أقلام وأراء

الأربعاء 31 مايو 2023 10:40 صباحًا - بتوقيت القدس

من وحي الوطن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني: حاتميُّ الطباع وفلسطينيُّ الهوى


خلال عملي كمستشار سياسي لرئيس الوزراء أو كوكيل في وزارة الخارجية (2006 -2011م) اتيحت لي فرصة اللقاء بالقيادة القطرية، كما أنَّ مشاركتي في اجتماعات مجلس الوزراء منحتني الكثير للاطلاع على الجهود والعطايا والمواقف للكثير من الدول التي كانت تتعامل معنا.. لا شكَّ أنَّ قطر وأميرها السابق سمو الشيخ حمد كانا في الصدارة، من حيث الاتصالات والتواصل، ومفتاحُ حلٍّ للأزمات الإنسانية والسياسية التي كنا نتعرض لها.


لقد كنت شاهداً على الكثير مما قدمته قطر وأميرها، وقد سجّلت بعضاً من تلك المواقف واللقاءات في دراسة باسم (قطر وحماس: كرمُ العطاء وجدل السياسة)، كشهادة مني للتاريخ؛ لأنَّ غرس المعروف لا يضيع كسبه، ولا يُنسى ذكره، وكما قالوا: "لا يذهبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ".


بعد تشكيل حكومة إسماعيل هنية الأولى في مارس 2006م، قمت أنا ورئيس الديوان د. محمد المدهون بجولة عربية ودولية مع نهاية شهر يونيو من نفس العام، شملت زيارة كلّ من مصر وسويسرا وسوريا والإمارات وقطر، حيث تسنى لنا اللقاء بالعديد من المستويات السياسية في تلك البلاد.


في الحقيقة، كانت مقابلة سمو الشيخ حمد؛ أمير دولة قطر آنذاك، هي من بين الأكثر حميمية وأخوية وصدقيّة في التعهد والوفاء.


بعد انتهاء جولتنا في سويسراً، وسماعنا لبعض الأفكار والمبادرات من طرف الخارجية السويسرية، ارتأينا أن نُطلع عليها بعض أصدقائنا المقربين من قادة العرب والمسلمين، وكانت قطر إحدى الدول التي وجدنا أن من الجيد التعريج عليها، وعرض ما تداولناه مع السويسريين وما قدموه لنا من اقتراحات.


اتصلت بصديق لنا في قطر له علاقات وطيدة بالأسرة الحاكمة، وقلت له لدينا رسالة نريد إيصالها إلى سمو الأمير، ونأمل أن تساعدنا في ترتيب ذلك. أجرى الرجل اتصالاته، وقال إنَّ الأمير جاهز للقاء بكم في الديوان.


ذهبنا في الموعد المحدد، ووجدنا سمو الشيخ حمد بانتظارنا في الديوان الأميري بالدوحة حيث استقبلنا باسماً ومرحباً، وجلس سموه يُنصت لحديثنا حول الوضع في غزة، والعلاقة مع إخواننا في حركة فتح ومع الرئيس أبو مازن، وأيضاً حول الموقف الأوروبي وما تحمله زيارتنا لسويسرا من المعاني والأسرار، كما أخذنا الحديث باتجاه إيران؛ دورها ومواقفها، والموقف الأمريكي الرافض للتعامل مع حكومة هنية، وإمكانيات الدور الذي يمكن أن تلعبه قطر لمساعدة الحكومة المنتخبة وفكِّ الحصار عنها.


بصراحة، شعرت في ذلك اللقاء بأنني أتحدث مع أخي الأكبر، ومع زعيم عربي متابع باهتمام لقضيتنا، وأن لفلسطين وشعبها وقيادتها مكانة خاصة في قلبه ووجدانه.


