المباحثات التي جرت بين الإدارة الأمريكية وحركة حماس في الأيام الأخيرة، سواء كانت بموافقة نتنياهو وحكومته، أو دون علمهما، كما يدعي أو يتظاهر بالإدعاء لأغراض ائتلافية داخلية، تبدو وكأنها بالونات اختبار تطلقها واشنطن، الهدف منها تحقيق اختراق مباشر وإبعاد الوسطاء (مصر وقطر) اللتين لعبتا دورًا كبيرًا خلال الأشهر الماضية، في محاولة الوصول إلى هدنة ووقف لإطلاق النار وتحقيق تبادل كامل للأسرى.
واشنطن الغاضبة من الموقف العربي، ومخرجات قمة القاهرة الأخيرة، بسبب معارضتها لمخططات التهجير والتطهير العرقي التي سبق أن طرحها ترامب في أكثر من مناسبة وأكثر من لقاء، قررت القفز إلى مفاوضات مباشرة مع قيادة حماس، بعيدًا عن الوساطة العربية، ويبدو أن الإدارة الأمريكية تسعى لتجاوز الدور العربي تمامًا، وهو ما يعكس حالة من التخبط داخل الإدارة الجديدة، التي تتأرجح بين التهديد والوعيد من جهة، وفتح باب الحوار من جهة أخرى، وكأنها تتعامل بسياسة العصا والجزرة بطريقة غير واضحة أو مفهومة وغير سليمة. فكيف يمكن تفسير موقف واشنطن هذا؟ هل هي تسعى لاجتثاث الحركة كما صرحت ومثلما أعلنت وتعلن، أم أنها ترى ضرورة الجلوس معها والتفاوض؟! ولماذا قفزت فجأة إلى ثنائية التفاوض من دون وجود أطراف وسيطة.
التصريحات الأمريكية الأخيرة زادت المشهد غموضًا؛ فمن جهة هناك من يصرّ على ضرورة استسلام حماس وخروجها من غزة وتسليم السلاح بالكامل، ومن جهة أخرى، يخرج مبعوث ترامب ليقول إن المفاوضات تجري مع "أناس عقلاء وليسوا شياطين"، بل ويصف اللقاءات بالإيجابية نحو وقف إطلاق النار. وفي ذات الوقت فإن تصريحات موسى أبو مرزوق القيادي في حركة حماس ليست بعيدة، بل من سمعها يرى فيها دبلوماسية عالية، ورغبة ملّحة في التقارب مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
المبعوث الأمريكي آدم بوهلر بعد جولة المباحثات خرج بتصريحات متفائلة تشي بأن المباحثات تشمل قضايا عديدة منها هدنة طويلة المدى، والإفراج الكامل عن الأسرى، وبنود أخرى جرى التفاهم حولها، منها ما كشف عنه، ومنها ما لم يكشف بعد، وقد وصف المباحثات بأنها مفيدة. قفز أمريكا نحو المباحثات الثنائية وتحييد دور الوسطاء، يحمل الكثير من التساؤلات حول مستقبل غزة، وما يُعد لها من خطط، وعمليات التهجير والتطهير العرقي التي يريدها ترامب ويخطط لها، سواء كانت طواعية بدهاء السياسة الأمريكية، أو بالقوة العسكرية التي يريدها نتنياهو، وفي كلتا الحالتين فإن هذه المباحثات الثنائية خطيرة جدًا، يجب أن تؤخذ بأحمالها، لأنها تشكل تهديدًا حقيقيًا، إذا كان الذي يراد منها القفز على قرارات القمة العربية الأخيرة التي عقدت في القاهرة، وهذا ما يجب على قيادة حماس أن تعيه جيدًا.
وفي النهاية، فإن على ترامب وغيره أن يعي بأن هناك حقيقة واحدة لا يمكن التشكيك فيها، هي أن الشعب الفلسطيني باقٍ فوق أرضه، يناضل من أجل دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة، وما عدا ذلك ليس سوى ضجيج سياسي وتصريحات لا قيمة لها.
.............
قفز أمريكا نحو المباحثات الثنائية وتحييد دور الوسطاء، يحمل الكثير من التساؤلات حول مستقبل غزة، وما يُعد لها من خطط، وعمليات التهجير والتطهير العرقي التي يريدها ترامب ويخطط لها.
شارك برأيك
بالونات اختبار أمريكية