Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 09 أبريل 2024 10:21 صباحًا - بتوقيت القدس

طبّاخ السمّ يذوقه في مطبخ الإبادة العالمي!

تلخيص

كان داعمو حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة بانتظار هذه المجزرة تحديدًا؛ لإظهار انزعاجهم أخيرًا. فعلوها هذه المرّة؛ لأنّ جيش الاحتلال تعقّب عاملي إغاثة غربيين، وهم يتحرّكون على الأرض بتنسيق كامل معه، فقرّروا في مكان ما من القيادة الإسرائيلية، تسديد ضربات جوية متعاقبة اخترقت سيارات الدفع الرباعي التي تقلّهم، حتى أجهزت عمليات القصف المتسلسلة على فريق “المطبخ المركزي العالمي” المكوّن من سبعة عاملي إغاثة وسائقهم الفلسطيني.


وحده الجيش الإسرائيلي الذي يجرؤ في عالم اليوم على اقتراف مجزرة صريحة بحقّ فريق إغاثة غربي، يعمل بالتنسيق الكامل معه. لم تنتفض أبدان مسؤولي الاحتلال من هذه الفظاعة، فالاستهدافات طاردت الفريق، وسُدّدت بدقّة واضحة، ومع ذلك يزعمون أنّها “لم تكن مقصودة”، وليس من داعٍ لأي انزعاج “فهذا يحدث في الحرب”، كما قال بنيامين نتنياهو ببرود، في مقطع مصوّر خاطب فيه دولًا حليفة أجهز القصف على مواطنيها.



ما قصده نتنياهو تقريبًا أنّ ضباط جيشه تعاقبوا على قصف السيارات التي تحمل شارات “المطبخ العالمي” البارزة؛ لأنهم حسبوا أنّهم “محليّون” يمكن قتلهم دون تردّد، كما هي عادة الأنظمة الاستعمارية البائدة مع الشعوب المضطهدة، رغم أنّ الفِرَق الدولية وحدها التي تتحرّك بسيارات دفع رباعي بيضاء مميزّة على طرق غزة المكشوفة للغارات.


صفعة مدوية لحلفاء الإبادة

ما هو مؤكّد من قرائن الواقعة المشهودة أنّ قرارًا إسرائيليًا صدر بلا ريب بإبادة فريق “المطبخ المركزي العالمي”، لكنّ السؤال يتعلّق بالمستوى الذي اتّخذ القرار، وبالمغزى من اقتراف مذبحة بحقّ منظمة برز دورها بالتزامن مع ترتيبات الممرّ البحري الذي أعلنت عنه الدول الغربية ضمن آليّة تخطّت عمل وكالات الأمم المتحدة التي وقعت شيطنتها؛ لاسيما “الأونروا”.


أقامت هذه المقتلة الحجّة على حلفاء حرب الإبادة من حيث لم يحتسبوا. كشفت الواقعة نزعة التسلِّي الإسرائيلية بإيقاع المجازر المروِّعة في الميدان دون رادع، فمأساة فريق “المطبخ العالمي” قدّمت لجماهير الدول الحليفة برهانًا عمليًا على زيف الرواية المعتمدة في عواصمهم التي ما عاد بوسعها الآن تورية حقائق جليّة؛ ومنها أنّ هذا الجيش يستسهل القتل الجماعي بلا تردّد.


فعندما يبلغ الأمر حدّ الإجهاز حتى على عاملي إغاثة غربيين يعملون بالتنسيق الدقيق مع جيش الاحتلال، فإنّ ذلك لن يكون سوى نقطة في بحر فظائع الإبادة التي لم تستثر انزعاج العواصم الغربية إيّاها أو غضبها.


