أقلام وأراء
السّبت 01 فبراير 2025 9:42 صباحًا - بتوقيت القدس
وعــــد آرثر بلفور وأوامر دونالـد ترامــب
ما بين العامين 1917 و2025، مضى من الوقت ما يزيد على قرن من الزمن، وكأن التاريخ يعيد ذاته، مقولة تدور في فلك قوله تعالى في الآية 140 من سورة آل عمران:" إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
ورغم أن المواثيق والعهود والقرارات الدولية، سواء ما صدر عن مجلس الأمن الدولي، أو ما صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فجميعها أكدت على حق تقرير المصير لشعوب العالم.
ولما كان الشعب العربي الفلسطيني أحد شعوب العالم، الذي لا يزال ينتظر بفارغ الصبر تطبيق عشرات القرارات الدولية الخاصة بتقرير مصيره، سبق للمدعو آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا في حينه، بأن قطع على نفسه وعداً بإقامة وطن لليهود في فلسطين في شهر تشرين الأول من سنة 1917، ليكون وعده صدر عن شخص لا يملكك لمن لا يستحق.
واستمرت حلقات المؤامرات الدولية على القضية الفلسطينية بصيغ متعددة، تحت جنح الظلام الداكن على مرّ السنوات الماضية، ليخرج علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية بين الأعوام 2017-2021، بفكرة تخرج عن سياق القانون الدولي، إذ بتاريخ 6-12-2017 أصدر وعداً بصيغة اعتراف مكتوب بأن إسرائيل لها الحق في تقرير عاصمتها، مضاف لذلك الإعلان عن نقل السفارة الأمريكية من تل- أبيب إلى القدس.
ومن ثم تستمر الأيام بالتداول وتمر بضع سنين، ورغم انتهاء ولاية ترامب في بداية عام 2021، يعود المذكور إلى رئاسة الولايات المتحدة في بداية العام 2025، وكرسيه مثقل بدماء الفلسطينيين على مدار سنة وثلاثة أشهر قبل تنصيبه رئيساً للمرة الثانية، نتيجة دعم مطلق من إدارة بايدن بالعتاد والأسلحة إلى دولة الاحتلال على مدار المدة المذكورة.
صحيح أن ترامب أوعز لمبعوثه قبل سويعات من يوم تنصيبه، بإلزام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بإيقاف الحرب على أهل قطاع غزة، لتكون شاشات التلفزة العالمية منصبة فقط على حفل تنصيبه، لكن الزمن مضى ويمضي بعقد هدنة لا ندري مآلها، في ظل محاولة مختلف الفصائل الفلسطينية تصوير مشهد النصر من صفقة التبادل بين الأسرى الفلسطينيين والأسرى والرهائن الإسرائيليين، وهو أمر لم يرق للجانب الإسرائيلي، وفي ظل كسر إرادة الأخير بمشهد يوم عظيم من أيام الله يوم 27-1-2025، وجميع العالم شاهد عودة النازحين الفلسطينيين من جنوب القطاع إلى شماله.
هذا الحشد بعودة الأهالي من جنوب القطاع إلى شماله، الذي لم نشهد له مثيلاً منذ العام 1948م، بحيث تعود وأَلِفَ واعتاد العالم على رؤية الفلسطيني في حالة لجوء ونزوح وخروج من دياره بسبب الحروب المتتالية عليه، ولم يشهد العالم البتة حركة العودة بهذا الشكل والتعداد.
وحق العودة بالصورة المذكورة من جنوب القطاع إلى شماله، أكد لأول مرة منذ تاريخ الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي، واقعاً تاريخياً وقانونياً جديداً لم يكن ليطبق منذ 8 عقود، وكانت تلك الصورة من صور الله في وعده لعباده المؤمنين الصابرين، في يوم مبارك متصل بذكرى الإسراء والعراج، وبالدليل القاطع والبرهان الجازم، بأن الفلسطيني لن يتزحزح عن أرضه التي باركها الله ببركة لا نظير لها.
