Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأربعاء 26 أبريل 2023 11:01 صباحًا - بتوقيت القدس

من ذكريات الجزائر: مع المجاهد عبد الحميد مهري

في منتصف عام 2004، جئت إلى الجزائر قادماً من الولايات المتحدة بعد أن تعاظمت معاناة الجالية المسلمة فيها، بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر المأساوية.


لم تكن هذه الزيارة للجزائر هي المرة الأولي لي، إذ كانت هناك زيارة أخرى سبقتها على هامش مهمة رسمية خاصة كانت لي في ليبيا، وقد وجدتها -آنذاك- فرصة لرؤية أخي خالد (عز الدين)، الذي لم ألتقيه منذ كان طفلاً، حيث جرى اعتقاله من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في العام 1986، إلا أنه نجح في الهرب من السجن عام 1987مع عدد من إخوانه في حركة الجهاد الإسلامي.


خلال تلك الزيارة القصيرة للجزائر، التقيت -أيضاً- الشيخ محفوظ نحناح؛ رئيس حركة مجتمع السلم، والذي اصطحبني معه للغداء على مائدة الوزير د. عبد القادر سماري، حيث جرى التعارف بيننا، وتبادلنا الحديث حول أحوال الجزائر وفلسطين.


عندما اشتدت الضغوط على جاليتنا المسلمة في أمريكا، فكَّرت في مغادرتها إلى أن تهدأ أجواء العداء للمسلمين فيها. لذلك، كانت الجزائر أحد خيارات اللجوء إذا ما ضاقت بنا السبل، وتعذرت إقامتنا في أيِّ مكان آخر.


فعلاً؛ استقبلتنا الجزائر بالترحاب، ولم أجد صعوبة في الإقامة فيها، وقد ساعدني في هذا الأمر أخي خالد، الذي كان يعمل في موقع متميز هناك.


كانت الجزائر بالنسبة لي هي البلد الذي خرجنا أطفالاً نهتف لاستقلاله في العديد من المظاهرات خلال مطلع الستينيات، وكانت أسماء الكثير من الثوار معروفة لدينا مثل: أحمد بن بيلا وجميله بوحيرد والشيخ الإبراهيمي...الخ كانت بلد المليون ونصف المليون شهيد حقيقةً من أحب البلاد العربية إلى قلوبنا.. فعند وصولي إلى العاصمة الجزائرية في يونيو 2004، أقمت في حي "بير مراد ريس"، حيث تعرَّفت سريعاً إلى عدد من الشخصيات الإسلامية هناك، والتي فتحت لي المجال لتقديم سلسلة من الدروس والمحاضرات عن فلسطين في العديد من المدن والولايات الجزائرية، وخاصة عن الانتفاضة وعن قادتها الأبطال كالشيخ أحمد ياسين.


بعد عدة شهور من وصولي إلى العاصمة الجزائرية، افتتحت لي مكتباً في حي "المدنيِّة"؛ وهي إحدى الأحياء التي كانت معقلاً للثورة الجزائرية، وبدأت أنشطتي التي تراوحت بين المحاضرات واللقاءات والكتابات السياسية في بعض الصحف الجزائرية، مثل جريدة البلاد.


خلال فترة مكوثي في الجزائر العاصمة، والتي امتدت لعامين تقريباً، أُتيحت لي الفرصة للتعرُّف على الكثير من الشخصيات الدعوية والسياسية والأدبية المعروفة واللقاء بها، وقد حرصت على التواصل مع عددٍ من قيادات الحركات الفاعلة في المشهد الإسلامي هناك، ونشرت عدة كتبٍ ومقالاتٍ عنها، مثل: الشيخ محفوظ نحناح والشيخ أبو جرة سلطاني والشيخ عبدالله جاب الله والشيخ محمد بوسليماني.


كان السيد عبد الحميد مهري؛ الأمين العام لجبهة التحرير والوزير السابق، واحداً من بين تلك الشخصيات الوطنية التي استهواني اللقاء به والحوار معه، وقد قام الشيخ سعيد مرسي؛ أحد قيادات العمل الإسلامي في الجزائر، بترتيب جلسة لنا معه، حيث كان يقطن في منطقة "حيدرة".


جلست إلى جانبه نتبادل أطراف الحديث عن الجزائر وفلسطين، وقد كان لديه الكثير من القول في سياق النصيحة وخلاصات تجربته النضالية.. من جانبي، أعربت له عن مدى تأثرنا كفلسطينيين بنضالات الشعب الجزائري وصمود أهله وتضحياتهم العالية، وأن هذه المسيرة الجهادية للشعب الجزائري هي بالنسبة لنا على أرض فلسطين "أيقونة ثورية" نعتز بها، وهي النموذج الأعلى لتضحيات الشعوب في مقاومة القوى الاستعمارية الغاصبة، والدرس الذي تعلمت منه كلُّ الشعوب التي تعيش حالة احتلالية، ومفاده: إنَّ عمر الاحتلال مهما طال فهو إلى زوال، إذا ما توفرت الإرادة في التحرر والاستقلال.. إنَّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو حالة مشابهة لما كان عليه الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والذي استمر إلى أكثر من مائة وثلاثين عاماً، وكما نجح الشعب الجزائري المجاهد من خلال ثورته المجيدة في التخلص من تلك الحالة الاستعمارية، فإننا في فلسطين قد عقدنا العزم في السير على خطى الجزائر حتى تحقيق النصر ونيل الاستقلال.


