أقلام وأراء

السّبت 10 يونيو 2023 10:55 صباحًا - بتوقيت القدس

تجديد النظرية الثورية الفلسطينية

في مقالنا الذي نشرناه السبت الماضي تحت عنوان"عقيدة ثورية" كنا قد أكّدنا على ضرورةٍ محتومة لصحوةٍ ثورية حقيقية تشتمل على مراجعةٍ ذاتية واعية ومسؤولة من شأنها إحداث تغيّر جذري في آليات وإدارة العمل الثوري ، وقادر على التعامل وعلى معالجة القضايا المُلحّة والمَصيرية والطارئة بطريقةٍ ومَنهجية تخدم القضية الفلسطينية وتُفيدها إفادةً مثمرة وإيجابية على مستوى التحرير والتخلص من الاستعمار وأوزاره ومخلّفاته الثقيلة .


واليوم ومن خلال هذا المقال ولأجل البَدء بذلك التغيّر المَروم ضرورةً وواجباً مُلحّاً نرى بأنه لا بدّ لنا ولا مناص من القيام بعملية تأهيل وعملية تجديد للنظرية الثورية "المُمارَسة" فوق أرض المعركة وما يُفرَز عنها من مساراتٍ أخرى منذ أكثر من نِصف قرن لكنها لم تُفضِ ولم تصل بنا إلى الهدف الأصيل الذي ثارت لأجله ألا وهو تحرير البلاد من نَيرِ الاستعمار، بل إنّها إضافة إلى عجزها عن تحقيق ذلك فقد أُصيبَت بأعطابٍ مُمرِضة وشالّة خلّفتها أسبابٌ مُتباينة ومختلفة أشدّها : الانقسام على ذاتها حول "المُقدّس" لديها وتعريف مضمونه وفَهم كَنَه مَعانيه ، بالاضافة إلى عامل الزّمن الذي استطال ومَرد حتى غلغلَ اليأسَ في نُفوس أنصارها وأبنائها وذلك لِعَدم رؤيةِ بصيص ضوءٍ في آخر النفق المُعتم الذي غرقت في دهاليزه الثورةُ الفلسطينية لكثرة ما اعتراها من خَللٍ على كافة المستويات، وبسبب انغلاق الآفاق السّياسية وتعثّر مُجريات التحرير وتباين أساليب ومفاهيم المقاومة في العقل الفلسطيني الواحد ؛ الأمور التي عَدَمت الحلول المنظورة أمام استعمارٍ كُولنيالي حُلولي عَمِلَ وما زال على خَلق واقعٍ سياسي مُعقد ومُركّب وواقع أكثر تعقيد ومتشابك على مستوى الجغرافيا، ونراهُ يجتهد في فعل ذلك على مستوى الديمغرافيا كي يُكمل ويُحكِمَ طوقه ويجعل من ذلك حقائق ثابتة وراسخة فوق الأرض يكون من الصعوبة بمكانٍ أو بزمانٍ تفكيكُها أو التغلب عليها - بِحَسَبِه - ، ويُصبح من المستحيل أن تَجِد الحُلولُ الجُزئيةُ والآنيةُ للقضيةِ مساحَاتِها وفُرصَتَها حتى على الورق عِوضاً عن الأرض والجغرافيا ، ويكون بذلك قد ضَرَب بعرض التاريخ كلّ إمكانيةٍ لحصول حالةٍ من بناء دولةٍ فلسطينية ، أيّ دولة فلسطينية ..! ، وأيّ إمكانية لحصولِ حالةٍ من التعايش ضِمن دولةٍ واحدة لشعبين كما يُطرح في أروقة السّياسة من حينٍ إلى حين من قبل أوساطٍ غير رسمية على المستويين الرئيسيين الفلسطيني والصهيوني .


