أقلام وأراء
الأربعاء 01 مايو 2024 9:03 صباحًا - بتوقيت القدس
ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية
تلخيص
رغم الزيادة المطردة في عدد المعطيات والشواهد والحيثيات الدالّة على أنّ تغيّراً جدّياً قد طرأ على المزاج السياسي الأوروبي، بعد انكشاف هول الفظائع المُرتكبة في حقّ النساء والأطفال في قطاع غزّة، وتراكم المؤشّرات القويّة، والمظاهر الحسّية، على حدوث تحوّل واسع وحثيث، منذ أواخر العام المنصرم، في الرأي العام الغربي عموماً، والأميركي خصوصاً، إلا أنّ ذلك كلّه لم يكن كافياً لاستحضار الصورة الفيتنامية من قبو الأرشيف، لعقد مقاربة منطقية مقنعة بين شمس الـ"فيت كونغ" المتوهّجة في البال وشمس المقاومة الفلسطينية الساطعة بقوّة مضاعفة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023).
كما لم تكن الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات، على كثرتها، تلك التي عمّت شوارع عواصم ومدن غربية، ضدّ حرب الإبادة الجماعية في غزّة، كافيةً لعقد هذه المقاربة بين الليلة الفلسطينية، في تجلّياتها الراهنة، والبارحة الفيتنامية، المُفعمة بالدروس والعبر البليغة، لو لم تحدث الانتفاضة الطلابية العارمة في الجامعات الأميركية، وتتعاظم الشواهد على أنّ تبدلاً مهماً، عميقاً وواسعاً، قد وقع بالفعل، وصار ملء العين والسمع، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة الغضّة بعضاً من صفحات تلك الثورة الطلابية المماثلة، التي نهض بها آباء هؤلاء الشباب الغرّ الميامين، أواخر ستينيات القرن الماضي.
مع أنّ هناك اختلافاتٍ موضوعيةً في الزمان والمكان، وفوارق بيّنات بين الحالتين الفلسطينية والفيتنامية، إلا أنّ هناك، في المقابل، أوجهَ تماثلٍ لا بأس بها، بين سياق الثورة التي انتهت بتسجيل أول هزيمة عسكرية أميركية لا تقبل التأويل، بفضل الدعم السوفييتي والصيني غير المحدود، ومخاض الثورة التي تكوّنت فوق بساط الريح (حسب وصف البطل الفيتنامي الجنرال فون نجوين جياب)، وحفلت مساراتها العسيرة بالإنجازات والانتكاسات، إلا أنّها ظلّت تواصل التجدّد والانبثاق من تحت الرماد، فاستحقت بذلك لقبَ أطولِ ثورةٍ معاصرةٍ، وتولّت بجدارة حمل الراية الفيتنامية، وحازت وحدها شرف الصمود في ممرّ مارثون حركة التحرّر العالمية.
لسنا اليوم في معرض تقليب تلك الصفحات، واستدعاء مواطن الشبه ومواضع الاختلافات بين الثورتين، وإنّما الغاية الإمساك باللحظة الراهنة، المسكونة بالدلالات السياسية اللافتة والتحولات الجارية، على خلفية التفاعلات والمشاهد المتدفقة من ساحات عشرات الجامعات الأميركية، التي سبق أن قالت كلمتها عند كلّ مفترق طرق، وصنعت الفارق، وقلبت المفاهيم والقيم والرأي العام، فأوقفت التورّط في حرب فيتنام، فكانت تلك الانتفاضة بمثابة الشرارة التي أشعلت الحريق، وحفرت في الوعي الأميركي، وساهمت في تحقيق انتصار ثورة الحفاة، كما فعلتها ثانيةً ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وها هي اليوم تشي بتكرار فعلتها المجيدة مرّة ثالثة لصالح شعب فلسطين.
وأحسب أنّ الثورة الطلابية المتصاعدة من أعرق الجامعات الأميركية قابلةٌ للتصاعد أكثر، والتحوّل إلى ثورة قيمية اجتماعية، على خلفية القمع الذي أدّى إلى انتشار ظاهرة التمرّد على دعم الإدارة المتصهينة المُفرط، بالمال والسلاح، لربيبتها دولة الاحتلال، وأنّها مرشّحةٌ للاحتدام، ضدّ حرب الإبادة، وضدّ المشاركة الأميركية في المقتلة الرهيبة، الأمر الذي من شأنه تعزيز التحوّل الجاري، وتزخيمه وتوسيعه أكثر، ناهيك عن تجريد إدارة جو بايدن من كلّ زعم أخلاقي.