كان سي مهري يستمع لي ثم يُعقِّب ويُقدم رؤيته وخلاصاته الموسوعية عن ثورة الجزائر في كفاحها المسلح وتجربتها التفاوضية.


فعلاً؛ كانت الجزائر هي أحد أهم المحطات النضالية التي تعلمت منها الثورة الفلسطينية، وتمكنت من إقامة علاقات متميزة مع قيادتها، وكانت ساحة الجزائر مفتوحة لرجالات منظمة التحرير وحركة فتح، وقدَّمت الجزائر لقضيتنا الكثير من الدعم المالي واللوجستي والتدريب وكذلك "المثابة الآمنة" لرجالات المقاومة الفلسطينية أكثر من أيِّ بلد عربي آخر.
كنت كمثقف فلسطيني مُطلعاً على تجربة الجزائر في مناهضة الاستعمار الفرنسي، ومعجباً بنضالات أهلها، وقد خدمني في النقاش ما سبق أن قرأته في فترة وجودي هناك عن تاريخ الجزائر، حيث لم أترك كتاباً عن هذا البلد إلا وجعلته من مقتنيات مكتبتي، وكان خير جليس لي طوال فترة مكوثي هناك.


جلست في بيت سي مهري، هذا الرجل العملاق سياسياً ووطنياً، والذي كانت تبدو على ملامحه آثار النعمة والهيبة والتاريخ؛ كونه كان وزيراً سابقاً وأحد رجالات الثورة المجيدة، وقد استمر اللقاء والحوار بيننا حوالي الساعتين، وكان لديه بعض العتب على القيادة الفلسطينية، التي ذهبت إلى أوسلو ولم تحاول التواصل مع القيادة الجزائرية والانتفاع من تجربتها التفاوضية مع فرنسا، ولذلك وقعت في الكثير من الأخطاء الجسيمة، حيث جرى استدراجها إلى المصيدة وتوقيع الاتفاق الهزيل في واشنطن عام 1993.


يعتبر سي مهري أحد أهم الشخصيات السياسية والوطنية التي لعبت دوراً كبيراً قبل الثورة الجزائرية وخلالها وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، فهو تاريخ نضالي قائم بذاته.. وقد نعته بعض من عرفوه بالكثير من الألقاب، من بينها: "الحكيم الذي سبق عصره"، و"رجل المصالحة الوطنية"، وذلك على إثر الدور الفعال الذي لعبه في تنشيط مبادرات المصالحة الوطنية أمام إصرار السلطة القائمة -آنذاك- على اعتماد خيار "الحلّ الأمني"، ولكن كان لسلسلة المشاورات التي أجراها سي مهري مع كافة أطراف المعارضة أن تمَّ التوصل إلى اتفاق رعته جمعية "سانت إيجديو"، والذي أفضى إلى التوقيع على "عقد روما" أو العقد الوطني.


ظل سي مهري مناضلاً ومفكراً وقائداً يحظى بالاحترام والتقدير لدى رفقائه وخصومه على حدٍّ سواء، إذ كان الجميع يطلق عليه صفات عدة يمكن تلخيصها في اثنتين، هما: الموضوعية في التحليل، والشجاعة في الموقف، وقد جرى انتخابه عام 2000 رئيساً للمؤتمر القومي العربي.


بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، كتب سي مهري رسالة إلى الرئيس بوتفليقة في فبراير 2011 حول الوضع السياسي للبلاد وضرورة الاحتفال بخمسينية الاستقلال في ظل إصلاحات سياسية عميقة تفضي إلى تأسيس جمهورية ثانية.. كانت أفكاره ومبادراته تحظى دائماً بالاحترام والقبول لدى السلطة والشعب الجزائري.


لقد تميزت مواقفه (رحمه الله) بالشجاعة والجرأة والثبات على المبادئ، فكان نصيراً للتحول الديمقراطي في بلده دون مساومة، وكان نصيراً ثابتاً للحق الفلسطيني الكامل دون تنازل، وكان مسكوناً بمقولة "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، إذ لم تغب فلسطين كشعبٍ وقضية قومية عن حياته، وكان تحررها أملاً يراوده طيلة حياته، حتى في زمن ثورة التحرير الجزائرية، ولطالما استمعنا إليه وهو يضع خبراته الثورية الواسعة، بما فيها المهارات التفاوضية برسم القادة الفلسطينيين.


ظل سي مهري يناضل من أجل التغيير السلمي للسلطة في بلاده، والدعوة إلى التداول عليها إلى آخر أيامه، من خلال المحاضرات والملتقيات التي شارك فيها، وقد توفي (رحمه الله) في 30 يناير 2012، حيث خرجت الجزائر تودعه عن بكرة أبيها.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

دلالات

شارك برأيك

من ذكريات الجزائر: مع المجاهد عبد الحميد مهري

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين

حديث القدس

توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين

سري القدوة

حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال

د. دلال صائب عريقات

سموتريتش

بهاء رحال

مبادرة حمساوية

حمادة فراعنة

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 93)