Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأحد 01 ديسمبر 2024 9:34 صباحًا - بتوقيت القدس

غزة في خضم الحرب: إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا

بعد إبرام الاتفاق في لبنان، تتجه الأنظار مجددًا إلى قطاع غزة، في مسعى لتحديد ملامح مستقبله، وسط مشهد سياسي وعسكري بالغ التعقيد. ورغم الفوارق الجوهرية بين الواقع اللبناني والغزي، يبدو أن هناك محاولات في الأروقة الإقليمية والدولية لاستلهام النموذج اللبناني أو صياغة مقاربة مشابهة قد تساعد غزة على تجاوز تداعيات حرب الإبادة التي تتعرض لها.


يجادل المقال أن غزة لم تعد مجرد ساحة قتال، بل أصبحت أرضًا تُعاد فيها رسم الجغرافيا والديموغرافيا.


 الحرب المستمرة والضغط العسكري المتصاعد، إلى جانب الجهود الإسرائيلية لإعادة تشكيل واقع القطاع، تكشف عن محاولات لتغيير التركيبة السكانية والسياسية لغزة بشكل جذري. هذه التغييرات لا تقتصر على تدمير المنازل والمرافق الأساسية، بل تمتد لتشمل محاولات مستمرة لتدمير الهوية الوطنية الفلسطينية.


ما يحدث في غزة اليوم يتجاوز التصعيد العسكري العابر، ليبدو وكأنه محاولة لإعادة رسم الخرائط على الأرض. الحديث عن إقامة منطقة عازلة في شمال القطاع، والتي يتم تقديمها كإجراء أمني ضروري، يتضمن إشارات واضحة عن نوايا استيطانية طويلة الأمد. هذه النوايا تتجلى من خلال انعقاد ثلاثة مؤتمرات استيطانية خلال الحرب وزيارات متكررة من وزراء وأعضاء كنيست إلى شمال القطاع، أبرزهم وزير الإسكان الإسرائيلي ورئيس كتلة "يهدوت هتوراة"، يتسحاق غولدكنوبف، الذي عبر عن تطلعاته لإحياء المشروع الاستيطاني في المنطقة.


رغم هذا التصعيد الإسرائيلي الظاهر، يبقى المشهد أكثر تعقيدًا داخل إسرائيل نفسها، حيث تتصارع رؤى متباينة بشأن اليوم التالي للحرب. هناك تيار تقليدي، قريب من النخبة العسكرية والسياسية القديمة، يتماهى مع الموقف الأمريكي الذي يرفض بشكل قاطع فرض حكم عسكري مباشر على غزة. هذا التيار يرى أن العودة إلى السيطرة العملياتية، مع إبقاء حماس في المشهد ضمن شروط محددة، قد يكون الخيار الأكثر واقعية لتجنب الغوص في مستنقع أعمق.


في المقابل، يقف تيار يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحلفاؤه، الذي يرى أن القضاء على سلطة حماس يستوجب فرض حكم عسكري كامل على القطاع. هذا التصور يواجه تحديات كبيرة، ليس فقط بسبب الرفض الأمريكي الصارم لهذه الفكرة، ولكن أيضًا لأن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن حتى اللحظة من تحقيق هذا الهدف عسكريًا، على الرغم من حجم الدمار الذي ألحقه بالبنية التحتية والبشرية في غزة.


في ظل هذا الانقسام الإسرائيلي، تسعى الولايات المتحدة لتطبيق سيناريو ثالث، يتجاوز ثنائية حماس أو الحكم العسكري. هذا السيناريو يقوم على ممارسة الضغط العسكري المكثف لإجبار الأنظمة العربية على تحمل المسؤولية في غزة، سواء من خلال إدارتها أمنيًا ومدنيًا، أو تشكيل كيان فلسطيني جديد أقل من دولة. الفكرة الأمريكية الأساسية تكمن في خلق كيان وظيفي هش، لا يشكل تهديدًا أمنيًا أو ديموغرافيًا لإسرائيل، لكنه يمنحها فرصة لفصل مصير غزة عن الضفة الغربية، في إطار مشروع سياسي يعيد رسم ملامح القضية الفلسطينية بالكامل.


