Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 04 فبراير 2025 10:01 صباحًا - بتوقيت القدس

مجدداً.. طمون تحت الحصار

" صرنا أقلّ ذكاءً،

لأنّا نحملق في ساعة النصر: لا ليل في ليلنا المتلألئ بالمدفعية

أعداؤنا يسهرون، وأعداؤنا يشعلون لنا النور في حلكة الأقبية".

*

أستحضر أبيات هذي القصيدة من ديوان (حالة حصار) لـ محمود درويش فيما بلدتي، طمون، ترزح تحت حصار ومنع تجوال لم أشهد مثيلاً لهما منذ تفتحت عيناي على الاحتلال. حصار ومنع تجوال جاءا بعد 4 أيام من حصد أرواح 10 مواطنين أبرياء، معظمهم فتية تفتحت عيونهم على الحياة، فلم تجد ولم يجدوا غير "طيخ طاخ.. حاجز سكّر وحاجز فتح، أجت زنّانة ووحدة ثانية راحت، و.. و.." إلخ من ظروف غير عادية لوضع غير عادي لناس لم يعيشوا يوماً "طعم" الاستقرار، حالهم، كما وصف درويش " نَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلاَ"!

*

لا قهوة في (المرتبان) إلا "توالي" ولم أشرب منذ صحوت إلا (الشاي)، وحده الذي حين أستيقظ يمكنه أن يجلو حلقي من آثار (النكوتين)، لكن لم يخالجني الشك يوماً أنه قادر على جلاء الموقف، والاحتلال، ولا قلقي من غد أسوأ!

*

نمت حتى ضواحي الظهر، أيقظتني (شام) مع الفجر، قالت "اقتحم الجيش البلد، طوقها من جميع الجهات، وأعلن منع التجول"، تحولوت ثم عدت للنوم غير مبال، فهل هذه "بلادة" اعتبرها سلمان ناطور "نوعا من التحدي" عندما أبدع كتاب (انتظار) أو (سفر على سفر)، لا أعرف أيهما بالضبط، ووصف حينها من يبيعون البوظة والمياه المعدنية على حاجز قلنديا شمالي القدس المحتلة، بينما كان جنود الحاجز، وهو الذي أصبح لاحقاً معبراً، يلهون بإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيّلة للدموع! 

*

" الجيش عند ديوان الزغايرة "بِمزّع" صور الشهدا"!

*

جاءت الأخبار ومعها جاءت "كاسة" كبيرة من القهوة، ساخنة ينبعث منها البخار، ومع كل رشفة أرشفها تذكرت شيئاً من مزق الفصول الأولى لبدايات تعرفي على الحصار. كنت في ريعان الشباب، حين أسمع أغاني الثورة في (إذاعة القدس – لتحرير الأرض والإنسان)، أشعر بأني أصبحت شيئا آخر غير الإنسان، طائراً بجناحين كبيرين، ربما أكبر من جناحي (جبرائيل)، مستعداً، بصفقة صغيرة منهما، لأن أطوي العالم بين كفي!

*

كانت البدايات حين خرج الشباب، في الأيام الأولى لانتفاضة الحجارة عام 1987، يحرسون البلدة من اقتحام قوات الاحتلال. في أوّل مرة اقتحموها جاؤوا من مدخلها الرئيس، لم يكن هناك سوى مدخل واحد ووحيد للبلدة، كانت سبقتهم قوة خاصة داهمت إحدى "المحادد" في السهل، استشهد (سعود حسن سليم) وأصيب (جمال محمد القاسم). بقي جمال على قيد الحياة، أطال الله في عمره، لكن مع عرج في إحدى رجليه يزداد وضوحاً وألماً كلما ركع أو سجد، فيما (سعود) بشعره "النيجرو"، استقر في "نن" عيني، ما زال بوجه مثل البدر، قادر على أن يضيء البلاد في أكثر لحظاتها حلكة!

*

نعم. حدث ذلك في انتفاضة الحجارة. اقتحمت القوات البلد من مدخلها، كانت أكثر من جيب عسكري ودبابة، حين وصلت (الحبلة) – طريق معلقة على منحدر جبلي حاد - لم يكن أمامها إلا أن ترجع، لقد خرجت البلدة عن "بكرة أبيها"، النساء قبل الرجال، والكبار قبل الصغار، والصبايا قبل الصبية، انهالت حجارتهم على الجنود كـ "زخ المطر"، كان الكل يضرب، غداً الوضع أشبه بعرس، الكل يريد أن يرقص، تذكرت، ربما أرادوا أن يرقصوا "َبيْنَ شَهِيدْينِ" كما قال درويش!

*

استشهد (سعود) وأصيب (جمال) برصاص القوات الخاصة التي تسللت إلى منطقة السهل، قرب "شارع الكتيبة" كما يسميه الشباب الآن متفاخرين، لكن الأهالي الذين أفشلوا اقتحام قوات النجدة من مدخل البلد، أصرّوا على أنهم انتصروا؛ لذلك لم يحتسبوا هذا الاقتحام في قاموسهم وبدؤوا يستعدون لاقتحام آخر أكبر، انتشرت فرق الحراسة في وسط طمون وعلى أطرافها، الجميع اشترك في ذلك، والكل كان يبادر لتزويد الحراس بالقهوة والشاي، في النهار يذهبون للنوم، وفي الليل يعودون للسهر على أضواء النار التي يغلون عليها "شاي من الآخر"، وعلى أضواء الكشافات الصغيرة صدف أن فتشوا عن الجيش بين الحشائش المكللة بالندى و"سكلان" الصخور الصلدة. يال طفولة الثورة أو ريعان شبابها. لا أعرف. فعلاً لا أعرف!

