أقلام وأراء
الإثنين 19 يونيو 2023 10:46 صباحًا - بتوقيت القدس
لا يمكن لسلطة احتلال أن تكون منارة للديمقراطية
بغض النظر عن كيفية انتهاء المعركة على إصلاحات القضاء في إسرائيل، سواء كان ذلك من خلال التوصل إلى اتفاق بين المعارضة وحكومة نتنياهو، أو من خلال فرض الأخيرة إرادتها ، أو ترك الوضع الراهن دون عائق ، فإن إسرائيل ليست ديمقراطية حقيقية ولن تكون كذلك طالما بقيت قوة احتلال.
لا يمكنني التصفيق والإعجاب بما يكفي لمئات الآلاف من الإسرائيليين الذين احتجوا لمدة تسعة أسابيع متتالية ضد خطة حكومة نتنياهو لتخريب القضاء الإسرائيلي بحجة "الإصلاحات" الضرورية. في الواقع، كان نتنياهو ووزير العدل ليفين مصممين على إخضاع المحكمة العليا الإسرائيلية لأهواء الأغلبية البسيطة في الكنيست ، وتعيين قضاة في لجنة ذات عدد متزايد من الممثلين تختارهم حكومته بعناية. وإذا صدرت مثل هذه التشريعات ، فسيكون ذلك بمثابة إعطاء الحكومة سلطة غير محدودة دون أي ضوابط وتوازنات ، وتدمير أساس الديمقراطية الذي تأسست عليه الدولة والتي يفخر بها الإسرائيليون بشكل خاص.
المفارقة هنا هي أنه في حين أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أن بلادهم دولة ديمقراطية ويتدفقون بحماس إلى الشوارع للحفاظ عليها، وغالباً ما يشيرون إليها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، فإن ما يغيب عنهم هو أنه لا يوجد بلد يستطيع الادعاء بأنه ديمقراطي وأن يكون قوة محتلة في نفس الوقت. وتطبيق في الواقع مجموعتين مختلفتين من القوانين والقواعد، واحدة تحكم المواطنين الإسرائيليين تمنحهم الحماية والحريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، مقابل المجموعة الأخرى من القوانين واللوائح العسكرية التي تحكم الفلسطينيين تحت الاحتلال وتحرمهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية ، هو أمر غير متسق تمامًا مع الديمقراطية بأي تعريف وبأي شكل ٍ من الأشكال.
والسؤال هو ، لماذا أصبح الإسرائيليون مخدرين بشكل مريح للاحتلال الوحشي ولم يحتجوا مرة واحدة على استمراره ، وكأنه حالة طبيعية ليس لها تأثير أو تداعيات على قوة الاحتلال أو المُحتل؟
القسوة العامة: بادئ ذي بدء، انخرطت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ، خاصة منذ الانتفاضة الثانية في عام 2000 ، التي كانت خلالها حكومات محافظة للغاية في السلطة إلى حد كبير ، بشكل منهجي في روايات عامة قاسية ضد الفلسطينيين وتصويرهم على أنهم أعداء لا يمكن إصلاحهم. كان تصوير الفلسطينيين على هذا النحو متعمدًا، على الرغم من أن كل حكومة إسرائيلية كانت تعلم جيدًا أن الفلسطينيين لن يكونوا أبدًا في وضع يسمح لهم بتشكيل تهديد وجودي حقيقي ضد بلدهم.
ومع ذلك ، فهم يواصلون الترويج لشجبهم للفلسطينيين للاستهلاك العام ، مدركين أنهم يغذون الكراهية ويزرعون العداء ضد الفلسطينيين ، وهو ما يحدد الآن العلاقة الإسرائيلية – الفلسطينية. من الواضح أن الروايات العامة اللاذعة التي تضع شعبا ً ضد آخر تعزز الصراع بدلاً من التعاون ، وهو أمر ضروري لديمقراطية فاعلة.
