الأدبي دونما صلة بالأفعال رغم القرارات.
ويبدو أن دول العالم أدركت هذه الحقيقة المرة العارية المتمثلة في أن الأمم المتحدة ساحة للصراعات اللفظية والصياغات العتيدة والمفاوضات غير المجدية، وأن جميع قراراتها سواء صدرت من مجلس الأمن وبخاصة الصادرة بموجب الفصل السادس او الصادرة عن الجمعية العامة هي مجرد حبر على ورق، وجهد ضائع . وقد أصبح واضحا للعيان أن الإلتجاء للأمم المتحدة في نيل الحقوق الوطنية، هو ملجأ الضعفاء الذي لا يقدرون على نيل حقوقهم بالقوة بكل أشكالها. ولعل قول مارغريت تاتشر ( المرأة الحديدية ) في نزاعها مع الأرجنتين تمثل هذه الحقيقة المرة. فحين وقع النزاع بين بريطانيا والأرجنتين حول جزر الفوكلاند التي تبعد عن الأولى بحوالي ثلاثة عشر ألف كيلو متر مربع ( تخيلوا )، نصحها بعض مستشاريها بالذهاب للأمم المتحدة، فكان جوابها الواضح القاسي المهين، وهل تظنني قائد عربي ليفعل ذلك.
ليس هذا افتئاتا على الأمم المتحدة ووجودها وأهدافها وغاياتها وميثاقها وعلى قراراتها ونفاذها، لكنها الحقيقة المؤلمة المرة التي تمنينا أن لا تحدث لأهل الجنوب وشعوبه. وقد تكون هذه الأمم ملهاة لشعوب العالم المناضلة نحو التحرر والإستقلال بكل صوره أشغلته ردحا طويلا من الزمن. فضلا عن أن هناك نقدا كثيرا لميثاقها، أبرزه التغيرات الحاصلة على الكرة الأرضية خلال ثمانية عقود تستدعي تغييرات وتعديلات جوهرية سواء في الميثاق أو في عضوية مجلس الأمن الدائمين أو الجمعية العامة أو في تنفيذ القرارات الأممية. ولنذكر أن الأفعال دائما أقوى من الأقوال، صدق ما تراه وانسى ما تسمعه. فدائما أثق في أن أفعال الناس هي أفضل مترجم لأفكارهم!!!
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
7 مجازر و120 شهيدًا بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 97)
شارك برأيك
أمم متحدة للثرثرة والتنظير