“مطبخ الإبادة العالمي” وتبقى “مذبحة المطبخ العالمي” نتيجة منطقية للسماح الدولي بعلوّ منسوب التوحّش في سلوك قيادة الحرب وجيشها، فالإقدام على إعدام هذا الفريق لا ينفكّ عن حفلة قتل متواصلة أجهزت حتى حينه على المئات من موظفي الوكالات الإنسانية الدولية والمنظمات الإغاثية العاملة في الميدان، دون اعتراضات جادّة من الحلفاء الغربيين.


خدماته

حقيقة الأمر أنّ فظائع غزة التي تعاظمت وتضخّمت، جرى تبريرها استباقيًا من جانب حلف داعم للإبادة، وفّر لمقترفيها كلّ ما يحتاجونه، فالدعم العسكري بالأسلحة والذخائر لم ينقطع، والغطاء السياسي سابغ لما يكفي شهورًا إضافية من القتل، والسلوك التصويتي في الهيئات الدولية لم يتدخّل بعدُ بشكل جادّ لوقف عجلة الإبادة.


وما كان لجيش الإبادة أن يقترف فظائع غزة التي بلغت حصيلة مذهلة بمقاييس حروب القرن لولا دعم سياسي وعسكري ومعنوي تجود به قوى النفوذ الغربي عليه، وقد تكفّلت فوق هذا باستدامة حصانته المزمنة من المُساءلة والمُحاسبة، حتى بعد انقضاء نصف سنة على انطلاق حملة إبادة جماعية تدفع كلّ يوم بفظائع مرئية للعالم بأسره.


قدّم “مطبخ الإبادة العالمي” الدعم اللازم لبرنامج الفظائع الدؤوب، فمواقف الحلفاء الغربيين كافأت كلّ فظاعة تكشّفت من الميدان الغزي بالتجاهل أو الفتور أو التراخي، وبلغ الأمر حدّ لوم الضحية الفلسطيني بشكل ضمنيّ، حتى إنّ الجوقة الغربية لم تتورّع أحيانًا عن تبنِّي روايات مجلس الحرب الإسرائيلي، وترويج مزاعم ملفّقة دفع بها ناطقو جيش الاحتلال، رغم صيحات وتحذيرات يطلقها مسؤولون في دول أوروبية قليلة العدد، مثل: إسبانيا، وبلجيكا، وأيرلندا، ومالطا، والنرويج.


كان واضحًا منذ البدء أنّ الزعماء الغربيين الداعمين لهذه الحرب أدركوا أنّ نوايا قيادة الاحتلال السياسية والعسكرية تتجاوز جولات العدوان “النمطية” السابقة ضدّ قطاع غزة، وأنّ قرارًا ما بتفكيك القطاع، حرفيًا، صدر من أعلى المُستويات مع معرفة العواصم الحليفة به، أو ربّما بالشراكة معها، وأنّ ذلك يشمل أوسع حملة قتل وترويع يمكن تصوّرها، وتهجير السكّان داخليًا أو حتى خارجيًا إن أمكن، وإلحاق الدمار الشامل بالبنية العمرانية المدنية عن آخرها تقريبًا، على النحو الذي جرى حقًّا، وكيّ وعي الشعب الفلسطيني بسيْل من الفظائع الصادمة كي يكفّ عن محاولات التحرّر من الاحتلال.


ما كان لهذا البرنامج أن يتحرّك في الواقع لولا خدمات “مطبخ الإبادة العالمي”، فقد تطلّب إنزال كلّ هذا الكمّ من جرائم الحرب بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة إسنادًا غربيًا متعدِّد الأشكال، بما في ذلك الإمداد السخيّ بعشرات آلاف الأطنان من قذائف القتل الجماعي والتدمير الواسع، مشفوعًا بتخندُق دعائي جارف؛ لتبرير كلّ ما يمكن اقترافه. ففي البدء كانت الرواية التي وفّرت الغطاء الاستباقي لهذه الإبادة الجماعية كي تمضي إلى آخر الشوط.