الافتقار للوعي: لدى معظم الإسرائيليين القليل جدًا من المعرفة المباشرة عن قسوة الاحتلال والألم والمعاناة التي يتحملها الفلسطينيون يومًا بعد يوم. فلو كان الإسرائيليون قد شهدوا المداهمات الليلية التي ترعب الصغار والكبار ، والحجز التعسفي ، وهدم المنازل ، والإخلاء القسري ، ومصادرة أراضي خاصة ، واقتلاع الأشجار ، ونقاط التفتيش المذلة ، والتخريب الذي يقوم به المستوطنون ، وجنود مبتهجين يطلقون النار ليقتلوا ، سيكون لديهم بالتأكيد فهم أفضل للسبب في أن الاحتلال ليس مستدامًا ولا يمكن أن يكون مستدامًا ، ولكنه يتعارض مع كل قيمة إنسانية يقدرونها عاليا ً.
وحتى لو كان بعض مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين وقفوا شامخين للقتال من أجل الحفاظ على ديمقراطيتهم قد اختبروا ليوم واحد ما يتحمله الفلسطينيون كل يوم تحت الاحتلال ، فإنهم سيدركون مدى انهيار ديمقراطية إسرائيل ومدى عار الادعاء بذلك. هم يحق لهم العيش في مجتمع حر بينما يعيش الفلسطينيون في العبودية.
تطبيع الاحتلال: لفهم خطورة كيف أصبح الاحتلال بالنسبة لمعظم الإسرائيليين حالة طبيعية ، تروي إحصائية واحدة القصة: 80 في المائة من جميع الإسرائيليين ولدوا منذ بدء الاحتلال في عام 1967. يُعتبرالاحتلال لكل مواطن إسرائيلي تحت سنّ 56 عاما ً- سواء كان جنديًا أو طالبًا أو باحثًا أو قائدًا عسكريًا أو طبيبًا أو عامل بناء أو نجارًا أو أمينًا أو رجل أعمال أو مهندسًا أو مسؤولًا حكوميًا – أمراً طبيعيّاً. أولئك الذين يريدون إنهاءه أصبحوا مخدرين إلى حد كبير. يخشى الكثيرون الحديث عنه علنًا ، ناهيك عن الدعوة علنًا إلى الضرورة المطلقة لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة لإنهاء الصراع.
لقد أصبح قتل الفلسطينيين بشكل شبه يومي أمرًا روتينيًا والعديد من الإسرائيليين يستيقظون بشكل مؤقت فقط عندما يقتل فلسطيني مسلحاً يهوديًا إسرائيليًا. تسمع فورا ًصدى دعوات للانتقام والأخذ بالثأر، خاصة من قبل الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين ، وتتجمّع قوات الأمن على الفور للبحث عن الجناة ، وغالبًا ما تندلع معركة بالأسلحة النارية ، وغالبا ً أيضا ً ما يُقتل المسلحون الفلسطينيون ، وللأسف يقع المدنيون الفلسطينيون الأبرياء في مرمى النيران. وينتهي بهم الأمر بالدفع بحياتهم. وبالطبع ، اتركوا الأمر للمستوطنين ليقوموا بأعمالهم الوحشية بأن ينتقموا من أي فلسطيني – مذنب أو بريء لا يهمهم. وبعد يوم أو يومين ينسي اليهود الإسرائيليون كل شيء ، لكن الحلقة المفرغة مستمرة. هذه هي الديمقراطية على النمط الإسرائيلي.
التعايش مع الوضع الراهن: بعد 56 عامًا من الاحتلال تخلى عدد متزايد من الإسرائيليين عن إيجاد حل للصراع مع الفلسطينيين وأصبحوا يقبلون بالوضع الراهن على أنه حالة دائمة يعيشون فيها بشكل مريح. صرحت الحكومات اليمينية المتعاقبة بقيادة نتنياهو علانية أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية تحت حكمها، مفضلة الإبقاء على الوضع الراهن بغض النظر عن اندلاع العنف المتكرر الذي تعلمت إسرائيل كيفية السيطرة عليه بتكلفة مقبولة.
إن الفكرة القائلة بإمكانية استمرار الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى هي فكرة مضللة تمامًا ، حيث لا توجد أي علامة على الإطلاق ولا سبب للاعتقاد بأن الفلسطينيين سيتنازلون عن حقهم في إقامة دولة خاصة بهم. وفي السنوات الأخيرةأصبح الاحتلال القمعي لا يطاق على نحو متزايد ، والاستياء والكراهية ضد الإسرائيليين ثاقبة ، والعنف الذي يستهدف الإسرائيليين في تصاعد ، واليأس والقنوط يستهلكان الفلسطينيين بالكامل ، الأمر الذي يتركهم مع القليل من الخسارة. الإسرائيليون ساعدوا في خلق هذه البيئة المتفجرة. والآن هي مسألة وقت فقط عندما سيحدث الانفجار القادم. ليست هذه هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية ويجب على الإسرائيليين أن يواجهوا هذا الواقع المرير عاجلاً وليس آجلاً.