تقود هذه التطورات النخب الطلابية وقادة الأكاديميا الأميركية، وهي محرّك التغيير في كلّ مكان وزمان، تتخطى آثارها المباشرة نطاق الولايات المتّحدة، بدورها القيادي المُلهم، ونموذجها الباذخ، وقوتها الناعمة، ليطاول مختلف المجتمعات الغربية، ويؤثّر تدريجياً في مواقفها التقليدية، ولا سيّما تغاضيها المتواصل عن مظاهر الوحشية الإسرائيلية، واستسلامها التام للسردية القائمة على الترهيب بفزّاعة معاداة السامية، ولعلّ هلع نتنياهو، وفريقه الفاشي، من مفاعيل هذه الظاهرة، التي يعلو سماءها شعار "فلسطين حرّة من البحر إلى النهر"، هو الدليل بعينه على أن بداية نهاية العصر الإسرائيلي قد بدأت، وأنّ قطوف "طوفان الأقصى" قد دنت.
تبقى ضرورة إبداء الأسف الشديد، ونحن نرى هذا التصحّر في الحياة الطلابية والنقابية والحزبية العربية، قبالة انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية ومحاضريها، ونتلمّس هذا الخدر العربي اللذيذ، والموات العجيب الغريب من حولنا، وهو يغشى طلبة جامعاتنا من الماء إلى الماء، فيما أمواج الثورة الطلابية تتعاظم وتمتدّ من كندا إلى أوروبا، بل إلى أستراليا ونيوزيلندا واليابان.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
حرب ترامب الاقتصادية
حمادة فراعنة
العالم على كف "رئيس"
منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!
محمد جودة
عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل
حديث القدس
المشهد الراهن والمصير الوطني
جمال زقوت
الخيار العسكري الإسرائيلي القادم
راسم عبيدات
ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!
د. إبراهيم نعيرات
ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟
هاني المصري
زكريا الزبيدي تحت التهديد... قدّ من جبال فلسطين
حمدي فراج
هل وصلت الرسالة إلى حماس؟
حمادة فراعنة
مجدداً.. طمون تحت الحصار
مصطفى بشارات
بين الابتكار وحكمة التوظيف .. الذكاء الاصطناعي يعمق المفارقات !
د. طلال شهوان - رئيس جامعة بيرزيت
الطريق إلى شرق أوسط متحول: كيف نحافظ على السلام في غزة مع مواجهة إيران
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
عيد الربيع يصبح تراثاً ثقافياً غير مادي للإنسانية
جنيباليا.. مأساة القرن
حديث القدس
لقاء نتنياهو- ترمب ومصير مقترح التطهير العرقي ووقف الإبادة
أحمد عيسى
"الأمريكي القبيح" واستعمار المريخ
د. أحمد رفيق عوض
رافعة لفلسطين ودعماً لمصر والأردن
حمادة فراعنة
"ترمب" والتهجير الخبيث!
بكر أبو بكر
تحويل الضفة إلى غيتوهات
بهاء رحال
الأكثر تعليقاً
من أين جاؤوا بنظرية "الضعيف إذا لم يُهزم فهو منتصر" ؟
الترامبيّة المُتحوّرة!
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
الرئيس يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لوقف العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية
الاحتلال يفرج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار
اقتحامات واعتقالات في الضفة الغربية
اللواء ناصر البوريني يستقبل سفير المملكة الأردنية الهاشمية في فلسطين
الأكثر قراءة
إعلام عبري: نتنياهو يناقش خطط عودة الجيش الإسرائيلي إلى غزة
الشرطة الإسرائيلية تعتقل 432 عاملا فلسطينيا داخل أراضي 1948
ترامب: لا ضمانات لدي أن الهدنة بين إسرائيل وحماس ستصمد
مستعمرون يقتحمون مبنى "الأونروا" في حي الشيخ جراح
ترامب يبحث الثلاثاء مع نتنياهو سيناريوهات التهجير لغزة واحتمال العودة للحرب
مارتن أولينر يدعو إلى دعم خطة ترامب للتهجير.. "سكان غزة لا يستحقون الرحمة"
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 554)
شارك برأيك
ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية