أقلام وأراء
الأحد 27 أغسطس 2023 10:13 صباحًا - بتوقيت القدس
بدائل هابطة وأخرى حالمة لموت حل الدولتين
يكثر الحديث في الأدبيات الفلسطينية والإقليمية عن قيام إسرائيل بتدمير حل الدولتين، نتيجة لسياسات دولة الاحتلال وممارساتها على الأرض، وبخاصة إغراق الضفة الغربية المحتلة بالمستوطنات والمستوطنين. والمقصود بحل الدولتين قبل الوقوع في أي التباس هو خيار الدولة الفلسطينية تجسيدا للبرنامج الوطني الفلسطيني الذي تؤكده قرارات الشرعية الدولية، والمؤسسات التمثيلية الفلسطينية، والقمم العربية، بقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة في العام 1967. يجب توضيح ذلك لأن هناك من يزعم أن حل الدولتين يمكن أن تجسده دولة في قطاع غزة إلى جانب إسرائيل بعد ضمها لمعظم أراضي الضفة، حتى نتنياهو قال ساخرا عن الأراضي المقطعة الأوصال المتروكة للفلسطينيين وفق صفقة القرن " إذا أرادوا تسميتها دولة فليسموها كذلك"، وهناك وزراء في الحكومة الإسرائيلية يدّعون وجود ثمة دولتين للفلسطينيين: الأردن وغزة.
يرتبط تراجع فرص حل الدولتين أيضا بقيام إسرائيل بإحكام ربط الأراضي الفلسطينية المحتلة وسكانها بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي من خلال تدمير مقومات الاقتصاد الفلسطيني، والسيطرة التامة على المعابر والموارد والأجواء. وباتت هذه السيطرة تشمل كل مناحي حياة الفلسطينيين من كهرباء وماء واتصالات ومواصلات وسجلات السكان والأراضي، واستخدام العملة الإسرائيلية، واعتماد موازنة السلطة الفلسطينية على القرار الإسرائيلي بتحويل أموال المقاصة ( اللافت أن اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس لم يضمن أية آلية دولية لإلزام إسرائيل بتحويل هذه الأموال وبقيت رهنا بقرار الإسرائيلي وخصوماته التعسفية) وحتى الحريات الفردية والشخصية مثل حق السفر أو تغيير مكان السكن ومعاملات الأحوال المدنية وإصدار الوثائق ظلت خاضغة لموافقة الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الاتجاه لهيمنة الاحتلال وتبعية الفلسطينيين لسلطاته راح يتعزز بدل أن يتقلص بعد اتفاق أوسلو، وعلى وجه التحديد في العقدين الأخيرين، على الرغم من المظاهر والمراسم التي يحظى بها الفلسطينيون، من سلطة وأجهزة أمنية ووزارات وهيئات وجوازات سفر وتمثيل دبلوماسي خارجي ووجود ممثليات أجنبية. ولا يقتصر أمر هذا الضم وتبعاته على يوميات حياتنا والمضايقات والانتهاكات الإسرائيلية التي لا تتوقف، بل الأخطر أنه صار ينتقل إلى المقاربات السياسية للتسوية، من قبيل التعامل الواقعي مع الشأن الفلسطيني وكأنه شأن داخلي إسرائيلي، والتعامل الأميركي ومعظم الأوروبي مع الفلسطينيين كجزء من العلاقات مع إسرائيل، حتى الممثليات الأجنبية في فلسطين معظمها يتبع لسفارات دولها في تل أبيب، إلى القبول بالاستفراد الإسرائيلي بالفلسطينيين بحجة أن اي مشكلة يجب أن تحل عن طريق المفاوضات، وصولا إلى نفض الأيادي دوليا وإقليميا من حل الدولتين وكأنه بات من المستحيلات.
يرتبط بهذا الطرح الهابط في التراجع العملي عن خيار حل الدولتين، والإبقاء عليه نظريا، دعوة الفلسطينيين للقبول بما هو متاح وممكن، وكأن حل الدولتين بات خارج نطاق الممكن. ويجري التغطية على هذا الخيار بكلام عائم عن "التمسك بحل الدولتين" أو الحفاظ على هذا الحل، وفي النتيجة يجري التلويح بإغراءات اقتصادية، ومطالبة إسرائيل بتقديم تسهيلات جدية، حتى أن هذا العرض الأخير ورد في ما يتسرب من عروض أميركية على السعودية نظير التطبيع مع إسرائيل. وللأسف يمكن العثور في بعض الخطاب الفلسطيني على مثل هذه المواقف الملتبسة والتي تبدي استعدادها للتعاطي مع هذه التنازلات.
وإلى جوار هذا البازار، هناك أصوات كثيرة باتت تروّج لموت حل الدولتين، ينطلق بعضها من أرضية وطنية فلسطينية، أو على الأقل من موقع التعاطف مع الشعب لفلسطيني وقضيته العادلة، بل إن حركة سياسية تشكلت لهذا الغرض ويقوم طرحها البديل على الدعوة " لدولة واحدة بحقوق متساوية"، تضم هذه الحركة ناشطين فلسطينيين وإسرائيليين مناوئين للاحتلال، وتحظى ببعض الدعم في أوساط أكاديمية محلية ودولية.
ومع ضرورة التمييز بين المنحى التصفوي الذي تحمله المشاريع الإسرائيلية، وتتواطأ معه الدوائر الغربية وخاصة الإدارة الأميركية، وبين الاجتهادات الفلسطينية التي تحمل أكثر من وجه، بعضها يميل للمساومة وقبول ما هو معروض عليه، وبعضها الآخر ذو طابع اجتهادي يرى عمق المأزق الذي علقت به قضيتنا بعد اتفاق أوسلو.
لا أحد يملك الحق في حظر الاجتهاد والتفكير على غيره، إن كان الأمر يرتبط باجتهاد سياسي وفكري يطرح بدائل نضالية لبرنامج الدولة المستقلة، لكن اعتماد برنامج وطني بديل للشعب الفلسطيني ينبغي أن يصدر عن مؤسساته الشرعية الجامعة، لا عن اجتهادات لهذا القائد أو المفكر أو ذاك، وقبل ذلك ينبغي تجديد شرعية هذه المؤسسات الشرعية التمثيلية عبر انتخابات شاملة تشارك بها كل تجمعات الشعب الفلسطيني.
هذه الطروحات تفرض من الأسئلة أكثر مما تقدم من الأجوبة، ومن ضمن هذه الأسئلة:
- هل بات علينا التسليم بأن الإجراءات الإسرائيلية بما فيها التهويد والضم والاستيطان وما فرضته إسرائيل من وقائع مادية خلال العقود الماضية، هي إجراءات نهائية وغير قابلة للتراجع، وما علينا سوى التسليم بها؟
- هل يمكن لأي برنامج سياسي يخص شعبا وحركة تحرر أن يكتفي بطرح الأهداف البعيدة كرغبات طوباوية حالمة، من دون برامج وخطط تفصيلية توضح سبل تحقيق هذه الأهداف وأشكال النضال المقترحة، وكيفية تعبئة جماهير الشعب وطاقاته للإسهام في هذا البرنامج، طالما أن الأهداف المشار لها لن تقدم لنا على طبق من فضة؟
- ماذا بشأن الموقف من الاستيطان المتواصل، هل علينا التسليم به لأنه سيكون جزءا من حل الدولة الواحدة، وما مصير الاعترافات الدولية الواسعة بالدولة الفلسطينية؟
- هل من الحكمة والواقعية التسليم بالهزيمة قبل وقوعها، أم أن من الأجدر مراجعة برامجنا وأدوات نضالنا وأوضاع مؤسساتنا، وسبل إدارة الشأن الوطني؟
الركون للإجابات التقليدية التي يحفظها أطفالنا غيبا، لا يساعدنا في التصدي لهذه الأسئلة والتحديات، ولا في التعاطي مع التحولات والمؤامرات الهادفة للنيل من حقوقنا الثابتة والمشروعة، كما أن الإجابات النظرية والأكاديمية لا تكفي لتوجيه دفة النضال نحو الحرية والاستقلال، والمطلوب إجابات تتحول إلى برامج وخطط عمل يومي بدل انتظار ما ستفعله بنا الأقدار.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
7 مجازر و120 شهيدًا بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 96)
شارك برأيك
بدائل هابطة وأخرى حالمة لموت حل الدولتين