Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأحد 16 أبريل 2023 6:20 مساءً - بتوقيت القدس

طفولة الأديب عبد السلام العابد كتاب وشجرة ورغيف وحلم

ثلاثة أو أربعة لقاءات لا أكثر جمعتني بالأديب عبد السلام العابد، لكن لقاءاتنا في الكتب والكلمات المنشورة منتظمة ومستمرة بشكل يومي. 


أتابع ما يكتب وينشر، ويتابع ما أكتب، بل إنه فاجأني في لقائنا الأول قائلاً: "إنني قرأت عدداً من إصداراتك"، ذاكراً أسماء الكتب ومواضيعها. حينما أصغيت إليه وهو يتحدث أيقنت تماماً أنه لا يقرأ قراءة عابرة أو من أجل تزجية الوقت، وإنما يدقق ويمحّص ويرى الكلمة في سياقها وأبعد بكثير من السياق. إنها القراءة الاحترافية ببوصلتها العين الناقدة.


حفزني هذا اللقاء، لكي أظلَّ على تواصل مع ما يكتب وينتج في القصة والمقالة، إضافة إلى قراءاته التحليلية لما ينتجه وينشره زملاؤه الكتاب. تأكَّد لي من خلال ما قرأت أنني أمام كاتب مثابر دؤوب، لغته سليمة، وأدواته الأدبية الأخرى قد أنضجها المراس. 


لكن مذاق كتابه "من أوراق الذاكرة"، الصادر عن منشورات الوسام للثقافة والإعلام، كان مختلفاً بالنسبة إليَّ ........ لماذا؟ 


أولاً- لأن الكتاب بمعلوماته ووجدانياته حمل عبق الطفولة وبراءتها وشقاوتها، فالزمان جاء محملاً بطفولة منطلقة مسرحها المكاني القرية، بجمالها وبساطتها وتلقائية الفلاحين فيها وصدق علاقاتهم. 


ثانياً- بيَّن الكاتب أنه تربى في أحضان الحقول والسهول كطفل ريفي شارك في الزراعة والحصاد، وتنشَّق رائحة الزهور والنباتات البرية، وحلم تحت شجرة زيتون أن يكون له شأن في مجتمعه ذات يوم. ولأن ظروف أبناء الريف الحياتية تتشابه  في بلادنا، فقد وجدت الكاتب في مذكراته وكأنه يتحدَّث عني في طفولتي، وأنا أسرح وأمرح في فضاء قريتي التي كنت أظن أنها العالم بأسره، حيث شاركت أنا الآخر والديّ في الزراعة والحصاد وجني ثمار الزيتون، وعبّرت عن ذلك في اثنين من كتبي هما "رام الله تصطاد الغيم" و"البستان يكتب بالندى".


ثالثاً-تفحت عينا الكاتب في قريته على اهتمامات ثقافية وأدبية، فراح يقرأ ما تقع عليه يداه وعيناه من كتب، ومن خلال الكتاب وصفاء الريف تخصّب خياله،  وأخذت هوايته تُظهر بعض ملامحها، مؤشرة إلى أديب سيولد مبكراً اسمه "عبد السلام العابد". 


من قرأ عن طفولة الروائي الكبير حنا مينه، عرف كيف صاغت ظروفه الحياتية في الطفولة مقدماته الأدبية، في بيئة حمَّلَت الطفل مسؤولية أكبر من عمره، ليصلبَّ عوده مبكراً، وهو ينهل من خبرات وتجارب كتبت المعاناة فصولها.


رابعاً- جميل ما ذكره الكاتب عن أجواء القرية في شهر رمضان المبارك، وفي الأمسيات والتحلق حول الوالد، وهو يقص على الأبناء قصصه، فلا تلفاز ولا إغراءات حياتية أخرى تشتت انتباه الطفل عن الاستماع إلى قصة الوالد والتفاعل معها وإثارة أسئلة طفولية حولها. أما عندما كانت تجتمع الأسرة تحت شجرة وارفة الظلال لتناول الطعام بعد ساعات من العمل في الأرض، فإن الصورة الإنسانية التي كانت تتجسد تحت الشجرة، هي تكثيف لعناوين الأسرة الريفية الفلسطينية: "البساطة والترابط والتعاضد والدفء واللقمة المغموسة بالهناء". صحن واحد والأيادي كثيرة، لكنها البركة التي تفيض تحت الشجرة من ألفة الجماعة وسلاسة عشرتها.


