أقلام وأراء
الإثنين 06 يناير 2025 9:16 صباحًا - بتوقيت القدس
كيف تتكامل شخصية الإنسان تربوياً
مفهوم التربية لغوياً:
- لغوياً: يجيء مفهوم التربية من أصل الكلمة العربية ربا يربو أي زاد ونما.
- واقعياً: الأسرة والبيئة المحيطة هما المكوّن الأساس لنمط التربية المنشودة، كونهما أول من يواجهه الطفل في حياته، وبالتالي هما مصدر التنشئة الاجتماعية
- تكتيكياً: التربية فن وعلم، تتداخل فيه عوامل داخلية كالأسرة والدين، وعوامل خارجية كالمدرسة ومؤسسات ثقافية اجتماعية اقتصادية ودور العبادة، إضافة إلى الأتراب والأقران والأصدقاء، ووسائل الإعلام .
أساليب التربية الدارجة :
1- التربية بالملاحظة والمتابعة لتذويت العقيدة والقيم والأخلاق منذ فترة الطفولة المبكرة من خلال المداعبة واللعب.
2- التربية بالتعود والتدريب على ممارسة سلوكيات وأفعال حميدة بهدف تنمية الشعور الوجداني من خلال التعبير عن المحبة وعدم دوام اللوم والعتاب.
3- التربية باستخدام الإشارة وعادة ما يتم استخدامها للنهي عن سلوك غير مقبول مع تبيان السلوك الصحيح.
4- التربية من خلال القدوة: وهي الأكثر ديمومة وتأثيراً على الطفل حيث يكون من المفترض قد تجّذّرت لدى الطفل الرأفة والرحمة وقيم التعاون والشراكة المسؤولة، وذلك من خلال الاقتداء بالقدوة ودوام الوعظ والتوضيح، ما يعزّز لدى الطفل الثقة بذاته والأمل في الحياة والإيمان بالاّخرة، وبدء التعرف على مفهومي الحلال والحرام بعد شرح سلوك القدوة للطفل، وإثابته على سلوكه الحسن، ما يرفع منسوب تقدير الذات لديه.
5- التربية بالتحذير والعقاب وذلك من خلال عملية وضع الحدود للمسموح به أو عدم السماح بعمله.
قبل كل هذا، من الضروري الإقرار بالحاجة إلى دوام إتاحة الفرص للطفل كي يمارس مهارات التخيل والتعقل، أي توظيف أحد نعم الخالق، ألا وهي وجود العقل والمشاعر، حتى نصل به إلى مرحلة القدرة على الربط بين النتائج والأسباب من خلال التأمل والملاحظة الدقيقة.
نتفق جميعاً على ضرورة تبني نهج التربية الإيجابية من خلال الانتباه الإيجابي ووضع الحدود، التي تؤدي في النهاية إلى تعزيز الفضائل والسلم الأهلي، والحد من الجريمة والعنف والتنمّر، وهي بالتالي تختلف عن التربية التقليدية التي ترتكز على القمع والإجبار كوسيلة تربية، وبالتالي تنمية الاعتماد على الذات، وبدء التدرب على حل المشكلات وكيفية مواكبة والتعامل مع الأزمات الطارئة.
لا توجد وصفة سحرية لإنجاز كل ما نصبوا إليه من خلال التربية الإيجابية، لكن يمكن للتالي أن يعزّز ويسهّل إنجاز المنشود. لنبدأ في السنوات الثلاثة الأولى للطفل، حيث تبدأ قدراته العقلية والعاطفية والاجتماعية بالنمو :
- اعتماد الاحترام، الحوار والمحبة غير المشروطة، كنهج حياة مع الطفل، مع الموازنة بين الحزم واللطف، ما يعزّز من ثقته بذاته وبالآخرين.
- الحرص على اختيار اسم الطفل بمدلول إيجابي يعزّز ويساعد في إيجاد راحة نفسيّة لديه .
