أقلام وأراء

الإثنين 20 نوفمبر 2023 11:08 صباحًا - بتوقيت القدس

الاتحاد الأوروبي في قفص الاتهام من رفض التمويل المشروط لرفض الوجود أصلاً

كان لافتاً، كفكرة وإخراج، ذلك الفيديو الدعاوي الذي اصدرته فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية لرفض التمويل من الدول الداعمة للإبادة الجماعية في غزة. راقصو وإدارييو الفرقة من شباب وصبايا يكممون أفواههم باعلام الدول الداعمة: امريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، إيطاليا، وفي لحظة ينزعون اللواصق عن أفواههم ليعلنون موقفهم: لا لتمويلكم الملطخ بالدم. وكانت فرقة الفنون، في وقت سابق (2010-2020)، ومعها العديد من المنظمات غير الحكومية، رفضت من حيث المبدأ التوقيع على وثيقة أوروبية اشترطت (نبذ الإرهاب)- اي المقاومة- لتقديم التمويل. لقد دفع موظفو تلك الفرقة الرائدة وفعالياتها ثمن موقفهم هذا عن طيب خاطر.
أما الآن فقد فرض الموقف الأوروبي المفضوح في دعم الإبادة الجماعية لشعبنا أن يتحرك موقف المنظمات غير الحكومية خطوة للأمام. لقد تعددت وتنوعت مواقف شبكات وإئتلافات المنظمات غير الحكومية الفلسطينية من حيث جذريتها من الاتحاد الأوروبي ومفوضيته، ودعمه للإبادة بكل صفاقة ووضوح وعنصرية، بلغت حد مطالبة المؤسسات الفلسطينية بإدانة المقاومة وحركة حماس.
فشبكة المنظمات الأهلية أدانت موقف أمريكا وأوروبا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا (لتوفير الغطاء لجريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي) وأعلنت (مقاطعة كافة اشكال اللقاء والتعاون مع المفوضية وهذه الحكومات)، كما ورد في بيان الشبكة والذي تناول اشكال الخرق التي مثلها موقف الاتحاد الأوروبي للقانون الدولي الإنساني وميثاق روما لمنع الإبادة الجماعية للعام 1998.
أما مجموعة من الإئتلافات (الإئتلاف الفلسطيني من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية -عدالة، والإئتلاف الفلسطيني للإعاقة، وشبكة الفنون الإدائية، والشبكة العالمية للاجئين والمهجرين الفلسطينيين) فقد ذهبت في بيان مشترك حد مطالبة المنظمات المتعاملة مع الأوروبيين بإعادة أموالهم لهم تحت شعار (لا نريد أموالكم)، رداً على الدعوة الاستفزازية من الاتحاد الأوروبي لهم لإدانة حماس والمقاومة الفلسطينية، داعياً في ذات الوقت اعتبار وجود المؤسسات الأوروبية الداعمة للعدوان، (وجود غير مرغوب فيه)، وكانت ممثلة إئتلاف عدالة، وهو إئتلاف من 64 منظمة ومؤسسة ونقابة، في إحدى المؤتمرات الصحفية قد أعلنت الموقف من تلك المؤسسات قائلة (الخيار الوحيد لهذه المؤسسات لإبقائها على أرض فلسطين هو موقف واضح وصريح)، والموقف المطلوب تحديدا حسب عدالة هو إدانة الإبادة الجماعية للاستعمار الصهيوني، والتأييد الصريح لمقاومة الشعب الفلسطيني باعتبارها من حقوقه الطبيعية.
اما الموقف المتقدم فهو ما سجلته شبكة الفنون الإدائية والتي تضم ثلاثة عشر فرقة ومؤسسة فنية، حيث قررت الشبكة إعادة منحة مقدمة من المؤسسة الأمريكية OSF (مجتمعات منفتحة) وقيمتها 300 الف دولار، فيما اتخذ مركز الفن الشعبي، عضو الشبكة، قراراً مبكراً بإعادة 50 ألف دولار، ومركز خليل السكاكيني بإعادة ما يقارب 100 ألف دولار.
من رفض التمويل لرفض الوجود أصلاً
وكان موضوع التمويل الأوروبي قد انطرح بين عامي 2019-2020 على ضوء الشروط التي وضعها الاتحاد لتقديم التمويل للمنظمات غير الحكومية، وهي شروط تتعلق (نبذ الإرهاب)، اي المقاومة الفلسطينية وفصائلها. حينها تراوح موقف المنظمات بين رفض التمويل المشروط من اساسه، وبين إيجاد صيغة ما معدلة لتلك الشروط، تحفظ ماء الوجه، وألأموال ايضاً، ليتشكل في الواقع اتجاهان في أوساط المنظمات غير الحكومية حول التمويل الأوربي المشروط، لتعود المسألة لتنطرح من جديد، ولكن هذه المرة لنقل بحدة اكثر نتيجة الموقف العلني للاتحاد الأوروبي الداعم لجريمة الإبادة الجماعية، والذي يمكن ببساطة ملاحظته سواء بالتعاون العسكري والاستخباري، أو بموقفين سياسيين داعمين، الأول (حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها) والثاني (رفض وقف إطلاق النار)، واللذان يعنيان بالنهاية دعم الكيان في حربه وإبادته الجماعية ضد شعبنا. إن الاتحاد الأوروبي، وبأبرز دوله بات شريكاً في الحريمة مخلصاً لتراثه الاستعماري الأبيض ضد شعوب العالم.
