أقلام وأراء

الخميس 25 مايو 2023 10:02 صباحًا - بتوقيت القدس

ذكرى الإعلان عن قيام منظمة التحرير والفرص المهدورة

لقد شكّل ظهور م.ت.ف في العام 1964م منعطفاً تاريخياً مهماً للشعب الفلسطيني، أعاد إحياء الهوية الفلسطينية التي كانت عُرضة للزوال جرّاء تشتت عنصرها الأساسي وهو الشعب الفلسطيني، الذي كانت قضيته آنذاك قد أصبحت قضية إنسانية لمجموعة من اللاجئين.


وتحت شعار (وحدة وطنية، تعبئة قومية، تحرير)، حوّل ظهور م.ت.ف هذه القضية الإنسانية إلى قضية شعب يناضل من أجل استعادة حقّه المسلوب في العودة لوطنه وتحريره من الاحتلال، وتقرير مصيره.


ولقد ازدادت أهمية المنظمة سريعاً في أوساط أبناء الشعب الفلسطيني وبالذات اللاجئين، عندما قامت نخبة منهم بأخذ زمام مبادرة تحرير فلسطين بالكفاح المسلح، والإعلان عن انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في 1-1-1965م بسواعد قوّات العاصفة الذراع العسكري لحركة التحرير الوطنية الفلسطيني (فتح)، الذي كان تأسيها حدثاً ثورياً استثنائياً، أخرج القضية الفلسطينية من سواد الصورة وقتامة الواقع وخواء الشعارات المرفوعة، بعد أن اقرنت (فتح) أقوالها بالأفعال، وصنعت الحدث.


وهكذا استعاد الشعب الفلسطيني ثقته بنفسه وقدرته على الخروج من نكبته، وكان انضمام (فتح) لمنظمة التحرير الفلسطينية وترؤس رئيسها ياسر عرفات رئاسة المنظمة، ورفعه لواء القرار الفلسطيني المستقل، أن زاد من قوّة وفعالية م.ت.ف وشعبيتها بين جماهير الشعب الفلسطيني، لتشكّل م.ت.ف إطاراً جامعاً للكل الفلسطيني بمختلف اتجاهاته الفكرية وانتماءاته الدينية وتوجّهاته السياسية، ولتصبح محلّ إجماع للفلسطينيين كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وقد لاقى ذلك دعماً شعبياً عارماً بين شعوب العالم، واعترافاً عربياً وإقليمياً ودولياً بها كمنظمة تمثّل كل الفلسطينيين وعلى كافة الصُّعد، وتعبّر عن تطلعاتهم في الحرية.


إلا أنّ م.ت.ف التي تأسست عام 1964، وانتقلت نقلتها النوعية عام 1968 مع دخول فتح إليها وتبنّيها برنامج تحرير كامل التراب الفلسطيني والكفاح المسلح وسيلة لتحقيق هذا الهدف، ليست هي ذاتها عام 1974 عندما تبنّت البرنامج المرحلي الذي نصّ على "إقامة سلطة الشعب الوطنية على أي جزء يتم تحريره..."، وليست هي ذاتها عام 1988 عندما أعلنت قيام دولة فلسطين ووافقت على ما دأبت رفضه من الاعتراف بقرار تقسيم فلسطين رقم (181) ولاحقاً الاعتراف بقراري 242 و338 كأساس لأية تسوية سياسية تحت شعار الأرض مقابل السلام.


وليست هي ذاتها أيضاً عام 1993 عندما وقّت على اتفاق أوسلو واعترفت بدولة إسرائيل، وقبلت بسلطة حُكم ذاتي تحت الاحتلال، وألغت عام 1996 مُعظم بنود ميثاقها الوطني، تخلّت رسمياً عن الكفاح المسلّح.


إنّ م.ت.ف ليست هي ذاتها هذه الأيام، وقد أضحت جزءاً من السلطة الوطنية الفلسطينية القائمة تحت الاحتلال، وأداة من أدواتها، وقد كان لصمتها على احتكار السلطة للقرار الوطني وتنازلها عن أداء دورها كمرجعية، أن أفقد القضية الفلسطينية أحد أهم مصادر قوّتها وهو م.ت.ف.


فيما تعرض التمثيل الوطني الفلسطيني للمصادرة حين نصّبت السلطة نفسها بديلاً عن م.ت.ف ومحت أي دور ممكن لها.


وإذا كان خيار حل السلطة الذي تمّ التلويح به لأكثر من مرة غير وارد، كما أكّد الرئيس أبو مازن مراراً وتكراراً، فإنّ طرحه على الطاولة أصبح اليوم مُلحّاً، ليس لحل السلطة ومؤسساتها، بل للدفع باتجاه تصحيح العلاقة بين السلطة و م.ت.ف، وبمعنى إعادة وضع الحصان أمام القاطرة لتصبح السلطة جزءا وأحد أدوات م.ت.ف، وقطرة ماء في نهرها الجاري نحو الحرية والاستقلال، وليس العكس.


ويأتي عدم اعتراف حماس والجهاد الإسلامي بـِ م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد للكل الفلسطيني ليُفاقم الأزمة ويضع القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني في مأزق خطير.
فحماس التي برزت كبديل ممكن، أعادت إنتاج ذات الخطأ السياسي الذي وقعت فيه (فتح) باحتكار السلطة والتمثيل، وبإصرارها على ديمومة الانقسام الجيوسياسي الاجتماعي الفلسطيني، وهو الانقسام الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنخبة السياسية الفلسطينية الحاكمة، والتي أصبحت باستمرارها تغليب المصالح الحزبية والذاتية على المصلحة الوطنية العامة تُمارس التدمير الذاتي للمشروع الوطني الفلسطيني.


