منذ العام 1964 مرت منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها في عدة منعطفات ومتغيرات سياسية خلال مراحل النضال الفلسطيني بدءاً من تبني الكفاح المسلح كوسيلة نضال إلى مرحلة الحلول السياسية والمفاوضات والمقاومة الشعبية، ومن تحرير فلسطين التاريخية إلى دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967.
اليوم، هذه المنظمة والتي كانت عنواناً للكل الفلسطيني، أصبحت متصدعة وشبه متفككة وباتت أشبه بالعجوز الطاعن بالسن والمنهك جسدياً، خاصة أن هناك فصائل كبيرة ووازنة في تأسيس هذه المنظمة خرجت عن الإطار العام لمحددات البرنامج السياسي ومتغيراته، والتي أقرت بعد اتفاق أوسلو عام 1993 وما سبقه في مؤتمر إعلان الاستقلال عام 1988 .
لنجد مثلا أن ثاني أكبر تنظيم سياسي في هذه المنظمة (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ) كمثال، باتت غير منصهرة مع برنامج المنظمة، وتعمل بشكل منفرد ومستقل عن أي التزام بالإطار العام للمنظمة ومحدداته.
صحيح أن منظمة التحرير إبان القادة الكبار أمثال الشهيد الراحل ياسر عرفات وجورج حبش ونايف حواتمه وسليمان النجاب وسمير غوشة ليس هي اليوم، ولا قادة اليوم هم قادة الأمس، ولم يستطيعوا أن يغيروا مسار التاريخ الفلسطيني أو يسجلوا أي اختراق على صعيد المشروع الوطني، أو يحققوا أي منجز على الصعيد الفلسطيني، كما زمن ياسر عرفات .
في تقديري إن منظمة التحرير الفلسطينية فشلت في استنهاض وتطوير ذاتها، وأحدثت نقطة ضعف كبيرة في النظام السياسي، وبرأيي أن الرئيس محمود عباس وحركة فتح يتحملون المسؤولية، صحيح أنه في عهد الرئيس عباس تفاقمت أزمة السلطة، وخصوصاً مع وصول اليمين المتطرف في إسرائيل للحكم وتهربهم من عملية السلام، وتعاظم عمليات الاستيطان والتهويد، وظهور بوادر فتور وعدم رضا عن أداء السلطة في مواجهتها لإسرائيل وفي التعامل مع التحديات الداخلية، لكن بلا شك كانت هناك مطالبات من داخل حركة فتح والمنظمة، وحتى صدرت قرارات من المجلسين المركزي والوطني للمنظمة، تطالب بتصويب المسار وإصلاح النظام السياسي وإجراء انتخابات، ولكن دون جدوى، وكانت النتيجة مزيداً من اتساع الفجوة بين القيادة والشعب، وخروج أو إخراج شخصيات وازنة من حركة فتح، وتمرد بعض فصائل منظمة التحرير على قيادة المنظمة، وتحالفها مع حركة حماس.
لذلك هل يعقل أن تستمر المنظمة وهي بهذا الضعف والتشرذم عنواناً للفلسطينيين دون إحداث أي تغيير لها، تغيير من الممكن أن يحقق اختراقاً جوهرياً وحقيقياً على الصعيد الوطني والفلسطيني؟!
أعتقد أنه آن الاوآن لتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية وتجديد مؤسساتها، من خلال مجموعة من الخطوات والإصلاحات الضرورية التي يجب تنفيذها، لضمان استعادة دورها كممثل شرعي وحقيقي للشعب الفلسطيني، وقوة فاعلة في النضال السياسي والدبلوماسي. وفي تقديري إن هذه الإصلاحات تشمل:
أولًا: إصلاح الهيكل التنظيمي للمنظمة
1. إعادة تفعيل المجلس الوطني الفلسطيني، من خلال عقد انتخابات ديمقراطية لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج، لضمان تمثيل جميع الفلسطينيين، وتحديث تركيبة المجلس بحيث تضم كل القوى الفاعلة .