والنقاش اليوم لم يعد يدور حول شروط سياسية توضع للابتزاز السياسي للمنظمات كما كان سابقاً، بل حول صوابية التعامل من الأساس مع الاتحاد الأوروبي، بعد الاتضاح المفضوح لموقفه الاستعماري ودعمه للإبادة الجماعية لشعبنا، وانكشاف زيف (الموضات الفكرية)، حسب تعبير المفكر الراحل سمير أمين، من نوع الديموقراطية وحقوق الإنسان والحوكمة والشفافية والمساواة إلى آخره، التي يروجها ويلتقطها الليبرالييون دون تمحيص، فتغدو قرآنهم. إنه لمن المثير للحنق فعلاً أن مَنْ أوجد ظاهرة الاستعمار البغيض واستعباد الشعوب وإبادتها في التاريخ الحديث والمعاصر، وأنجب النازية والفاشية، كأكثر الظواهر وحشية وعنصرية في التاريخ، يسعى اليوم ليعلم الشعوب حقوق الانسان والديموقراطية، فيما هو يقف بكل صلافة مع أكثر مظاهر الاستعمار المعاصر وحشية، الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، ويدعم إبادة شعب بأكمله.
كان لافتاً، كما يشير إئتلاف عدالة، مسارعة الاتحاد الأوروبي لإعلان موقفه بعد 7 اكتوبر مباشرة، بوقف الدعم المقدم للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية ومراجعة العلاقة معها لتثبيت اسس جديدة، سرعة لم يتمثلها الاتحاد عادة، لا كآلية ولا كموقف، من الجرائم الصهيونية عبر التاريخ، في مخالفة لطريقة الاتحاد في تحديد موقفه، والتي تتسم بالتردد والبطء والتروي عموماً.
أما ما كان لافتاً أكثر فهو التناغم الألماني الموحد بين الموقف الرسمي وموقف المنظمات الألمانية (الداعمة) للمنظمات غير الحكومية. ففي بيان المؤسسات الألمانية في 9 أكتوبر اعلنت مراجعة كافة سياسة الدعم بما يخدم الأغراض الأمنية، اي مصالح الكيان. وكانت مواقف مؤسسات ألمانية وأوروبية عديدة كهنريش بول وروزا لوكسمبورغ وديلينكي وسيدا بارزة في انحيازها دون رتوش للإبادة الجماعية، والدفاع المستميت عن الاستعمار ومستوطنيه،ـ فيما ذهب حزب ديلينكي (اليساري) حد إدانة المدنيين الفلسطينيين لأنهم يدعمون حماس، فيما سيدا السويدية قررت التدقيق فيمن أدان حماس ومَنْ لم يدن، اما روزا لوكسمبورغ فلم تخرج من عباءة الموقف (اليساري) لبعض اليسار الأوروبي المعروف تاريخياً بصهيونيته، ومدافعته عن المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين. من المؤسف فعلاً أن هذه المؤسسة تحمل اسم القائدة العمالية الشيوعية روزا لوكسمبورغ، فتلوّث اسمها، وكذا الموقف الشيوعي التاريخي كما عبر عنه التراث الكلاسيكي برفض فكرة (وطن قومي لليهود من اساسها). الألمان، أؤلئك الذين مارسو الهولوكوست والإبادة الجماعية بحق اليهود في اربعينيات القرن الماضي، يعلنون اليوم دعمهم للهولوكست والإبادة التي يمارسها الصهاينة ضد شعبنا. يعبرون عن عقدة ذنبهم تجاه اليهود، بتأييد سفك دم شعبنا.
لم تعد المسألة أمام المنظمات غير الحكومية الفلسطينية اليوم التوقيع أو عدم التوقيع على البند الاستفزازي (نبذ الإرهاب)، بل وجود المؤسسات الأوروبية الرسمية وغير الرسمية من الأساس، فالدم المسفوح بغزارة، والدعم غير المحدود للابادة الجماعية من الاستعمار الصهيوني الاستيطاني، وشيطنة الفلسطيني ومقاومته، أمور لم يعد من الممكن ان يقبل الموقف منها، في العلاقة مع الأوروبيين، القسمة على إثنين. إن الصيغة التي نعتقدها وجيهة تماماً هي: إما إدانة الاستعمار الصهيوني الاستيطاني وممارسته للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وإعلان الدعم والتأييد لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكافة اشكالها، وإما الرحيل من فلسطين. لا أقل من ذلك.