من شأن التدقيق في السرديّات المعتمدة على جانبي الأطلسي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أن يقود إلى تشخيص ذرائع استباقية مثالية لحملات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتدمير الشامل وحروب التجويع، وجرائم الحرب، وقد أسرف جيش الاحتلال في اقتراف هذا كلِّه في قطاع غزة؛ مستفيدًا من تلك التوطئة التبريرية من عواصم النفوذ الغربي.


تصرّف أولئك القادة الغربيون كما لو كانوا في مختبر “غسْل أدمغة” باستخدام أسلوب “التكرار والتثبيت” مع محفوظات نمطية لم يملّوا من ترديدها، من قبيل: “لإسرائيل الحقّ، كلّ الحقّ، في الدفاع عن نفسها، بل من واجبها القيام بذلك!”.


إنّه امتياز لفظي مكرّس بهذه الصيغة المحبوكة لسلطة احتلال تنتهك القانون الدولي بلا هوادة. ثمّ إنّ كل ما يمكن لهذا الجيش أن يقترفه في الميدان قابل للتبرير، فلا تثريب عليه إنْ أوقع أيّ حصيلة من الضحايا المدنيين، فالجانب الفلسطيني يُحمّل المسؤولية عن كلّ ما يمسّه باعتبار أنّ هؤلاء جرى اتِّخاذهم “دروعًا بشرية”، وأنّ سكّان قطاع غزة هم “رهائن” عند مقاومة الشعب التي “جلبت الخراب لغزة”!.


حسنًا؛ وماذا لو قصف الجيش في حملته الضارية المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وقد وقع هذا حقًّا بأبشع الصور؟ صاغت الجوقة تبريرات


وماذا لو قطع جيش الاحتلال موارد الحياة الأساسية عن الأهالي؟ ظلّ تبرير هذا المسلك مُتاحًا رغم انتقادات فاترة عبّر عنها مسؤولون غربيون دون عواقب واضحة، إذ “ينبغي ضمان عدم وصول المساعدات” إلى المقاومة، كما قيل أحيانًا، أو أنّه “يتعيّن زيادة المساعدات الإنسانية” مع تجاهل حقيقة تكدّسها على تخوم القطاع المغلق بعناية، أو أنّ “الجانب الإسرائيلي وعَد بعد التشاور معه بتسهيل دخول المساعدات”.


لم تترتّب أيّ عقوبات غربية حتى حينه على حملة الإبادة الجماعية التي يقع إنكارها أساسًا من دول الشمال الغربي، بينما لم يتردّد “مطبخ الإبادة العالمي” الداعم للاحتلال وجيشه في فرض عقوبات متسرِّعة على الأمم المتحدة ووكالة الغوث “الأونروا” بذريعة اتهامات غير موثّقة روّجها مجلس الحرب الإسرائيلي.


تمسّكَ أولئك القادة الغربيون بمقولات معهودة تكفي لتبرير أبشع فظائع العصر، حتى بعد أن جرّت جنوب أفريقيا حليفهم الإسرائيلي إلى لاهاي. وما إنْ نطقت محكمة العدل الدولية بقرار أوّلي طالب بإجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة حتى أنزل الحلفاء الغربيون عقوباتهم على الأمم المتحدة ممثّلة بالأونروا، وعلى الشعب الفلسطيني الذي تخدمه هذه الوكالة الإنسانية.


لم يطرأ خلال الشهور الستّة الأولى أيّ تغيُّر جوهري على الاصطفاف الغربي الداعم للإبادة الجماعية، رغم انتقادات لفظية تزايدت لإظهار التنصّل من المسؤولية عن دعم الفظائع. فما هو واضح أنّ الحلفاء لم يستعملوا نفوذهم حتى حينه لوقف مجازر المستشفيات ومشاهد الفظائع وصور الفتك المرعبة وسحق الأطفال والأمهات على مدار الساعة بلا هوادة، ولم يتغيّر شيء حتى بعد “مجزرة الطحين” في غزة، عندما اقترف جيش الاحتلال مذبحة جماعية مصوّرة بحقّ تجمّعات المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا بانتظار الحصول على دقيق الإغاثة لإطعام أطفالهم، فواصل الجيش مجازره في نقاط توزيع المساعدات، وتبخّرت تصريحات الأسى الغربية على وقائع لا يُشار إلى هُوية فاعلها.