*

وأنا منهمك أكتب، صورة أخرى جاءت من الحصار لجندي يجلس على فرندة أحد البيوت أخلاه الجنود من أصحابه وأحالوه لنقطة لـ "اصطياد العرب". ظهر الجندي في الصورة يجلس على أطراف فرندة القرميد ومطَّ رجليه كما لو أنه يمارس الاسترخاء. كان المنظر مضحكاً برأي الأهالي المحاصرين، لكني لم أضحك أبداً، كنت "متشائلا" مثل الرفيق إيميل حبيبي، أفكر "هل حقّا صرنا أقل ذكاء كما قال رفيقه محمود درويش؟!"، وحينها، حينها بالـ "الظبط"، عصف بي الشوق لجلسة هادئة، جلسة في مكان بعيد من هنا، مكان قصيٍّ أحن فيه إلى الوطن أكثر، وأحبه أكثر فأكثر كما شرح ناطور عن كل سفراته التي لم تكن تأخذه من وطنه حتى تعيده إليه من جديد، في باريس ولندن وروما لم تغب عنه دالية الكرمل وحيفا يوماً، الشيء ذاته كان يحدث معي في كل سفراتي، لم تغب عني البلاد أبداً، كنت أحبها أكثر، وأراها في كل امرأة جميلة كان تمر من أمام (مقهى هاوي) في الرباط، تعبر الطريق مسرعة أو مبطئة، وحيدة مثلي، أنا الذي غدوت يتيما منذ مات أبي، أو لها والدان تسير مع أحدهما، تحديداً مع والد حنون شاخ في السن لكن كتفه لم يشخ، لا زال قوياً بما يكفي لحمل رأس ابنته في كل الأوقات!

*

من الغرفة المجاورة "أشعل" ابني (يزيد) أغنية جنين لـ (سميح شقير)، وكانت بيوت مخيم جنين تهوي تحت "أسنان" جرافات الاحتلال أو متفجراته؛ لذا سمعت الأغنية بِحُلّةٍ أخرى، نسخة جديدة امتزجت فيها بلدتي طمون بجنين.. وذهبت.. رحت أصنع كأس شاي هذه المرة، لقد سئمت من القهوة، وتركت شقير يغني

"كنت طمون.. كنت الأسطورة.. مثل المنتظرين بيأسٍ عود صلاح الدين.. كنت جنين"!

*

أنا الآن أنتظر، أنا الفلسطيني المنتظر..

" إذهبوا إلى هذا الجيل الذي ينتظر، ولا يريد أن يورثنا هذا الانتظار، إذهبوا!

لقد ملّ الانتظار

ملّ الانتظار!"

قالها سلمان ناطور، سادن الذاكرة الفلسطينية، قال "ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة" ثم مضى، لقد سئم الانتظار ومضى، لكن لا عليك أيها الناطور، ها أنا أواصل الدرب، وأكتب، أفعل ذلك كي لا تنهشنا الكلاب، ربما ونحن أموات أو أحياء، لا فرق، البتة لا فرق، فعلى حدِّ وصفك "الطريق إلى الموت هي نفس الطريق إلى الحياة"!

دلالات

شارك برأيك

مجدداً.. طمون تحت الحصار

المزيد في أقلام وأراء

عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل

حديث القدس

المشهد الراهن والمصير الوطني

جمال زقوت

الخيار العسكري الإسرائيلي القادم

راسم عبيدات

ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!

د. إبراهيم نعيرات

ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟

هاني المصري

زكريا الزبيدي تحت التهديد... قدّ من جبال فلسطين

حمدي فراج

هل وصلت الرسالة إلى حماس؟

حمادة فراعنة

بين الابتكار وحكمة التوظيف .. الذكاء الاصطناعي يعمق المفارقات !

د. طلال شهوان - رئيس جامعة بيرزيت

الطريق إلى شرق أوسط متحول: كيف نحافظ على السلام في غزة مع مواجهة إيران

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

عيد الربيع يصبح تراثاً ثقافياً غير مادي للإنسانية

جنيباليا.. مأساة القرن

حديث القدس

لقاء نتنياهو- ترمب ومصير مقترح التطهير العرقي ووقف الإبادة

أحمد عيسى

"الأمريكي القبيح" واستعمار المريخ

د. أحمد رفيق عوض

رافعة لفلسطين ودعماً لمصر والأردن

حمادة فراعنة

"ترمب" والتهجير الخبيث!

بكر أبو بكر

تحويل الضفة إلى غيتوهات

بهاء رحال

من أين جاؤوا بنظرية "الضعيف إذا لم يُهزم فهو منتصر" ؟

د. رمزي عودة

محمد الطوس "أبو شادي" يبعث من جديد بعد أربعين سنة

وليد الهودلي

الذكاء الاصطناعي في التعليم.. قفزة نحو المستقبل أم تحدٍّ أخلاقي يلوح في الأفق؟

سارة الشماس

نتنياهو ومبررات استئناف الحرب

حديث القدس

أسعار العملات

الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

يورو / شيكل

بيع 3.77

شراء 3.76

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 554)