ما يحدث في غزة اليوم يتجاوز بكثير مجرد تدمير البنى التحتية والمنشآت؛ إنه يدخل في إطار استراتيجية أعمق وأكثر خطورة تعرف بـ"كي الوعي". هذه الاستراتيجية تهدف إلى المساس بالهوية الوطنية الفلسطينية بشكل تدريجي، من خلال محاولات لطمس الملامح الثقافية والجغرافية التي تحدد وجود الفلسطينيين في القطاع. 


الأمر لا يقتصر على تدمير المنازل والمرافق، بل يمتد إلى محاولة إعادة تشكيل الوعي الجماعي للفلسطينيين، حيث أن التهجير القسري الداخلي، الذي يبدو أنه أصبح جزءًا من الواقع اليومي لسكان القطاع، يتماهى مع الجهود الإسرائيلية لمسح الهوية المكانية والحضارية لغزة، وتحويلها إلى منطقة مستباحة خالية من المعالم التي ألفها أهلها لعقود، وكذلك التهجير الطوعي الخارجي مستقبلًا.


المفارقة المؤلمة أن بعض الأنظمة في الإقليم قد تبدو متواطئة، وإن بطريقة غير مباشرة، في تسهيل هذه المشاريع، عبر محاولات استرضاء الولايات المتحدة والبحث عن مكاسب سياسية ضيقة. هذه الأنظمة قد ترى أن الانخراط في إدارة غزة أو إعادة إعمارها يمكن أن ينجيها من الضغوط الأمريكية، لكنها بذلك تسهم في تكريس واقع الاحتلال، وإضعاف المطالب الوطنية الفلسطينية.


إن المشهد في غزة يضع الجميع أمام اختبار تاريخي. إسرائيل لا تخفي نواياها لتغيير الواقع في القطاع بشكل جذري، بينما القوى الدولية تبحث عن تسويات قد تخدم مصالحها الاستراتيجية. وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال مفتوحًا حول قدرة الفلسطينيين على صياغة رؤية موحدة لمواجهة هذا الزحف الذي يهدد ليس فقط جغرافيا غزة، بل مستقبل الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948. غزة ليست مجرد جبهة حرب، بل أصبحت مختبرًا للتجارب السياسية والعسكرية التي قد تحدد ملامح القضية الفلسطينية لعقود قادمة.

دلالات

شارك برأيك

غزة في خضم الحرب: إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا

المزيد في أقلام وأراء

حرب ترامب الاقتصادية

حمادة فراعنة

العالم على كف "رئيس"

منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!

محمد جودة

عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل

حديث القدس

المشهد الراهن والمصير الوطني

جمال زقوت

الخيار العسكري الإسرائيلي القادم

راسم عبيدات

ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!

د. إبراهيم نعيرات

ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟

هاني المصري

زكريا الزبيدي تحت التهديد... قدّ من جبال فلسطين

حمدي فراج

هل وصلت الرسالة إلى حماس؟

حمادة فراعنة

مجدداً.. طمون تحت الحصار

مصطفى بشارات

بين الابتكار وحكمة التوظيف .. الذكاء الاصطناعي يعمق المفارقات !

د. طلال شهوان - رئيس جامعة بيرزيت

الطريق إلى شرق أوسط متحول: كيف نحافظ على السلام في غزة مع مواجهة إيران

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

عيد الربيع يصبح تراثاً ثقافياً غير مادي للإنسانية

جنيباليا.. مأساة القرن

حديث القدس

لقاء نتنياهو- ترمب ومصير مقترح التطهير العرقي ووقف الإبادة

أحمد عيسى

"الأمريكي القبيح" واستعمار المريخ

د. أحمد رفيق عوض

رافعة لفلسطين ودعماً لمصر والأردن

حمادة فراعنة

"ترمب" والتهجير الخبيث!

بكر أبو بكر

تحويل الضفة إلى غيتوهات

بهاء رحال

أسعار العملات

الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

يورو / شيكل

بيع 3.77

شراء 3.76

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 554)