أقلام وأراء
الأربعاء 23 أغسطس 2023 9:47 صباحًا - بتوقيت القدس
د. موسى أبو مرزوق وزيارة غزة: خطوة ذكية لتحريك المياه الراكدة
بعد فترة غياب طويلة استمرت لأكثر من ثماني سنوات، عاد د. موسى أبو مرزوق (أبو عمر) إلى قطاع غزة لزيارة أهله وإخوانه، حيث كانت له عشرات اللقاءات مع كلِّ مستويات الحركة التنظيمية ونخبها الفكرية والسياسية والإعلامية، إضافة إلى جلسات مع شخصيات وطنية ووجوه من عامة الناس وحاضنة حماس الشعبية.
لقد اتيحت لي الفرصة أن أكون حاضراً لعددٍ من ضيافات وخصوصيات هذه اللقاءات، وأن أسمع ما يتحدث به الرجل الحكيم، والذي ترافقنا لأكثر من نصف قرن منذ أن كانت بيعتنا الأولى للشيخ الشهيد أحمد ياسين (رحمه الله) ونحن شباب في العام الذي أعقب هزيمة ألأمه 1967، تلك الهزيمة (الهول والصدمة) التي غيَّرت اتجاهات حياتنا الفكرية ونحن في ريعان الشباب.. كنَّا بلا انتماء سياسي، وإن كان الكثير منَّا مرتبط عاطفياً بشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر (رحمه الله)، ومشدود إلى شعاراته التي كانت تنادي بتوحيد الأمة العربية وتحرير فلسطين، وهو مطلب قومي لشعوب أمتنا العربية ونخبها السياسية والحزبية وطلائعها الثقافية. كنا في تلك الفترة التي سبقت الهزيمة، قد ارتبطت قلوبنا وآمالنا بذلك القائد والزعيم، إلا أن ما حدث في الخامس من حزيران عام 67 من نكسة مُذلة، أطاحت بكلِّ أحلامنا وطموحاتنا، وخسرت "الناصرية" التي تعلقنا بها كلَّ الرهانات، وحدث -آنذاك- تحول كبير داخل وجدانيات ذلك الجيل من الشباب باتجاه فضاء جديد أكثر رحابة حمل عنوان "الانتماء الإسلامي". كان موسى أبو مرزوق وفتحي الشقاقي وأنا ومئات من الشباب في قطاع غزة أول من بايعوا الشيخ أحمد ياسين (رحمه الله) على الموت والشهادة في سبيل الله عام 1968، وتعاهدوا أن يُعيدوا للدين مجده، ويسترجعوا بطولات القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي بتحرير أرض فلسطين والمسجد الأقصى، وما اغتصب من بلاد العرب والمسلمين.
كان موسى أبو مرزوق من جيل المؤسسين الأوائل من الشباب لهذه الحركة الإسلامية على أرض فلسطين، وكان له كذلك بصمة وأثر على إثراء تجارب إسلامية أخرى في مصر والخليج وأمريكا، حيث تقلد مناصب قيادية عالية منها المسؤول التنظيمي الأول عن الحركة في مصر ثم في الإمارات، وبعد سفره للدراسة في الولايات المتحدة عام 1981، سرعان ما تصدر قيادة الحركة الإسلامية فيها، والتي كانت تجمع تحت لوائها خيار أبناء هذه الأمة العربية القادمين للعمل أو الدراسة في الجامعات الأمريكية، وكانت فترة قيادته لتلك الآلاف من الإسلاميين هي أفضل سنوات ازدهار العمل الإسلامي في أمريكا، حيث توسعت ظاهرة انتشار المؤسسات الدعوية والجمعيات الخيرية وبناء المراكز الإسلامية.