طبّاخ السمّ يذوقه!

من مفارقات المشهد أنّ الدول الغربية التي قتل جيش الاحتلال أفرادًا من مواطنيها ضمن فريق “المطبخ العالمي” ظهرت ضمن مشهد حلف الإبادة، ولم تدرك أنّها وفّرت لمقتلتهم الشنيعة سردية تبريرية مثالية. تجلّى الحرج البالغ في لحظة الحقيقة، عندما صفع جيش الغزاة حلفاءه وجرّب معهم منطقًا خصصّوه للفلسطينيين.


تلكّأ بعض المسؤولين الغربيين المعنيين في إبداء موقف واضح بعد النبأ الصادم الوارد من غزة، فالصدمة هنا لم تستأهلها فظائع مجمع الشفاء الطبي في صبيحة ذلك اليوم الذي تراكمت فيه الجثث حول المستشفى؛ وإنّما في قتل مواطنين غربيين وحسب.


جاءت بعض التعليقات الغربية في البدء وكأنّ مجزرة “المطبخ العالمي” تتعلّق بحادث سير مروِّع يقتضي “تحقيقًا” أو بانتظار الحصول على “توضيح”، أو “تعويض” حسب تصريحات بولندية. حتى إنّ وارسو التي فتك الجيش الإسرائيلي بأحد مواطنيها ضمن الفريق الإغاثي تحاشت التعليق على الجريمة البشعة ساعات مديدة. وعندما اضطرّت وزارة الخارجية البولندية إلى نشر تعليقها الأوّل على منصّة “إكس”، استبعدت الإشارة إلى هوية الفاعل الذي تحدّث عنه العالم بأسره، ذلك أنّها التزمت طقوس الخطاب التحالفي الذي يقتضي عزل الصفة الإسرائيلية عن مقترفي الفظائع وجرائم الحرب.


لجأ حلفاء الإبادة ابتداءً إلى مناورات لفظية جوفاء؛ لامتصاص الحرج البالغ الذي سبّبه استهداف فريق “المطبخ المركزي العالمي”، لكنّ أصداء الصفعة الإسرائيلية ضيّقت هوامش التصرّف المتاحة لهم، وأدركوا أنّها قد تجرّ عليهم أثمانًا سياسية داخلية باهظة إن واصلوا الظهور في جوقة داعمي الوحشية التي أوقعت ضحايا من مواطنيهم.


تجلّى هذا المتغيِّر واضحًا في سلوك ريشي سوناك بعد اكتشاف مقتل ثلاثة بريطانيين في القصف الإسرائيلي المتسلسل، وبعد ورود تقييمات قانونية بأنّ استمرار تسليح الجيش الإسرائيلي يضع حكومة سوناك ذاتها في مرمى المساءلة القانونية المحتملة، حتى قبل مقتل مواطنيها في غزة، التي ما عاد دمها المسفوك فلسطينيًا فقط.


في سيرة حرب الإبادة الجارية في غزة قد يسجِّل بعضهم من بعدُ أنّ مجزرة فريق “المطبخ المركزي العالمي” كانت نقطة تحوّل في مسار حلفاء الاحتلال، تحديدًا بعد أن ذاق طبّاخو السمّ شيئًا ممّا يحضِّرونه.

دلالات

شارك برأيك

طبّاخ السمّ يذوقه في مطبخ الإبادة العالمي!

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين

حديث القدس

توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين

سري القدوة

حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال

د. دلال صائب عريقات

سموتريتش

بهاء رحال

مبادرة حمساوية

حمادة فراعنة

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 93)