أقلام وأراء

الخميس 13 أبريل 2023 11:32 صباحًا - بتوقيت القدس

تأملات من الأرض المقدسة بمناسبة الأعياد الفصحية

تُعد مدينة القدس من أكثر المدن المثيرة للإهتمام لإنها تحتضن الديانات السماوية الثلاث التي بإمكانها أن تتناغم مع بعضها البعض لتزامن الأعياد في ما بينها من عيد الفصح والبيساح ورمضان، بالرغم من جمال التعدد الديني والثقافي في هذه المدينة إلا أنها تشهد توترات وصراعات كثيرة على المستوى الديني والإجتماعي والسياسي ويمكن لأي شخص يتابع أخبار هذه المنطقة أن يعلم بالتوتر المتفائق الذي حصل في الأيام الماضية، حيث اندلعت احتجاجات أسبوعية ضد الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل التي تحاول أن تغير في نظام الدولة ووصل عدد المتظاهرين إلى ما يقارب نصف مليون شخص، ينظر الكثيرون إلى الهيئة التشريعية التي يتم إدخالها لإصلاح النظام القضائي على أنها محاولة لتغيير طبيعة دولة إسرائيل الديمقراطية لمواطنيها اليهود لتصبح دولة دكتاتورية.


كما ويقوم البعض من أعضاء الحكومة الإسرائيلية الترويج لبند جديد يوافق على تدمير عدد كبير من القرى الفلسطينية بهدف زيادة التوسيع الاستيطاني في الضفة الغربية بوتيرة لم يشهدها العالم أجمع منذ فترة طويلة في تاريخ الإستعمار.
وشهد مسيحو هذه الأرض هجمات متصاعدة على كنائسهم، بالإضافة الى التوتر المتصاعد في المجال الإقتصادي للدولة الذي بدا أنه على وشك الانهيار بسبب إضراب العمال عن العمل مما أدى إلى إغلاق البلاد وحدودها في غضون ساعات قليلة، مع مغادرة العديد من المستثمرين وتهديدهم بالمغادرة.


أما بالنسبة لحل الدولتين يبدو وأنه وهمٌ يتلاشى بلا رؤية سياسية بعيدة عن تحقيق العدل والسلام! كل هذه التغيرات والتصاعدات المحيرة للعقل حصلت في فترة ثلاثة أشهر فقط!


على الرغم من كل التطورات السلبية لا بد من التركيز على الجانب الإيجابي والتمسك بالأمل الذي يحيي النفوس. أظهر الزلزال المدمر الذي ضرب كل من تركيا وسوريا تعاطف وكرم رعايانا المحلية، حيث أدى النداء الذي أطلقه غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، إلى جمع أكثر من مئتان وستين ألف دولار لدعم إخوتنا وأخواتنا الذين تأثروا من هذا الزلزال الرهيب، فبالرغم من طاقاتهم المحدودة إلا أن أبناء الرعية المحلية أعطوا من كُلِّ قلبهم!


وأظهرت زيارة لجنة مشاريع الأراضي المقدسة التابعة لفرسان القبر المقدس عن أهمية المساعدات الإنسانية في تحسين حياة الآخرين وأولويتها حيث سلطت زيارات عائلات البلدة القديمة الضوء على الفقر الذي يشهدهُ بعض سكان هذه المدينة المقدسة التي يُفترض أن تكون مدينة مزدهرة، وإذ تبين الجهد القائم لزيادة المساعدات الإنسانية لمن هم في أمس الحاجة إليها.


حققت برامج التمكين المختلفة التي قامت بها البطريركية اللاتينية في القدس نجاحاً هائلاً، حيث قامت بتوفير الفرص لعدد كبير من العائلات والفئة الشبابية من المجتمع في بناء قدراتهم وتحويل امالهم وتطلعاتهم الى مشاريع تجارية لكسب الدخل بطريقة كريمة، حيث شهد برنامج آفاق بالتعاون مع جامعة بيت لحم نجاحًا كبيرًا فاق كل التوقعات، ويواصل برنامج التوظيف في غزة وبرنامج دعم اللاجئين العراقيين بمساعدة المئات من الأشخاص الأكثر تهميشًا والذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر بسبب عوامل سياسية خارجية.