في تلك الفترة من الثمانينيات والتسعينيات كانت الصحوة الإسلامية قد بلغت أوجَّ انتشارها بالحواضر الغربية، وقد شهد العمل لفلسطين من دعم الانتفاضة ومباركة الفعل المقاوم الكثير من التأييد والنصرة والدعم المادي والمعنوي بشكل لم يسبق له مثيل من قبل جالياتنا المسلمة، حتى عندما فرضت حركة حماس حضورها في أدبيات ذلك الجيل من الفلسطينيين المقيميين في أمريكا.. خرج د. أبو مرزوق ومن معه من إخوانه بذلك الشعار الذي يتوافق مع مرحلة النضال الدائر -حينذاك- على أرض فلسطين، وهو: "إنَّ حماس هي حركة تحرر وطني براية إسلامية"، كرد على من حاولوا اتهام الإسلامين بأنهم يفتقدون لرؤية وطنية، وهناك من سبق بطرح مقولة "فلسطين هي القضية المركزية للأمة وحركاتها الإسلامية"، أمثال د. فتحي الشقاقي (رحمه الله) والصديق د. سامي العريان عام 1979. كانت بصمة د. أبو مرزوق حاضرةً في تأسيس كتائب عز الدين القسَّام مطلع التسعينيات، وتقديم الدعم المالي لها كركيزة أساس لحق شعبنا في مقاومة المحتل الغاصب. ولذلك، دفع ثمناً باهظاً عندما جرى اعتقاله في أمريكا كرئيس للمكتب السياسي لحركة حماس عام 1995، وتمَّ ايداعه السجن الانفرادي في نيويورك لمدة عامين، ولولا لطف الله به، وهيبة الحركة -آنذاك- وقدرتها الكبيرة على الرد والانتقام، وتراجع نتانياهو وتخليه عن المطالبة بتسليمه إلى إسرائيل، للبث في السجن عشرات السنين.
هذه صفحات من سيرة د. موسى أبو مرزوق الذي عرفناه، ولعلَّه من أفضل من أنجبت الحركة الإسلامية في فلسطين إلى جانب د. فتحي الشقاقي والإخوة د. إبراهيم المقادمة والمهندس إسماعيل أبو شنب والقائد صلاح شحادة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور سامي العريان وآخرين.
عندما حطَّ د. موسى أبو مرزوق رحاله في قطاع غزة بعد معركة (حجارة السجيل) عام 2012 مع عددٍ من إخوانه في قيادة الخارج، يبدو أنه قد طاب له المقام في الوطن، فعقد العزم على العودة والرباط بين إخوانه بعد معركة (العصف المأكول) عام 2014.
في يناير 2015، افتتح د. أبو مرزوق مكتبه الحركي في مدينة غزة، وشرع في البحث عن سكن للإقامة الدائمة، عاقداً العزم على الرباط وسط أهله وإخوانه، معتمداً سياسة "الباب المفتوح" مع الجميع، وكانت لقاءاته مع الكلِّ الفلسطيني لافتةً للأنظار، إلا أنه اضطر بعد عدة شهور لمغادرة القطاع عائداً إلى قطر بسبب بعض الترتيبات الجديدة التي طرأت داخل الحركة، واستدعت رجوعه إلى الدوحة، حيث مقر قيادة الحركة. كانت مغادرته في تلك المرحلة خسارة كبيرة لإخوانه الذين استأنسوا برباطه معهم في قطاع غزة؛ باعتبار مكانته كمرجعية فكرية وسياسية استراتيجية وأبوية وإنسانية وتاريخية فريدة.
إن الكثير من إخوانه الذين عايشوه في أمريكا أو تعاملوا معه خلال قيادته للحركة في مصر والإمارات كانوا في انتظاره خلال زيارته الأخيرة للقطاع، وكان يحدوهم الأمل أن يمكث معهم ما يكفي من الوقت ليسمعوا منه ويسمع لهم، إذ إنَّ هناك في المشهد الفلسطيني السياسي والفصائلي والاجتماعي الكثير مما يتوجب سماعه، وهم في قطاع غزة بانتظار إيصاله له من باب "اللهم قد بلَّغت"، فالحالة في القطاع -وبغض النظر عن الدواعي والأسباب- قد بلغ فيها الحزام الطُبيين، حيث نسبة الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل عالية جداً، وربما قاربت أعدادهم الـ300 ألف بلا وظائف أو فرص عمل، والهموم المعيشية فاقمت فيها المسغبة مستويات غير مسبوقة من الفقر والحرمان، والاعتماد على وكالة (الأونروا) لغوث وتشغيل اللاجئين بنسبة تجاوزت الـ70%.