إذن هذه المعادلة الجديدة التي فرضها أهل غزة، جعلت من ترامب وطاقمه مع دولة الاحتلال تحت اختبار حقيقي، إما بمعاداة سامية الشرعية الدولية المتصلة بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومدى انفاذ ميثاق الأمم المتحدة على دولة الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية، وإما بتطبيق صحيح أحكام القانون الدولي، وإصدار إعلان من ترامب لتصحيح خطئه الاستراتيجي الذي ارتكبه نهاية عام 2017، بما سماه "حق إسرائيل في تقرير عاصمتها" واعتبار كامل القدس عاصمة لها، بإصدار إعلان موازٍ لإعلان عام 2017 مضمونه حق الشعب الفلسطيني في أن تكون القدس عاصمته، كأساس قانوني لإنفاذ القانون الدولي على ذلك الصراع وتطبيقا لقرارات الشرعية الدولية.
أعتقد جازماً أن ترامب لن يصدر إعلانه، ولن يكترث للواقع الفلسطيني، بل زاد من غطرسة الاحتلال بتزويده بقنابل أكثر فتكاً في أول أيام تنصيبه رئيساً للمرة الثانية، وخرج عن أدب وسياق التعامل الدبلوماسي بين الدول، وبين من يعتبرهم أصدقاء، ليحاول إرضاء عنجهية الاحتلال الذي رفض الأخير مشهد العودة، بل اعتبره جميع ساسة دولة الاحتلال نذير شؤم عليهم، لأن هذا الرجوع يشكل نواة حق العودة إلى قرى ومدن فلسطين التاريخية، المدعوم بقرارات أممية.
كما وأزعجت عودة أهل غزة من جنوب القطاع إلى شماله ترامب، فأصدر أمراً لدولتين عربيتين مجاورتين لاستقبال أهل غزة، وطلب من دول أخرى استقبال عدد منهم، فعلى سبيل المثال طلب من ألبانيا استقبال 100 ألف غزيّ وطلب من دول أخرى لا أهمية لمطلبه ولا أهمية لذكر أسماء تلك الدول استقبال أعداد من أهل غزة، ليمحو صورة العودة وليستأصل جذورها إلى الأبد تحت مسمى إعادة إعمار القطاع.
إن هذا الواقع المؤلم، الصادر عن رئيس أقوى دولة في العالم، ينم عن الاستخفاف بحقوق الآخرين، بل ينم عن حقد وتعال يخرج عن مقومات الإنسانية، لذا نجد أن ترامب بسياسته الجاهلة لطبيعة حقوق الشعب الفلسطيني، ولتأييده الأعمى المطلق لسياسة دولة الاحتلال لتتمادى أكثر بالباطل في مخالفة القوانين الدولية، بمنهجية نابعة عن سبق إصرار، وهذا الأمر حتما سيزيد من تماسك شعوب المنطقة في مواجهة مخططات ترامب ودولة الاحتلال، وسيؤدي إلى التحام وتماسك شعوبها بقياداتها، لا سيما في ظل ما أعلن عنه الرئيس المصري بمؤتمر صحفي قبل يومين بأن الأمن القومي لمصر، لن يسمح بقبول الفكرة والتفكير فيها، وهذا ما شدد عليه الملك عبد الله الثاني، وقول ترامب أن مساعدة الولايات المتحدة للدولتين، سيجعلهما تحت وطأة الرضا بأمره، فهو خروج عن اللياقة الدبلوماسية وخروج عن الأدب المقترن بأخلاق التعامل بين الرؤساء، فالمساعدات الأمريكية للدولتين، ليس بمنة ولا إحسان ولا نابعة عن طيب أخلاق وبرّ أو صدقة.
وإنما الاتفاقيات الدولية المنعقدة بين الدولتين المذكورتين وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي، امتزجت بتعهد أمريكي لتقديم مساعدات مادية وعسكرية، لضمان استمرار المعاهدات بين أطرافها.
لذلك، فإن ربط وعد بلفور بأوامر ترامب التي صدرت قبل سويعات، بإلزام كل من مصر والأردن باستقبال أهالي غزة أو عدد كبير منهم، فإنهما يشكلان وعداً وأمراً ممن لا يملك الحق في إصدارهما، على شعب لا يملك ترامب أو غيره حق التأثير على مصيره، لأنه بالعامية يقال: إن الشعب الفلسطيني لا يمون عليه أحد، إلا حريته وانعتاقه من الاحتلال.
وعليه، فإن الوعد المشؤوم والأمر المقزوم، صحيح أن حدهما كالسيف التالف، إلا أنهما كذبة لن تدوم، وأمر ترامب أصبح عنواناً للمرحلة المقبلة – لا قدر الله- بمزيد من سفك الدماء بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وستدخلنا في دوامة عنف وكرب ومذابح وحقد لا نهاية لها، رغم أن مقومات الحل بسيطة. إن العيش الكريم بين الشعبين تحت مظلة الدولة العثمانية، على مدار 400 عام سابقة من حكم العثمانيين لفلسطين، وباقي الأقطار العربية، كانت كفيلة بالتذكير بأن العيش كان قائماً بيننا، وما زال شريطة عدم إنكار حقوق بعضنا البعض، فهل من مجيب؟
.............