أمام هذا التشخيص السّريع والمُبَسّط ومن خلال جسّ الحالة الثورية والصّحية وتشخيص أمراضها وعلّاتها ، وأمام قراءتنا ومتابعتنا للمنهج الاحتلالي الاستعماري وتطوّر سياساته وتطرّفها وتَقدّم أدواته وتفوّقها، وأمام تمدّدِه الاستيطاني الأخطبوطي وممارسة سياسة الضّم الناعم للأرض والسيطرة عليها بالمستعمرين التوراتيين وفي ظلّ اجتياحه للعالم العربي والإسلامي بواسطة طَرَّادات التطبيع ومناطِيده ، الأمر الذي ينذر بكارثةٍ محتومة ستفوق كارثة النكبة عام ١٩٤٨، فإن ما ينذر به الواقع سيكون "ترانسفير" جماعي وشامل وتطهير عرقي وتاريخي للأرض والانسان الأصلاني (الفلسطيني) ، سيكون "ترانسفير" شامل مسكوتٌ عنه عالمياً وعربياً ومُبارَكٌ على خَجَلٍ أميركياً ، ومَعجوزٌ عن مواجهته فلسطينياً لأنّ المُنفصم ثورياً والمُنقسِم مفاهيمياً وقيمياً وبرامجياً لا يمكن له أن يواجه "موحداً" ومتصالحاً توراتياً واستعمارياً مع ذاته.
وهنا لا بدّ من الاستفاقة والصّحو وبشكلٍ مباشر وسريع من سُبات وعَمَاء حالة (التّرهل والانكسار والانقسام والتشرذم ) التي طال أمَدُها واستعصَى، والوقوف بشجاعةٍ وبطولة فوق شُرفة المُصارحة والصّدق الذّاتي والاعتراف بالفشل الثوري واستبعاد أسبابه ومسبّباته وغضّ الطرف عن "عصا القضاء" في الوقت الرّاهن لخلق واستنهاض حالةٍ ثورية فلسطينية جديدة ومعافاة في كلّ مكوناتها المادية والمعنوية وذلك لا يكونُ إلا من خلال عدّة مضامين أهمها :


١- دعوة الفلسطينيين إلى عقد مؤتمر يشمل كل الجغرافيات الفلسطينية ومناطق الشتات والمهاجرين منهم في أصقاع الأرض.


٢- القيام بدراسة بحثية معمّقة ودقيقة لحيثيات ومنهجية الثورة الفلسطينية وتتبّع مَسيرتها المقاوماتية والوقوف عند كل منعطفاتها والنظر في أسباب فشلها عن تحقيق أهدافها على الرغم من العمل والبذل المتواصِلَين.


٣- مُزايلة كلّ مواطِن الخِلاف وتجنيبها مُعتَرك العمل ولو إلى حين "التحرير" والإلتفاف حول "المُشترك" الفلسطيني بين كل تشكيلات وأُطر الشعب الفلسطيني ، ومن فضل القضية الفلسطينية على أبنائها أنها تمتلك "المُشترك " الذي لا يُجادل ولا يَنتطح عليه كَبشان ألا وهو "المُقدّس" المتمثل في "الوطن" الجامع ومُتطلّب تحريره من الاحتلال كواجبٍ مَحتوم بالوطنية والدّين والتاريخ والأحقيّة الإنسانية في العيش وعلّات الوجود .


٤- من الهامّ جدّاً البُعد عن المرجعيات الأيدلوجية الأصولية سواء الدينية منها أو العلمانية أو القومية أو الاشتراكية بصفتها الراديكالية الشمولية التي تستند إلى "الداغمائية" كمُحَكّم في استجلاب مصالحها وتنفيذها، الأمر الذي يجعل منها مُحيطَ خِلاف بين الشركاء وحاملي الأيدولوجيات المختلفة من أبناء الشعب الفلسطيني وهذا ما لا يُرتجى أن يكون على أقل تقدير قبل التحرير الكامل والشامل.


ومن هنا تصبح ضرورة صياغة نظرية ثورية جامعة يكون محورها المشترك "المُقدَّس" في الفهم الثوري وتكون عقيدتها الثورية والمقاوماتية " التحرير الشامل والكامل وإزالة المستعمِر " على غرار الثورات العالمية الحديثة الفيتنامية والجزائرية والليبية وغيرها ..، ويحرّكها الهدف غير المُجزّأ والبعيد عن أنصاف وأرباع الحلول وتكتيكاتها المرحلية ، بمعنى آخر (البعد عن المُجَرّب الذي ثبت فشله وحلّ خرابه ودماره في جسد الشعب وثورته وقضيته ).