- حينما يكون الكتاب

    رفيق الطفولة

 

في الأوراق التي كتبها "العابد" كيوميات في المرحلتين الإعدادية والثانوية، حضرت أسماء كتاب، قرأ لهم وتأثر بهم، وشكلت كتبهم الأساس الذي بني عليه لبنات ثقافته ومهارته الكتابية من مرحلة إلى أخرى، وهم استناداً إلى ما ذكر: فدوى طوقان وأمين نخلة والمنفلوطي وأحمد عبد أحمد ومحمود درويش وسلمان الناطور ونبيه القاسم وميخائيل نعيمة وعلي الخليلي وسميح القاسم وغريب عسقلاني وعادل الأسطة وإحسان عبد القدوس وجبران خليل جبران ونزار قباني ونجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله وطه حسين والعقاد وبديع حقي والبحتري والمتنبي..إلخ

كانت مكتبة إخوته الذين درسوا في جامعة دمشق عالمه الثقافي، يقرأ منها ويمضي أجمل الأوقات بينها، ينظف أغلفتها ويعيد ترتيبها على الرفوف .


أن يفتح طفل عينيه في قرية فقيرة، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي على مكتبة بيتية، يعني أن الكتاب أصبح من أهم مكوِّنات طفولته. وحول ذلك يقول: "كانت هذه المكتبة البيتية مصدري الأول للمطالعة والمعرفة والثقافة".


-تعميم التجربة

إضافة إلى التوثيق لمرحلة معينة، وتبيان كيف كانت القرية الفلسطينية في الماضي، وتعريف الأبناء كيف عاش الآباء والأجداد طفولتهم، وكيف كانت هذه الطفولة مثمرة وبناءة بالرغم من شظف العيش وغياب وسائل الحياة الضرورية كالكهرباء، وحتى الحصول على الماء من الآبار والينابيع كان يتطلب جهداً ووقتاً.


لم تقع الطفولة حينذاك فريسة للتشتت في وسائل لا حصر لها كحال أطفالنا وأحفادنا اليوم الذين إذا غابت رقابة الأهل ورعايتهم وتوجيهاتهم لهم، سيسيطر عليهم إدمان تكنولوجي بإبهاره ومحتواه المعولم المفتوح على كل شي.


عبد السلام العابد الذي عاش طفولته في قرية كفر دان في محافظة جنين يقدم مذكراته لأطفالنا ناصحاً بأن الكتاب هو المدرسة المفتوحة التي لا تغلق أبوابها أبداً، وأن المثابرة هي الوسيلة المجربة لتحقيق حلم الطفولة. حَلم أن يصبح كاتباً ومد جسوره نحو تحقيق هذا الحلم. مشى بحذر خطوة خطوة وبنى تجربته لبنة لبنة ، فرح واحتفل بنشر قصته الأولى ومقالته الأولى.. قلّب بفرح صفحات "البيادر والفجر والحصاد" ليكحل عينيه بنصه الأول الذي حمل اسمه.. واحتفل أيضاً بأول مجموعة كتب وصلته عبر البريد من مؤسسة الأسوار في عكا .


طفولة ثقافية قال فيها الكتاب كلمته، وأعلن القلم عن وجوده، وظل الحلم محلقاً يحمل نبرات صوت أديب، اختار الثقافة منذ الطفولة، وعمل في الثقافة بعد تخرجه من الجامعة، ثم سافر وعمل في الثقافة، وعاد إلى الوطن ليشغل موقعاً إدارياً وثقافياً منتجاً في وزارة الثقافة التي تقاعد منها مؤخراً، ليؤسس مشروعه الثقافي الخاص، ففي الثقافة بدأ وفيها استمر وعلى هديها يواصل.

دلالات

شارك برأيك

طفولة الأديب عبد السلام العابد كتاب وشجرة ورغيف وحلم

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين

حديث القدس

توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين

سري القدوة

حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال

د. دلال صائب عريقات

سموتريتش

بهاء رحال

مبادرة حمساوية

حمادة فراعنة

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 93)