- الضرورة والحرص على انتقاء الكلمات الإيجابية المناسبة لدى مخاطبة الطفل أو اللعب معه، ( مع إيلاء اللعب وقتاً كافياً حتى وإن لزم التخطيط المسبق له من قبل الوالدين، لما له من فوائد جمّة مثل تطوير مهارات حس حركية، وتنمية روح الاكتشاف، ناهيك عن أجواء المرح والفرح وبدء التعرف على نهج التفكير البديل)، كلمات لا تنمي مشاعر الغضب والتذمر.
- توظيف لغة الجسد والنظر بعيني الطفل عند التوضيح أو الطلب منه عمل/ عدم عمل شيء ما ، على أن تكون صادقاً معه، إذ لدى الأطفال القدرة على التمييز بين الكلام الصادق وكلام المجاملة .
- الحرص على دوام الوضوح والمباشرة عند توجيه الطفل إلى ما يجب / لا يجب فعله، المسموح/ الممنوع فعله، وتعلم الاعتذار عند القيام بخطأ ما .
- دوام الحرص على تواجد الوالدين مع الطفل ( على الأقل أحدهم) لضمان الشعور بالمكان الآمن والشخص الآمن، ومساعدة الوالدين على معرفة الاحتياجات الملّحة لطفلهم .
- الحرص على دوام الإصغاء ( كون الإصغاء أحد أشكال الأخلاق ) للطفل والتواصل معه بلغة الحوار والتعليق على كلام الطفل، بدلاً من إملاء تصحيح الخطأ، أو قيامك بإنهاء الحديث بينكما، هنا قد يأتي التصحيح من الطفل ذاته، خاصة إذا عزّزنا الإصغاء النشط بالتشجيع وليس كيل المديح.
- التشجيع هو أحد أساليب التهذيب والمقصود به تشجيع الفعل الإيجابي الذي يقوم به الطفل وكلمات قصيرة مفهومة له: أنا أرى أنك أصبحت تجيد الغناء وبصوت جميل – ها أنت ترتدي ملابسك لوحدك، تذهب إلى الحمام لغسل يديك وفمك قبل وبعد الأكل، أما المديح فقد يولد لدى الطفل محبتك وتقديرك له مشروطاً بالعمل الجيد.
- احرص على دوام تبيان العواقب – المخرجات للسلوك، بدلاً من التلويح بالعقاب وتكرار اللوم، وهنا يمكنك استخدام لغة الجسد التي تنم عن المحبة والطمأنينة، دون تكرار النظر للساعة أو الأخذ بالتذمر والسخرية أو استبعاد الطفل من دائرة الاهتمام أو تجاهله .
بخصوص التربية بالتحذير، والعقاب على مبدأ احتمال خسارة الطفل لشيء يرغب في نيله أو ممارسته، بهدف تعديل سلوك خاطىء مع ضرورة إبقاء الفرصة سانحة له للقيام بتعديل سلوكه كي لا يخسر المزيد. هنا يتوجب أن تكون فترة العقاب قصيرة وأن يكون العقاب مباشرة بعد السلوك الخاطىء وبمستوى هذا السلوك بدون مبالغة أو افراط على أن يكون مناسباً لعمر الطفل، وحالته النفسية والفسيولوجية .
من أشكال العقاب المتبعة :
* عدم مشاهدة برامج تلفزيونية مفضلة لديه أو عدم مشاهدة محطات فضائية يحبها الطفل ولفترة محدّدة مع ضرورة تفسير سبب العقاب قبل البدء به .
* النوم قبل الوقت المتفق عليه.
* عدم لعب الكرة لعدة ساعات في وقت الإجازة.
* الاستبعاد المؤقت على أن لا يزيد عن خمسة دقائق باستعمال كرسي العقاب.
التخويف والترهيب واجب الابتعاد عنه.
يتخذ العنف والترهيب أشكالًا مختلفة منها: الجسدي، اللفظي، المعنوي أو الاجتماعي مع ضمان الاحتياجات البيولوجية.
