رغم جمالها وفتنتها وروعتها، إلا أن حياة الإنسان على كوكب الأرض لا تعتبر حالة مريحة للروح؛
فالروح ستضطر في الغالب لخوض اختبارات مؤلمة، وتجارب شديدة الصعوبة، تحت بند الصقل والتمحيص والتطوير والارتقاء، أو أية بنود تشاء.
فهذا طفل سيعيش طفولة قاسية، وهذه بنت لن تنعم أبداً بفترة مراهقة مريحة ومتوازنة، وذاك شاب سيعيش شبابه في حرمان مادي وعاطفي، وتلك فتاة ستفقد أباها في مرحلة الدراسة الجامعية، واثنان فتاة وشاب معاً سيتعرضان لحادث سير مروع وهما سائران على الرصيف، وهذا رجل سيصاب بمرض مزمن في سن مبكرة، وتلك امرأة ستتزوج لعام واحد ثم تنفصل. وهذه شعوب كاملة تعيش في نطاق جغرافي من القهر الجماعي بالحروب أو بالإفقار المالي. وعشرات من هذه الأمثلة.
حتى في حاجة الروح للحب، الذي هو أعمق أسرار الحياة وأجملها وأهمها، فإن الروح يمكن أن تُحرم من هذا الحب معظم فترة وجودها على الأرض.
مثل أن تعيش روحٌ مع روحٍ لا تحبها في شكل (زواج) تعيس قاهر يصعب الفكاك منه، ومثل أن تكون الروح المرغوبة (المحبوبة) ماثلة أمام عينيك، ولكن هناك عوائق حقيقية أمام لقاء الروحين واتحادهما، ومثل أن تتجسد الروح في نطاق جغرافي يخضع لثقافة متشددة، تباعد بين الأرواح المتجسدة في جسم وطاقة أنثى، والأراوح المتجسدة في جسم وطاقة ذكر، فتعيش الأرواح جميعاً حرماناً وقهراً معاً.
وهكذا يمضي العمر الجميل بلا حب!
إن الانفصال عن الحب الحقيقي هو انفصال عن أجمل ما في الحياة والوجود، وهذا دليل دامغ على صعوبة حياة الأرض.
كيف لا وقد حُرمت الروح من أعمق احتياجاتها في الكوكب وهو الحب الصادق العذب، ورغم هذا الحرمان فهي مستمرة ببطولة وبسالة في (الحياة) حتى الرمق الأخير.
ولكن أية حياة هذه بلا حب حقيقي ؟!
عندها ستدرك يا إنسان أن روحك المتجسدة على الأرض في جسم مادي، إنما هي أسيرة قوانين وعلائق غامضة تَحول بينها وبين تحقيق آمالها في الحب؛ فالاتحاد الحقيقي لروحين سيحوّل حياتهما إلى جنة حقيقية على الأرض، وسيعينهما على تقديم عطاء نوعي ومختلف للبشرية.
ترى كم عدد هؤلاء المحظوظين يا ترى؟ وما هو السر وراء تحقق اتحادهما معا؟
وفي حياة الروح على الأرض، ستدرك الروح أن الجسم المادي المعطى لها إنما هو عائق أمام رغبتها في أن تطير طيراناً عظيماً حراً في السماوات المفتوحة، حتى تشعر أنها تخترق المسافات وتخضعها، وحتى تفرح بانتقالاتها الزمنية الخارقة.
وفي الحياة الأرضية ستدرك يا إنسان أنك مضطر لتناول الطعام والشراب يومياً حتى لا تموت، وأنك لا تستطيع الاستغناء عنهما يوماً واحداً، وأن هذا الواقع يشعرك بالعبودية للطعام وللشراب، ناهيك عن العبودية للمال، اللازم لجلب هذين العنصرين.
وفي الحياة الأرضية ستدرك يا إنسان أنك مضطر للتبول والتبرز كل يوم، وأنك تضر جسمك وتميته إذا امتنعت عن هذين الفعلين، وأن هذا الواقع يشعرك بالعبودية لجسمك المادي وأنظمته الحيوية.
وأنك يمكن أن تخرّ مريضاً أو ميتاً بسبب فيروسات لا تراها العين، فتنهي تجربتك على الكوكب.
عندها ستدرك أن روحك أسيرة هذا الجسم المادي وهذه القوانين المادية.
وليس مغزى الكلام الاعتراض على التصميم الإلهي المحكم، بل المغزى هو محاولة فهم أبعاد رحلة الروح على الأرض.
فأنت ترى كثيراً من الناس يرددون الآية القرآنية الكريمة (لقد خلقنا الإنسان في كَبَد)، في معرض إشارتهم إلى طبيعة الحياة التي لاقتها وستلاقيها روح الإنسان على الأرض.
ويرى شيخ الأزهر الفيلسوف المتصوف د. عبد الحليم محمود رحمه الله أن "العواطف والشعور وتعدد البدائل من أهم أسباب شقاء الإنسان" .
إن السؤالين اللذَين سيطلّان برأسيهما عليك بين الحين والآخر هما:
أين تكمن بالضبط سعادة الروح على هذه الأرض؟
هل تكون قمة الحكمة في إدراك الذات التي لا تنفصل أبداً عن مصدرها السماوي؟
قال أحد الروحانيين: لا تسأل، أنتَ الإجابة.
في حياة الروح على الأرض، ستدرك الروح أن الجسم المادي المعطى لها إنما هو عائق أمام رغبتها في أن تطير طيراناً عظيماً حراً في السماوات المفتوحة.
شارك برأيك
مع الحياة أنتَ الإجابة !