2. إصلاح اللجنة التنفيذية للمنظمة
في تقديري أنه يجب اختيار قيادة جديدة عبر انتخابات حرة ونزيهة هذا من جهة، وضرورة وجود تمثيل حقيقي لكل القوى السياسية وليس فقط الفصائل التقليدية من جهة ثانية، وتفعيل دور اللجنة التنفيذية بحيث تصبح هي المرجعية السياسية، بدلًا من السلطة الفلسطينية من ناحية ثالثة .
3. إعادة هيكلة الدوائر التابعة للمنظمة
يجب تفعيل دوائر المنظمة المختلفة (مثل الإعلام، العلاقات الخارجية، اللاجئين، الشؤون الاجتماعية) بحيث تقوم بدورها الفعلي واستبدال القيادات التي فشلت في إدارة هذه الدوائر بقيادات أكثر كفاءة وخبرة.
ثانيًا: توحيد الصف الوطني وإنهاء الانقسام
1. دمج حركتي حماس والجهاد الإسلامي داخل المنظمة، وإجراء حوار وطني شامل للاتفاق على برنامج سياسي مشترك يضمن مشاركة جميع القوى الفلسطينية.
2. إعادة بناء الثقة بين الفصائل، من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على المرحلة الانتقالية لحين إعادة ترتيب أوضاع المنظمة، ووقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين الفصائل، وبدء صفحة جديدة من العمل الوطني المشترك.
ثالثًا: إصلاح البرنامج السياسي للمنظمة
1. تحديث الاستراتيجية السياسية، من خلال تحديد رؤية واضحة لمستقبل الصراع مع الاحتلال، سواء عبر المقاومة الشعبية، الدبلوماسية، أو غيرها من الأدوات.
وإعادة النظر في اتفاقيات أوسلو، واتخاذ موقف موحد من العلاقة مع إسرائيل في ظل استمرار الاحتلال والاستيطان.
إضافة لذلك تعزيز التحرك الدولي للحصول على اعتراف أوسع بالدولة الفلسطينية ومواجهة الضغوط الإسرائيلية.
2. تعزيز المقاومة الشعبية ودعم الحراك الشعبي السلمي ضد الاحتلال كوسيلة نضالية فعالة، وتوفير الدعم اللوجستي والميداني للمناطق التي تواجه الاستيطان والتهويد.
رابعًا: استعادة الدور العربي والدولي
1. إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية، واستعادة الدعم العربي من خلال توحيد الموقف الفلسطيني وعدم الدخول في محاور إقليمية متصارعة.
وضرورة تفعيل دور الجاليات الفلسطينية في الخارج لدعم القضية على المستوى الدولي.
2. تعزيز التحرك الدبلوماسي في الأمم المتحدة ، وتفعيل دور بعثات منظمة التحرير في الخارج، وعدم الاكتفاء بالسلطة الفلسطينية كممثل دبلوماسي.
إضافة لتقديم مبادرات سياسية جديدة تحرج إسرائيل على المستوى الدولي.
خامسًا: مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية
1. مراقبة عمل المؤسسات المالية والإدارية للمنظمة، وتشكيل لجنة رقابة مستقلة لمتابعة أوجه الإنفاق المالي داخل المنظمة.
وأيضا محاسبة المسؤولين عن الفساد وسوء الإدارة داخل المنظمة.
2. تعزيز المشاركة الشعبية في القرارات، وإشراك النقابات والاتحادات الشعبية في قرارات المنظمة.
وضمان تواصل دائم مع الفلسطينيين في الشتات وسماع مطالبهم.
ختاما، لا بد من التأكيد على أن المرحلة الراهنة تتطلب ضرورة ملحة لتفعيل منظمة التحرير بشكل جاد وفاعل وحقيقي، لإنقاذها، وهذا يستوجب إجراء إصلاحات جذرية وجوهرية تشمل إعادة هيكلة مؤسساتها، وتوحيد الفصائل، وتحديث برنامجها السياسي، واستعادة دورها الدبلوماسي، ومحاربة الفساد.
وبرأيي، إن نجاح هذه الإصلاحات سيعيد للمنظمة دورها القيادي في القضية الفلسطينية ويضمن تمثيلًا حقيقيًا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
شارك برأيك
منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!