هناك التخويف من قبل الوالدين، أفراد الأسرة، المدرسة... بهدف الانصياع للتعليمات وعدم مخالفتها، كوسيلة عقاب، بنية الحرص على الطفل وحمايته من أخطار محدّقة به .
مع مراعاة الابتعاد عن المبالغة في توظيف نهج التخويف الزائد، لما له من ماّلات سلبية عديدة مثل تأثيرها على تنمية مهاراته الفكرية و قدرته على التخيل والروح الإبداعية وتحفيزه، والقدرة على اتخاذ القرار الصائب أو التعبير عن ذاته وما يجول في خاطره، ما قد يسبب في تجفيف روح المسؤولية والمبادرة الذاتية، أو تطوير مهارات الحوار مع الآخر وكذلك الحد من تنمية التخيل .
مما قد يؤدي إلى الشعور بالكآبة والإحباط والعجز وضمور النشاط البدني، وعدم الاحترام لذاته لشعوره بالفشل، لذا ننصح بالابتعاد قدر المكان عن التخويف أو الترهيب كوسيلة سواء في الروضة / المدرسة أو الأسرة، لما قد تسببه من ابتعاد عن الأهداف المرجوة: عدم الحافزية للذهاب إلى الروضة/ المدرسة، فالمطلوب هو مخاطبة القلب والعقل بالترغيب لا بالترهيب، كون الذات البشرية لا تقبل الاستجابة للشيء إلا من خلال الترغيب والتدرج موظفين لغة ونهج الحوار، مع عدم اللجوء إلى محاولة حشو دماغ الطفل بما لا يتناسب مع قدراته العقلية والعاطفية.
أيضاً، هناك ضرورة ملحة تتمثل في عدم إبداء الحماية الزائدة، أو الإهمال المتعمد والمتكرر ما قد يسبّب حالات قلق، توتر، انطواء، الشعور بالتيه، تعب وإرهاق، رفع منسوب الاتكالية على الآخرين نظراً لتدني منسوب الثقة بالذات، الأمر الذي قد يولّد تناقضاً في توصيل الرسائل بين الوالدين والطفل، أوالشعور بالتمييز ضده، الأمر الذي قد يفع بأفراد الأسرة الآخرين إلى التسلط / التنمرعليه، ما قد يدفع بالطفل للتفكير بممارسة أفعال غير حميدة: الكذب، إيذاء الذات أو الميل إلى ممارسة سلوكيات عدوانية، تأخذ شكل التدرج، لا تحمد عقباها، لا سيما وجود أجواء محيطة تشجعه على ذلك ( وسائل التواصل الاجتماعي وبعض البرامج التي تبثها فضائيات إعلامية.
في الختام ، نقترح قيام الأسرة والروضة/ المدرسة التنسيق والتعاون في تقديم الدعم السيكولوجي للطفل وعدم التردد في استشارة طبيب نفسي، مع إتاحة فرص العمل على تكثيف مشاركة الطفل في المهام الحياتية سواء في المنزل أو خارجه.