استعرضنا مع سموه لقاءاتنا مع الخارجية السويسرية، وتبادلنا معه الرأي والمشورة حول ما يفكر به بعض الأوروبيين للتواصل مع حركة حماس، ولكنَّ بعضهم يتعذرون بسبب "العقبة الأمريكية" التي تمثل حجر عثرة وعقبة كأداء في وجه أيّ تقدم للأمام.. لقد وعدنا سموه ببذل الجهد مع الأمريكان، وإن كان يعلم بأن المسار مازال معقداً، وأن هناك ضغوطا -من جهة الأمريكان- على قطر كي لا تتوسع في دعمها وعلاقاتها مع حركة حماس. وفيما يتعلق بإيران، استمع سموه لوجهة نظرنا، وبارك توجهاتنا بالانفتاح على الجميع؛ باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة، وأن إيران دولة مهمة بالمنطقة، وأنَّ توطيد العلاقة معها هو رصيدٌ للشعب الفلسطيني وكسبٌ لقضيته.


بالطبع؛ لم يفت سمو الأمير أن يذكر الإسهام التاريخي للفلسطينيين منذ الخمسينيات في بناء المؤسسة التعليمية بدولة قطر، كما أشار سموه للســــنـوات الــــتـــــــي عـــاشـــــــــهــــــــا الـرئيــــــــــــس أبــو مــــــــازن كــمـــــــدرس فــــــي قــــطـــــر، وأنه يُكّن له على المستوى الشخصي احتراماً خاصاً.


لا يفوتني أن أذكر أن سمو الشيخ حمد لديه حِسٌّ للفكاهة والدُعابة، ولقد أعجبته الكثير من النِكات التي رواها زميلي د. المدهون؛ وهو يمتلك قدرة على عرض النكتة بطريقة تجعلك تُفرط من الضحك. شعرت بانسجام سموه في الانصات للكثير من تلك النكات، وبادلنا بعضاً مما عنده، الأمر الذي كسر رسميِّة اللقاء، وجعلنا نشعر وكأننا نجلس ونتسامر مع أخانا الأكبر.


بعد تلك الجلسة والحديث الطويل مع سمو الأمير، تغيرت لديَّ الكثير من الانطباعات السلبية، التي سادت ثقافتنا السياسية تجاه أهلنا في الدول الخليجية، وشعرت أنني في ضيافة رجلٍ صاحب مقامٍ كريم، حيث إننا ما قصدناه في أمر إلا وكان الاستعداد والترحيب.. قبل نهاية الجلسة، قدّم لنا كُرّاساً من عدة صفحات، وطلب منا أن نُسجِّل له كلَّ ما نراه عاجلاً للحكومة من احتياجات، وما نرجو تحقيقه أيضاً من تطلعات، وما نـتـمـنــــاه مــــــــــن رغــــبــــات.


وشهادة للتاريخ، أن سمو الشيخ حمد قد أنجز -بوفاءٍ عظيم- كلَّ ما دوَّناه في ذلك اللقاء، وكان آخره هو زيارته التاريخية لقطاع غزة في أكتوبر 2012، وتدشينه للعديد من المشاريع التي هي اليوم علامة بارزة، وهي شاهدةٌ على شهامته وكرمه، ومعالم حضرية تتلألأ على أرض قطاع غزة، وهي تقول لنا ولأجيالٍ تأتي بعدنا: "مرَّ الأمير من هنا.. وهذا هو الأثر".


باختصار: إن قطر بأميرها السابق سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (حفظه الله ورعاه) كانت يدُ الخير التي لم تبخل على أحد، بل جادت بما أنعم الله عليها من فضله، وكان أميرها الأب ومن بعده الأبن سمو الشيخ تميم، لهما قصب السبق في الجود والكرم، وإذا كان سمو الأمير الشيخ حمد قد عظمت عطاياه وسخائه لأبناء أمته، حيث "أندى العالمين بطونَ راحِ"، فإن سمو الأمير الشيخ تميم كان على خطى والده، ونهجه القويم، في تعاطفه ومشاعره القومية، ومواقفه الإنسانية، ومآثره في الكرم والعطاء.. لقد شاهدنا كيف تقدمت قطر قافلة أهل العطاء لفلسطين في مؤتمر المانحين المنعقد بالقاهرة في 12 أكتوبر 2014، لإعادة إعمار قطاع غزة بعد تلك الحرب العدوانية عليه، حيث سبقت الجميع، وكانت منحتها السخيِّة مليار دولار.