دلالات

شارك برأيك

الاتحاد الأوروبي في قفص الاتهام من رفض التمويل المشروط لرفض الوجود أصلاً

المزيد في أقلام وأراء

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

‏ آثار ما بعد صدمة فقدان المكان الاّمن – هدم بيتك أو مصادرته

غسان عبد الله

حوار عربي أوروبي في عمّان

جواد العناني

حرب نفسية عنوانها : تهديد اسرائيلي وضغط أميركي

حديث القدس

الأمم المتحدة والإعتراف بفلسطين دولة

ناجي شراب

خطاب ديني يواري سوأة المغتصِب

سماح خليفة

نتياهو قرر إفشال الهدنة وصفقة التبادل

بهاء رحال

تعرية التحالف الاستعماري

حمادة فراعنة

عزلتهم تزداد وهزيمتهم مؤكدة

وسام رفيدي

عاش الاول من أيار ..عيد العمال الأحرار

حديث القدس

"سان ريمو" إرث استعماري يتجدد ضد فلسطين والقدس

عبد الله توفيق كنعان

لماذا تقلق النخب من الحراك الطلابي المعادي لسياسات إسرائيل والمؤيد لغزة بالجامعات الأمريكية والغربية ؟!

محمد النوباني

أزرار التحكم... والسيطرة!

حسين شبكشي

ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية

عيسى الشعيبي

الانتماء لفترة الصهيونية

حمادة فراعنة

الجنائية الدولية وقرار اعتقال نتنياهو ... حكمة أم نكتة

سماح خليفة

أسعار العملات

الجمعة 03 مايو 2024 9:49 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.7

دينار / شيكل

بيع 5.25

شراء 5.2

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 204)

القدس حالة الطقس