طموح الفلسطينيين لتدمير إسرائيل: قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بغسل أدمغة الجمهور من خلال الترويج لفكرة أنه حتى لو أقام الفلسطينيون دولتهم الخاصة بهم ، فإنها ستكون فقط المرحلة الأولى في هدفهم النهائي للقضاء على إسرائيل تمامًا. لكن بعد ذلك لم يقدم أي زعيم إسرائيلي واحد يعارض إقامة دولة فلسطينية أي دليل أو حجّة لإثبات مزاعمه،هذا بخلاف استخدام الخطاب الفارغ لبعض المقاتلين الفلسطينيين الذين يقولون إن هذا هو في الواقع هدفهم القومي. قد يتساءل المرء، مع ذلك ، بأي وسيلة ، عسكرية أو غير ذلك ، سيكون الفلسطينيون في يوم من الأيام في وضع يسمح لهم بإدراك مثل هذا الوهم ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية الهائلة القادرة على سحق أي استفزاز عنيف يعتبر تهديدًا لوجود إسرائيل؟
ومن خلال الترويج لمثل هذه الرواية السخيفة ، يمكن للحكومة الإسرائيلية "تبرير" ليس فقط الاحتلال ولكن مساعيها لضم المزيد من الأراضي ، وتوسيع المستوطنات غير القانونية القائمة وإضفاء الشرعية عليها ، واجتثاث الفلسطينيين ، وتطهير مناطق شاسعة من سكانها الفلسطينيين للتدريب العسكري. تتم هذه الأنشطة بشكل منهجي باسم الأمن القومي ، وللأسف فإن عددًا متزايدًا من الإسرائيليين يصدّقون هذا المخطط الشرير.
لا يشير أي مما سبق إلى أن الفلسطينيين أبرياء بأي معيار. لقد ارتكبوا العديد من الأخطاء وفقدوا العديد من الفرص في الماضي لصنع السلام لأنهم أرادوا كلّ شيء وانتهى بهم الأمر بلا شيء. ومع ذلك ، فإن الأمر متروك الآن لإسرائيل ، باعتبارها القوة المهيمنة ، لتغيير ديناميكية الصراع من خلال السعي لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين. وإلا فإن النسيج الاجتماعي الإسرائيلي سيستمر في التفكك ، وستشتد نزاعاتها الإقليمية العنيفة ، وستتضاءل مكانتها الدولية. لن تكون إسرائيل سوى صدفة لنفسها ، دولة منبوذة ، تحطم الحلم اليهودي في إقامة دولة مستقلة وحرة وقوية وعادلة يفتخر بها كل يهودي ، ويحبها أصدقاؤها ويحسدها أعداؤها.
بدأت منارة الديموقراطية الإسرائيلية تتلاشى مع بدء الاحتلال. حان الوقت لمئات الآلاف من المتظاهرين الإسرائيليين الذين تدفقوا إلى الشوارع لحماية ديمقراطيتهم مواجهة الحقيقة: الاحتلال يحرم ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية من كل ما يريده المحتجون لأنفسهم.
حتى لو انتصر المتظاهرون على مخطط نتنياهو المروّع ، فلن ينقذوا ديمقراطية إسرائيل ما لم يندفعوا بلا هوادة إلى الشوارع ويطالبون بإنهاء الاحتلال وجعل إسرائيل مرة أخرى منارة للديمقراطية في الشرق الأوسط وما وراءه.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اتفاق وشيك بين إسرائيل ولبنان
الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي
الأكثر قراءة
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
لائحة اتهام إسرائيلية ضد 3 فلسطينيين بزعم التخطيط لاغتيال بن غفير ونجله
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 93)
شارك برأيك
لا يمكن لسلطة احتلال أن تكون منارة للديمقراطية