لقد كان اندلاع انتفاضة عام 1987 فرصة تاريخية لإخراج م.ت.ف من أزمتها التي سببها الخروج من لبنان، ولإعادة بنائها من جديد، ولكن الفرصة أُهدرت في وهم التسوية وتحقيق السلام وتوقيع اتفاق أوسلو قبل جلاء الاحتلال عن الأرض.


وكانت الفرصة الثانية والمهمة التي تم إهدارها في العام 2000 مع اندلاع انتفاضة الأقصى وعودة (فتح) إلى نهجها الثوري من خلال كتائب شهداء الأقصى، والتي بدلاً من استثمار فعلها المقاوم المهم والفاعل تم محاربتها وأهدرت فرصة إعادة الدور المركزي لـ م.ت.ف في مواجهة العدوان الوحشي لدولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية ومؤسساتها، التي شكّلت أُسساً من أُسس بناء الدولة الفلسطينية المستقلة الحرة القادمة.


وإذا كانت فرصتا استثمار نتائج الانتفاضتين السابقتين قد أُهدرتا وبات إمكانية استعادتهما أو تكرارهما في حُكم الصعب أو المستحيل على المدى القريب، فإنّ هناك فرصاً أخرى مهدورة ليس هناك أسهل من استعادتها في أيّ وقت أو زمان، والاستفادة منها واستثمارها في إعادة هيبة ومكانة ودور م.ت.ف المركزي أولاً وهيبة ومكانة القضية الفلسطينية ومركزيتها ثانياً.


 إنّها فُرص الوفاق الوطني العديدة والتي تحققت على الأوراق، ولا ينقصها أي شيء سوى البدء بخطوات تنفيذ بنودها المتفق عليها بين فتح وحماس وباقي الفصائل الوطنية بالإجماع وفي عدة محطات: في القاهرة، وفي قطر، وفي مكة، وفي موريتانيا، وفي اليمن، وفي بيروت، وفي الجزائر، وفي سجون الاحتلال مع وثيقة الأسرى (وثيقة الوفاق الوطني).


وهكذا لم يَبْقَ مكان نعرفه إلا وحصل فيه التوافق الوطني الفلسطيني ووقعت فيه أوراق تحقيق الوحدة الوطنية، وتعانق فيه الإخوة الخصوم مع كثير من القُبلات وكلمات الحبّ والمودّة والانتماء الوطني العالي، وعلت على إثره في كل مرة معنويات الشعب الفلسطيني وتفاؤله بغدٍ أفضل ووحدة وطنية.


المفارقة العجيبة الغريبة كانت ولا زالت قائمة عندما كان يحين وقت التطبيق العملي لما يتمّ الوفاق عليه؟! ليبقَ كلام الله حاضراً وهو يقول سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)} [الصف: 2-4].


آن الأوان أيها السادة لمراجعة شاملة لتجربة العمل الوطني الفلسطيني، وإعادة النظر في كلّ أدواتها وأساليبها ومؤسساتها، وإلا فإنّ م.ت.ف لن تَبقَ هي ذاتها التي نعرفها اليوم؟! لأنّها باختصار ستزداد وهناً على وهن.

دلالات

شارك برأيك

ذكرى الإعلان عن قيام منظمة التحرير والفرص المهدورة

المزيد في أقلام وأراء

مساومة أميركية اسرائيلية على دماء الفلسطينيين

حديث القدس

أمريكا تريدها وهماً تفاوضياً وإسرائيل تسعى لمنعها واقامة الدولة الواحدة اليهودية العنصرية

مروان أميل طوباسي

من يردع عصابات المستوطنين ومن يحمي شعبنا؟

بهاء رحال

في معاني الليلة الإيرانية

أحمد جميل عزم

"اسرائيل" ومأزق الرد وعدم الرد

راسم عبيدات

دعوات الصقور لضرب إيران الآن مخطئة

مارك شامبيون

جرائم ضد الإنسانية

حديث القدس

تحذيرات بايدن والفعالية المنقوصة--

حسن ابو طالب

ازدواجية ليست مفاجئة... ومستمرة---

بكر عويضة

رغم نفاق الاعلام الغربي .. هزمت إسرائيل...

فتحي كليب

أسباب تغيير الموقف الأميركي ودوافعه

حمادة فراعنة

حول مقولة (المسرحية) واستدخال الهزيمة

وسام رفيدي

في الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل أول الرصاص وأول الحجارة

عباس زكي

١٧ نيسان : فلتهز صرخة أسرى فلسطين المدوية أرجاء العالم

حديث القدس

إيران ضربت إسرائيل في حزامها

حمدي فراج

الفلسطينيون والمنطقة بدون الأونروا؟!

علي هويدي

مقبرة مستشفى الشفاء الإجرامية

حمادة فراعنة

جبهة الضفة الغربية تشتعل

راسم عبيدات

الاحتلال الإسرائيلي وترتيبات اليوم السابق لانتهاء الحرب على غزة

محسن محمد صالح

تومــاس فريدمــان والنصائح المسمومة‎

هاني المصري

أسعار العملات

الخميس 18 أبريل 2024 10:59 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.78

شراء 3.77

دينار / شيكل

بيع 5.34

شراء 5.32

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.0

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%72

%24

%5

(مجموع المصوتين 127)

القدس حالة الطقس