٥- بناء هيكلية جامعة للبيت الفلسطيني بعيداً عن المحاصصة الفئوية والحزبية الضيّقة وتقسيم الغنائم الوهمية .. وهنا يجب أن نؤكد على وجوب تجديد وإعادة تأهيل منظمة التحرير في حال اتُفِق على إبقاء المُسمّى بين المشاركين في المؤتمر الفلسطيني الكبير،مع العلم ومن الصحيّ بمكان أن يُبحث عن مُسمّى جديد يكون بمثابة انطلاقة جديدة تًمنح الثّقة في الأنفُس التي أصابَها اليأسُ من ترهّل بل قُل اندثار أُسس ومقوّمات وماكنات تلك "المُنظّمة" .. وقد يرى الكثيرون في هذا القول مناهضةً لآرائهم ولكني ومن غير وجلٍ أؤكد أنه لا بدّ من إرادةٍ صادقةٍ وعمل بطولي جريء وشعور مروئي مسؤول تجاه هذه القضية المُقدّسة التي تحتاج إلى أبطال حقيقيين يتقبّلون التغيير والتجديد الذي يصبّ في مصلحة القضية ويبتعد أو يلغي بشكلٍ نهائي التابوهات والطماطم(جمع طَمطَم) التي أنشأتها الحالة الرخوة والمترهّلة والمُتراجعة للثورة الفلسطينية على مدار عقودٍ زمنية مُضنية .


لا بدّ من فرض قواعد جديدة وهيكل جديد ودافئ يُجمّع حول "المُشتَرك" ويقصي كلّ ما يدعو إلى الفُرقة والتقزّم، ولا بدّ من ابتداع آليات وأدوات عمل جديدة قادرة على مواجهة واقع معقّد ويزداد صعوبة كل ساعة وكل يوم ، وبهذا فقط يمكن إعادة تجنيد كل الفلسطينيين حول الهدف الأصيل ومن ثمّ يمكن تجنيد العالم العربي الذي انفضّ عن القضية بسبب انقسامها على نفسها وبسبب ترهّل ثورتها ومَشِيْخها، ومن ثمّ سيأتي العالم البعيد بِحُكم وحدة الكلمة وصَلابة الموقف ووضوحِ الرّؤية التي ستُعطي بدَورها مُجتمعةً انطباعاتٍ صادقة وتفرِض وقائعَ جديدة، وستدفَعُ المُستعمِر من جهةٍ ثانية إلى إعادة حساباته وعملِ مُراجعاتٍ سياسية سيكون لها آثار إيجابية تصبّ في صالح القضية الفلسطينية وثورتها..!
*سجن نفحة

دلالات

شارك برأيك

تجديد النظرية الثورية الفلسطينية

المزيد في أقلام وأراء

ما أفهمه

غيرشون باسكن

صفقة التبادل إلى اين ؟

حديث القدس

دور الداخل الفلسطيني

حمادة فراعنة

معركة رفح هل تنقذ نتنياهو ومصيره السياسي ..؟

راسم عبيدات

"الطلبة يساهمون في صنع طريق التغيير وفلسطين هي معيار اختبار العدالة للجميع"

مروان أميل طوباسي

رفح تحت النار.. التصعيد الإسرائيلي يعمق أزمة غزة ويهدد استقرار المنطقة

فادي أبو بكر

قطر ورقة ضغط إسرائيل الخاسرة

سماح خليفة

ألتفاوض على الطريقة الفيتنامية والجزائرية..التفاوض تحت النار وبإسناد محور المقاومة

وسام رفيدي

قناة الجزيرة وانهيار سُمعة إسرائيل الهشّة

أحمد الحيلة

نتانياهو اصطاد العصافير دون النزول عن الشجرة

حديث القدس

القبول الفلسطيني والرفض الإسرائيلي

حمادة فراعنة

إطار للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط

جيمس زغبي

رفح آخر ورقة في يد نتنياهو

بهاء رحال

سامحني أبو كرمل.. أنا لم ولن انساك

خالد جميل مسمار

حرب ظالمة وخاسرة

سعيد زيداني

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

فهمي هويدي

أمنوا بالنصر فحققوه ..

يونس العموري

التطبيع.. الدولة العربية، جدلية "المصلحة" والثقافة

إياد البرغوثي

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الخميس 09 مايو 2024 9:40 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.28

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.98

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 239)

القدس حالة الطقس