أزعجت عودة أهل غزة من جنوب القطاع إلى شماله ترامب، فأصدر أمراً لدولتين عربيتين مجاورتين لاستقبال أهل غزة، وطلب من دول أخرى استقبال عدد منهم، فعلى سبيل المثال طلب من ألبانيا استقبال 100 ألف غزيّ.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
اللاجئون الفلسطينيون إلى أين ؟
حديث القدس
معادلة: حذاري.. الذئب مجروح يلعق دمه
حمدي فراج
جولة ويتكوف.. بين حسابات واشنطن وتل أبيب والحق الفلسطيني
مروان إميل طوباسي
الذكاء الاصطناعي مقابل البشر: من يتفوق؟ وكيف يمكن تحقيق دخل إضافي عبر تقنياته؟
صدقي أبوضهير
المارد القادم من الشرق: ثورة "الديبسيك"
بقلم: عبد الرحمن الخطيب، مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ترامبُ والتَّهجيرُ القَسريُّ: مُخطَّطُ الهَيْمَنةِ الجَديدُ
بقلم: ثروت زيد الكيلاني
حكاية وطن
حديث القدس
أمريكا دونالد ترمب.. نـزعـة انـعـزالـيـة وطـمـوحـات إمـبـريـالـيـة!
ماهر الشريف
قانون السماح للمستوطنين بتسجيل أراضٍ في الضفة تحايل على القانون الدولي
مدحت ديبه
من جديد.. المنطقة على موعد مع سياسة دونالد ترمب الهدامة
تيسير خالد
ترمب وسياسة الهوية الجندرية.. تحديات الاستقطاب الداخلي وتأثيرات العلاقات الدولية
فادي أبو بكر
التهدئة في لبنان.. الغموض سيد الموقف
راسم عبيدات
متلازمة ستوكهولم.. قراءة في واقع الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين
أمين الحاج
غزة أسقطت مخطط التهجير يا سيد ترامب
بهاء رحال
في العيد 63 لميلاد جلالة الملك عبد الله الثاني دعم ومساندة الشعب الفلسطيني مستمر
كريستين حنا نصر
حرب إسرائيل على المخيمات الفلسطينية.. إلى أين؟
حديث القدس
النازحين يبدأون العودة إلى شمال قطاع غزة
سري القدوة
التهدئة في لبنان.. الغموض سيد الموقف
راسم عبيدات
عائد إلى الشمال.. حين يكون الركامُ وطناً
أمين الحاج
إخوته هم قاتلوه!
بكر أبو بكر
الأكثر تعليقاً
مجزرة طمون.. إبادة تُحاكي غزة وتمهد لضم الضفة
ترامب يصر أن مصر والأردن ستستقبلان المهجرين الفلسطينيين من غزة
الزبيدي: حريتي منقوصة والهجمة على الشعب كبيرة
أبو عبيدة يعلن رسمياً استشهاد محمد الضيف ومروان عيسى
بعد دعوة ترامب لتهجير فلسطينيي غزة.. قطر: حل الدولتين الطريق الوحيد
الأمم المتحدة: أكثر من 423 ألف مهجّر فلسطيني عادوا إلى شمال غزة
الاحتلال يفرج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار
الأكثر قراءة
البيت الأبيض يوقف كل مساعداته لغزة لهذا السبب!
ترامب يصر أن مصر والأردن ستستقبلان المهجرين الفلسطينيين من غزة
تعهدات أميركية لإسرائيل بتعطيل إعادة الإعمار وإدخال "الكرفانات" شمالي غزة
الزبيدي: حريتي منقوصة والهجمة على الشعب كبيرة
زكريا الزبيدي... «التنين» الذي عذّب إسرائيل يُفرج عنه في إطار الهدنة
أنتوني بلينكن يوقع عقدا لكتاب عن سنواته كوزير خارجية جو بايدن
إعلان أسماء الأسرى المحررين من سجون الاحتلال ضمن الدفعة الثالثة من التبادل
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 538)
شارك برأيك
وعــــد آرثر بلفور وأوامر دونالـد ترامــب