في يوم امتزجت فيه دموع الفرح، مع تَحرر المزيد من أسرى فلسطين الشرفاء، جاءت الأخبار من قطاع غزة، لتزفَ شهداء المقاومة ورموز قادتها العسكريين الذين أُعلن عنهم مساء أمس عبر الناطق العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام، بالتزامن مع تشييع جثامين شهداء طمون العشرة، وفي ظل استمرار العدوان الآثم على جنين وطولكرم لترتسم معالم الوطن بكبرياء على خارطة عنوانها الوفاء لتضحيات شعبنا العظيم الذي ما زال صابرا مرابطا محتسبا عند الله وبكل آيات الشموخ والفخر والاعتزاز، شهداء الحرية والجهاد العظيم، القادة الأبطال من أعضاء المجلس العسكري العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وفي مقدمتهم الشهيد محمد الضيف ورفاقه الأشاوس. ومعانقا في لوحة أخرى الأسرى الذين قهروا عتمة السجن وانتصروا على قهر وظلم السجان، ولسان حالهم يرددون مقطوعة شاعر الوطن الراحل درويش التي أطلق لها العنان الموسيقار الملتزم مارسيل خليفة (يا دامي العينين والكفين ان الليل زائل .. لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل)، إلى نهاية القصيدة التي نؤكد على حتميتها بالمطلق ( فحبوب سنبلة تجف ..ستملأ الوادي سنابل)، وهذا هو سر نبتة شعبنا التي تصر على التكاثر والبقاء في مرمى الوفاء لأنبل القضايا المتعلقة بالأسرى.
وإذا كان صوت الحرية أعلى من كل الأصوات، مهما تعصف به ليالي الظلم وتغطي كل المسافات، فإن الشهداء قرعوا أبواب المجد بطبول النصر، ليذهبوا إلى النوم، مطمئنين على حراسة أحلامهم وهم يداعبون الوطن، ليصبحوا نشيد من لا نشيد له.
في يوم تحرير الأسرى ووداع الشهداء تختلط المشاعر، لكنها كانت وما زالت تعبر عن حقيقة شعبنا المتمسك بحقوقه، والمؤمن بعدالة قضيته، والماضي في سبيل العودة والحرية. ومن هنا يبرز سر هذا الشموخ والعظمة والتفاني، ففي كل موقع كان هناك قصة، يَهدِمون فنبني، يَعتَقِلون ويحاكمون فَنَتَحرر، يَقْتُلون فَنُولَد، وهكذا يتجدد المشهد بكل عزم وإصرار.
من الطبيعي أن تنزعج إسرائيل من المشاهد الفلسطينية في كل المواقع، فالركام والدمار في جباليا لم يمنع المقاومة من الإفراج عن المجندة الإسرائيلية أجام بيرجر، وإيصال رسالة للعالم بضرورة التحرك لإنهاء الحالة الكارثية التي وصل إليها الوضع في شمال القطاع، والإفراج عن المسن جادي موزيس والمدنية اربيل يهود والتايلانديين الخمسة من قلب خان يونس، حيث منزل الشهيد يحيى السنوار، له رمزية وفاء لإنجازات القائد وضرورة بقاء المقاومة على نهجه، في رسالة واضحة للاحتلال بان إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته لا يمكن ان تموت.
قدمت المقاومة وشعب غزة يوم أمس نموذجا في الحرص على كرامة وسلامة الأسرى الإسرائيليين والأجانب انطلاقا من القانون الدولي الذي يضمن كرامتهم وعدم المساس بهم، وبناء على تعليمات الدين الإسلامي الحنيف، وفي نهاية المطاف وصلوا إلى إسرائيل. رغم التأخير البسيط الذي تسببت به الجموع الحاشدة في خان يونس، إلا ان نتنياهو ووزراءه المتطرفين أصرّوا مرة أخرى على المماطلة في تنفيذ عملية الإفراج عن الاسرى الفلسطينيين، إضافة لحملات التحريض المغرضة من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية وبعض الوزراء عليهم، ناهيك عن ممارسات التنكيل التي تقوم بها إدارة السجون بحقهم وإجراءاتها الظالمة التي تحرمهم من كافة حقوقهم، حتى في لحظات التحر حيث يمنع الجيش والشرطة عائلاتهم من التعبير عن مشاعرهم وغبطتهم بعودتهم إلى أحضان ذويهم.
رغم كل شيء قدم شعبنا أمس يوما خالدا من الذكريات، سيبقى مدونا في حكاية تستحق أن تكون حكاية وطن
شارك برأيك
حكاية وطن