كما وتقوم نيابة المهاجرين في إسرائيل بتلبية احتياجات حوالي مئة ألف مهاجر ليس فقط على النطاق الرعوي، إننا نفتخر ونفرح بكل ما نحققه من مساعدات. ومع ذلك فإن قلوبنا تتألم مع أولئك الذين لا نستطيع مساعدتهم بسبب محدودية الموارد، طالبين من الله ينبوع المراحم أن يشدد المتعبين ويلبي احتياجاتهم، لطالما كانت الكنيسة ومؤسساتها منارة الرجاء في وسط الشدة فإنها دائمًا تطّلع على الطرق المختلفة للتكيف مع الصعوبات والاستمرار في توفير الخدمة.


أما بالنسبة لقطاع التعليم فإنه يتطور بشكل متسارع حيث يوفر التعليم القائم على القيم المسيحية لحوالي تسعة عشرَ ألفَ طالب من خلال مدارس البطريركية اللاتينية المتواجدة في جميع أنحاء الأرض المقدسة وتم تنفيذ العديد من المشاريع لتحديث المرافق والمعدات التعليمية بالإضافة الى إقامة برامج بناء القدرات للمعلمين، وعقدت المدارس أنشطة لامنهجية لتشجيع المهرات الفنية والموسيقية لدى الطلاب من غناء ورسم وكوميديا ورقص فولكلوري تقليدي.


يسعدنا أن نرى أطفالنا يستمتعون بالدراسة داخل الصفوف بعد السنوات الصعبة من الوباء والتعليم عبر الإنترنت، وكما تم وضع خطط مستقبلية لتوفير الموارد اللازمة لترقية المرافق وإتمام عمليات الصيانة التي تم تأجيلها على مر السنين، حيث يلتقي مديرو المدارس لوضع خطط إستراتيجية لتطوير مدارسنا وتحسين ليس فقط المرافق ولكن أيضًا التجربة الدراسية للطلاب.


خلال الأسبوع المقدس تزاحمت شوارع البلدة القديمة بالحجاج الذين قاموا برياضة درب الصليب مما يذكرنا بالنعمة الهائلة المتاحة للسكان المحليين الذين يحتفلوا بالأعياد المقدسة من مكان حدوثها والسير في خطى السيد المسيح ، وشهدت كنيسة القيامة طوابير طويلة لزيارة القبر الفارغ، الذي يمثل رجاء كل مسيحي، ونأمل أن يحترم الجميع التقاليد الإحتفالية "للآخر" حتى يتمكن الجميع من الاحتفال بإيمانهم بسلام وكرامة، وهكذا مدينة القدس، مدينة السلام، يمكن لها أن تعيش هذا السلام الذي طال إنتظاره.


أتمنى للجميع عيد فصح سعيد ورمضان كريم وفصح يهودي مبارك متمني لجميع المؤمنين بغض النظر عن دينهم أن ينعموا بسحر هذه الأعياد وقد تكون هذه بداية عهد جديد بعيد عن الصراعات لنشق طريق نحو مستقبل مفعم بالسلام والمحبة والتعايش والاحترام والتسامح!
الوكيل العام للبطريركية اللاتينية*

دلالات

شارك برأيك

تأملات من الأرض المقدسة بمناسبة الأعياد الفصحية

المزيد في أقلام وأراء

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

لم ينته المشوار والقرار بيد السنوار

حديث القدس

الانعكاسات السيكولوجية للحد من حرية الحركة والتنقل

غسان عبد الله

مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟

عقل صلاح

الحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة

راسم عبيدات

السعودية وولي العهد الشاب: ما بين الرؤية والثوابت

د. دلال صائب عريقات

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الإثنين 06 مايو 2024 10:33 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 220)

القدس حالة الطقس