هكذا تساهم التربية الإيجابية في خلق أبناء يتمتعون بالصحة النفسيّة والعقلية والجسمية، ويمتشقون في حياتهم سلاح مواجهة متطلبات الحياة وتحدياتها الجسيمة، سلاح القيم والأخلاق الفضيلة بعد أن ابتعدنا عن العقاب البدني كوسيلة وحيدة، ولعلّ أولى المتطلبات هي البدء بالتربية على البر بالوالدين ومعاملة الآخرين، مع الابتعاد عن التهديد والصراخ والضرب، والتسلط، والسخرية، أو دوام عمل مقارنات بين طفلك وأقرانه لأن هناك فروقاً فردية يتوجب أخذها بعين الاعتبار، وعدم التاعب بمشاعر المحبة والحنان من خلال الإهمال المتعمد، أو ممارسة نهج التحدي والصراع مع الطفل، وتوجيه اتهامات واستخدام أسلوب الاستجواب معه، ودوام اللوم والتعميم أو حتى أسلوبي المساومة والتوسل للطفل بأن تلعب دور الضحية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ظروف مثالية نحو صفقة التبادل.. وماذا عن الضمانات؟
حديث القدس
الصفقة على الأبواب ما لم يخرّبها نتنياهو
هاني المصري
المقاومة أمر ما حتمي .. ودمشق تعطي للعروبة شكلها
حمدي فراج
ترامب وسموتريتش.. تقاطع أيديولوجي مسيحي أنجليكاني ويهودي تلمودي توراتي
راسم عبيدات
سوريا إلى أين؟
حمادة فراعنة
المغطس مكان عماد السيد المسيح يتوج بتدشين كنيسة كاثوليكية جديدة
كريستين حنا نصر
أسرى فلسطين في معسكرات الموت
حديث القدس
الفلسطينيون بين وعيد ترمب بالجحيم وسعي نتنياهو لـ"النصر المطلق"
اللواء المتقاعد أحمد عيسى
البدائل الوطنية الديمقراطية.. مفتاح التغيير الحقيقي بالمنطقة ولمواجهة الاحتلال
مروان اميل طوباسي
قد تتوقف الإبادة ولكن !
بهاء رحال
رحيل عيسى الشعيبي
حمادة فراعنة
أمريكا تؤسس لعالم جديد وعنيف
د. أحمد رفيق عوض
آفاقُ التربية: نحوَ سُمُوٍّ إنسانيٍّ مُلْهِمٍ
ثروت زيد الكيلاني
حلحلة الانسداد السياسي في لبنان و سوريا، مؤشر لشرق عربي مشرق
كريستين حنا نصر
بوادر اتفاق تلوح بالأفق!
حديث القدس
الدبلوماسية العامة والمؤثرون.. أداة قوة ناعمة
دلال صائب عريقات
هل تصل الفاشية الرأسمالية الغربية إلى الحكومات العربية؟
عبدالله جناحي
جابوتنسكي ونظرية الأمن الإسرائيلي
أسماء ناصر أبو عيّاش
هل كانت لداود مملكة في هذه البلاد؟!
تيسير خالد
منطق استعماري قديم
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته(2) السياسي يربك الثقافي
ارتفاع حصيلة قتلى حرائق لوس أنجلوس إلى 11 شخصا
غضب واسع من فشل احتواء حرائق لوس أنجليس
مقتل 5 عسكريين إسرائيليين بمعركة شمال غزة
أبو ردينة: القيادة سعت منذ اليوم الأول لبدء العدوان على قطاع غزة
الصفقة على الأبواب ما لم يخرّبها نتنياهو
كتيبة جنين والمقاومة في مخيم جنين توافق على مبادرة الوفاق الوطني
الأكثر قراءة
أوسلو تستضيف اجتماعا دوليا لدعم حل الدولتين
مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة.. اتفاق يلوح في الأفق وهذه تفاصيله!
دروس "الطوفان" وارتداداته(2) السياسي يربك الثقافي
الاحتلال سيستخدم عوائد الضرائب الفلسطينية لسداد ديون شركة الكهرباء
أسر رهائن إسرائيليين في غزة يوجهون انتقادات حادة لوزير المالية
مصادر منخرطة في المفاوضات تكشف لـ"القدس" تفاصيل الاتفاق الذي سيعلن اليوم
ترمب و"تسوية الحدّ الأدنى" للقضية الفلسطينية: قراءة استشرافية (الحلقة الثالثة والأخيرة)
أسعار العملات
الأربعاء 08 يناير 2025 9:02 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.65
شراء 3.64
دينار / شيكل
بيع 5.15
شراء 5.13
يورو / شيكل
بيع 3.78
شراء 3.77
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%59
%41
(مجموع المصوتين 413)
شارك برأيك
كيف تتكامل شخصية الإنسان تربوياً