خلال اللقاءات التي جرت مع د. أبو مرزوق، كان من بين من جالسوه عمال وتُجار ورجال أعمال، قاموا ببث شكواهم من آليات الجباية المجحفة، والتي طالت كلَّ شيء!!
كان د. أبو مرزوق يستمع للجميع، ويحاول التخفيف من قسوة الاتهامات التي يُطلقها البعض بألسنة حادة على ما يسمونه بـ"سلطة الأمر الواقع"، فيأتي لهم بشواهدٍ مشابهة من تاريخنا الإسلامي وفقه الواقع الذي عليه حال الأمة في دولٍ كثيرة، مثل: مصر وسوريا ولبنان واليمن والصومال والعراق والسودان، بهدف تلطيف الأجواء والتخفيف من قسوة اللهجة فيما يطلقه البعض من أحكام.
وفي سياق ما ينادي به الناس من ضرورة كإجراء الانتخابات البلدية، تحدث د. أبو مرزوق قائلاً بأن التوجهات داخل الحركة هي في دعم هذا الخيار كمقدمة لانتخابات سياسية أخرى، وأنَّ المزاج العام للحركة يميل باتجاه الشراكة والانفتاح على الآخر، وقد تدعم حركة حماس ترشيح شخصيات وكفاءات وطنية يكون لها دور في أداء مهامها الرسالية، والمساهمة في إخراج الناس من الحالة المعيشية الصعبة، بسبب الحصار الظالم المفروض على حركة حماس وحكومتها القائمة في قطاع غزة.
في الحقيقة، كانت هناك أكثر من قضية أو رؤية حلٍّ طرحها د. أبو مرزوق لاقت ارتياح الحضور، كما كان هناك جلسات نقاش حول سياسة حركة حماس الخارجية وعلاقاتها الإقليمية والدولية، أوضح فيها د. أبو مرزوق معطيات الموقف وإكراهات الحال، وأين أنجزنا وأين نحاول بأمل أن تتغير الأحوال.
لا شكَّ أن هذه الزيارة على قصر مدنها التي استمرت أسبوعين، حرَّكت الكثير من المياه الراكدة، وفتحت المجال لحديث صريح مع القيادة، ولكنها ليست بالتأكيد كافية، ويتطلع الكثير من كوادر الحركة وخاصة من الإخوة المخضرمين لمثل هذه الزيارات أن تتكرر، حيث إنَّ قطاع غزة ما زال محاصراً، وأنَّ الكثير من قيادته لا تستطيع الخروج والسفر، بسبب بعض القيود والتعقيدات الخاصة بالمعبر، مما يجعل قطاع غزة أشبه بسجن كبير يفتقد فيه الكثير من الناس أنفاس الحرية والأمل.
وبدون تثريب أو جدل، فإنَّ قطاع غزة بأشد الحاجة إلى شخيصات مثل د. موسى أبو مرزوق لما يمثله من حكمة الشيوخ، وخبرة أهل الحل والعقد، والوعي السياسي بالكثير من التجارب وفقه الواقع، والدراية بوجع الناس وآلامهم كابن مخيم ومؤسس لهذه الحركة منذ مطلع شبابه، وكإنسان فيه من مشاعر الأبوِّة ما لاحظناه عليه في بلاد الغربة والوطن.
إنَّ د. أبو مرزوق هو أحد رواد مدرسة استيعاب الآخر الفلسطيني والشراكة معه، وأول من حاور الرئيس ياسر عرفات (رحمه الله) لدخول حركة حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وليس له هناك خلاف مع حركة فتح إلا في سياقات اختلفت فيها فتح حتى مع الكثير من الكلِّ الفلسطيني.
د. أبو مرزوق اليوم هو أيقونة نضالية فيما يطرحه من أفكار، وما يقدمه من مقاربات لإصلاح البيت الفلسطيني وجمع شمل ساكنيه.
دلالات
ابو اسامة عوض قبل أكثر من سنة
الدكتور موسى ابو مرزوق قيادي قليل من امثاله عنده فكر يستوعب الجميع وله قدرة علي محاورة الجميع بفكر متفتح وحريص علي مصلحة ابناء شعبه والعمل لاصلاح وبناء جيل واعي لتحرير الارض من دنس
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
د. موسى أبو مرزوق وزيارة غزة: خطوة ذكية لتحريك المياه الراكدة