إن شعبنا لن ينسى الزيارة التاريخية لسمو الشيخ حمد لقطاع غزة، حيث كان أول رئيس عربي يزور القطاع ويكسر عنه الحصار، ليس فقط بموكبه الأميري الذي طاف شوارع قطاع غزة، بل أيضاً بتبرعه الكريم بنصف مليار دولار للنهوض بالبنية التحتية للقطاع، وذلك عبر العديد من المشاريع الاستراتيجية، والتي نجحت في تحريك اقتصاد القطاع، وتقليص نسبة البطالة فيه.


ختاماً.. لن ننسى ونحن نتذكر هذه الصفحات المضيئة من التاريخ أن نشهد لقطر ولسمو الشيخ تميم أنهما كانا أيضاً من أول المبادرين بتقديم الدعم للمتضررين جراء الحروب العدوانية المتكررة على قطاع غزة، إذ إنَّ لجنة الإعمار القطرية ومنذ تأسيسها ما تزال تقدم الإعانات الأولية والإغاثات الإنسانية العاجلة لأسر الشهداء والجرحى، وإصلاح البنى التحتية لكلِّ ما خرَّبته تلك المعارك والحروب.


إنَّ شعبنا الفلسطيني لن تغيب عن ذاكرته تلك الوقفات القطرية الداعمة لقضيته في المحافل الدولية، وتقديره لكلمات ومواقف سمو الأمير الشيخ تميم المنددة بالعدوان الإسرائيلي الدائم على قطاع غزة، ومطالبته المجتمع الدولي بتسوية سياسية عادلة تلزم إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 67م.


ستبقى قطر بأميرها الشيخ حمد وابنه سمو الشيخ تميم وحكومتها وشعبها الوفيِّ "نخوة المعتصم" لشعبنا وقضيتنا.

دلالات

شارك برأيك

من وحي الوطن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني: حاتميُّ الطباع وفلسطينيُّ الهوى

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل تقرر ضرب ايران والشرق الأوسط في حالة غليان

حديث القدس

عيدُ غزةَ .... ؟!

عطية الجبارين

هُزمت إسرائيل.. فهل انتصرت المقاومة؟

ياسر سعد الدين

مسرح أم لا مسرح...

سهيل كيوان

ضربة محدودة بقرار مسبق

حمادة فراعنة

قيمة الإنسان.. بين المنظومة الغربية والإسلامية

مصطفى عاشور

اجتياح رفح والاسئلة الصعبة

يحي قاعود

الرد الإيراني ... رسالة لها أبعادها

حديث القدس

في الرد الإيراني وتداعياته

راسم عبيدات

جر أميركا لحرب غير مطلوبة

حمادة فراعنة

"رغبة الطفل العنيد باللعب"

سماح خليفة

وليد دقة.. وقد أوغلوا في قتلك ولم تمت

بهاء رحال

نتنياهو يقود أميركا إلى الحافة

نبيل عمرو

نتنياهو كالمستجير من الرّمضاء بالنار

مصطفى البرغوثي

خسارات اسرائيل و ارباحها بعد الرد الايراني

أحمد رفيق عوض

مشهدية الغد:إطلالةٌ أم غياب؟!

أحمد يوسف

غزة ونتنياهو ومعايير الربح والخسارة

د.دلال صائب عريقات

عنف المستوطنين ... إرهاب دولة

حديث القدس

إنها حرب أمريكا.. والرد الإيراني بات واقعاً

راسم عبيدات

حرب غزة وتشوهات العمل الإغاثي والتنموي في فلسطين

د. طلال أبوركبة

أسعار العملات

الثّلاثاء 16 أبريل 2024 8:59 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.75

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.25

يورو / شيكل

بيع 3.98

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%71

%24

%5

(مجموع المصوتين 104)

القدس حالة الطقس