Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 31 يناير 2025 9:15 صباحًا - بتوقيت القدس

من جديد.. المنطقة على موعد مع سياسة دونالد ترمب الهدامة

يبدو أن برنامج الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المنتخب لولاية ثانية في الولايات المتحدة الأميركية لاستعادة عظمة أميركا مزدحم أكثر مما يجب بمفاجآت هي أقرب إلى البلطجة منها إلى السياسة. بلطجة ترمب هذه مستوحاة من هذيان أيدولوجي باستعادة عظمة أميركا، خاصة بعد أن أنقذ الرب حياته، في رسالة ربانية لاستعادة تلك العظمة. ترمب يحمل إذن رسالة، سبقه إليها على كل حال الرئيس جورج بوش الابن، الذي اختاره الرب كذلك لقيادة الأمة الأميركية في غزوه للعراق. كندا يمكن أن تصبح الولاية الواحدة والخمسين في الولايات المتحدة، وترمب متأكد أن معظم سكان كندا يفضلون ذلك، وجزيرة جرينلاند، الغنية جداً بموارد الطاقة وبموقعها الاستراتيجي، رسى مستقبلها في مزاده للسطو على مساحتها الشاسعة بدفع الثمن لحكومة النرويج، فما حاجة الدنمارك لجزيرة هي أقرب إلى القارة الأميركية منها إلى القارة الأوروبية، أما قناة بنما، التي تربط المحيط الأطلسي بالهادي، ولقي عشرات آلاف العمال من أبناء دولة باربادوس حتفهم بالملاريا والحمى الصفراء في بنائها، وتحولت إلى أحد أهم ممرات التجارة العالمية تحت السيطرة الصينية، حسب زعمه، فينبغي أن تعود من جديد لسيطرة الولايات المتحدة الأميركية . 


إلى هذا كله نقل موقع أكسيوس الإخباري مؤخراً عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مفاجأة جديدة. فقد تحدث مع العاهل الأردني عبد الله الثاني، وزعم أنه تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن نقل الفلسطينيين من غزة إلى كل من الأردن ومصر، وذلك بعد يومين من دعوته إلى "تطهير" القطاع . ونسب الموقع إلى ترمب زعمه إنه يريد لفلسطينيي غزة أن يعيشوا في مكان خال من العنف، وإن القطاع كان بمنزلة الجحيم على مدى سنوات عديدة، وأنه يرجح قبول الرئيس المصري وملك الأردن استقبال الفلسطينيين من غزة، نصف مليون في الأردن ومليون في شبه جزيرة سيناء المصرية. دوافع ترمب هنا.


"إنسانية خالصة"، فقطاع غزة منطقة مدمرة، لا تصلح للحياة، مع تجاهل من قام بتدميرها طبعاً، وسكانه عاشوا الجحيم في الحرب الأخيرة، التي شنتها دولة الاحتلال على القطاع، وقد حان الوقت ليعيش هؤلاء حياة أفضل خارج وطنهم. وعلى كل حال فإن دعوة ترمب هذه لم تأت من فراغ، بل هي حسب متابعين جزء من خطة واسعة، رجحت أوساط في إسرائيل أنها جاءت بالتوافق مع بنيامين نتناهو، ولإرضاء لوبيات صهيونية دعمت حملته الانتخابية، وأوساط يمينية في إسرائيل أصيبت بخيبة أمل بعد عدة تصريحات ومواقف سابقة أبرزها مشاركته، مقالاً لأكاديمي أمريكي بارز، اتهم نتنياهو بمحاولة جر أمريكا لحرب ضد إيران، كما فعل عندما جرّها لحرب على العراق .


مشروع ترمب لتطهير قطاع غزة ومساعدة سكانه لبناء مستقبل أفضل لأجيالهم خارج وطنهم، يراها كثيرون فكرة اعتباطية وغير أخلاقية، وتدلّل على مزاج وعقلية ترمب، الذي دعا في ولايته الأولى لشرب الكلوروكين للتداوي من داء الكورونا، علما أن الكلوروكين دواء يستخدم للوقاية من الملاريا ومن أكثر الأعراض الجانبية التي قد تظهر على المريض أثناء فتره العلاج فقد الذاكرة. رغم ذلك فإن الفكرة بالنسبة للرئيس ترمب نفسه لا تبدو اعتباطية أو غير أخلاقية، فقد كررها أكثر من مرة، ويبدو أنه يتمسك بها، فهي أقرب إلى فكرته بشأن التداوي بالكلوروكين، يبدو أن فقد الذاكرة بالنسبة للمصابين بداء الكورونا عنده أمر عادي، وهكذا أيضاً  فقد وطن بالنسبة لسكان قطاع غزة، أو لقسم منهم وخاصة أولئك الذين يعيشون في مخيمات القطاع، الذين فقدوا بلداتهم وقراهم ومدنهم وأراضيهم وأملاكهم بعد حرب التطهير العرقي عام 1948، ولكنهم لم يفقدوا ارتباطهم بوطنهم وبوطنيتهم . 


مشروع ترمب هذا، وجد أوساطاً إسرائيلية واسعة ترحب به، وتعتبره أحد روافع النصر المطلق، الذي تبناه نتنياهو في بداية حربه على قطاع غزة كهدف من أهداف الحرب. مسعى نتنياهو عرض منذ بداية تلك الحرب على مصر ورفض المسؤولون المصريون مناقشته من حيث المبدأ، فلجأ إلى إدارة الرئيس جو بايدن ثم إلى دول الاتحاد الأوروبي. وتم  تقديم الفكرة خلال الحرب لدول الاتحاد الأوروبي من خلال عدة دول، حسب صحيفة "فايننشيال تايمز"، من بينها التشيك والنمسا، في مناقشات خاصة خلال قمة زعماء الاتحاد الأوروبي، نهاية أكتوبر من العام 2023. الصحيفة المذكورة أوضحت أن الدول الأوروبية الرئيسية، خاصة  فرنسا وألمانيا، إضافة إلى المملكة المتحدة، رفضت الفكرة ووصفتها بأنها غير واقعية، مشيرة إلى مقاومة المسؤولين المصريين المستمرة لفكرة قبول اللاجئين من غزة، حتى على أساس مؤقت. 


ولكن ما الذي يراهن عليه الرئيس دونالد ترمب في ترجيحه قبول الرئيس المصري والملك الأردني استقبال الفلسطينيين من غزة ؟ هل يراهن على سياسة البلطجة بمنع المساعدات عن البلدين؟ أم يراهن على ما يتسرب من توافق بينه وبين بنيامين نتنياهو بشأن "حق" إسرائيل في العودة لحرب الإبادة، إذا تعثرت جولة المفاوضات الثانية، أو يراهن على اتفاقه مع نتنياهو على تعطيل إعادة إعمار قطاع غزة المدمر، أو حتى توفير بديل للبيوت المدمرة ولو ببيوت متنقلة أو كرافانات أو حتى خيام ؟ كثيرون يتساءلون، خاصة أولئك العارفين يصلة القربى بين شعبوية فاشية يمثلها ترمب وفاشية عارية أقرب إلى النازية يمثلها الائتلاف الحاكم في إسرائيل. بالتأكيد هو لا يراهن على استعداد اللاجئين في قطاع غزة لقبول مشروعه، مع أنني لا استبعد أن يلبسهم الموقف كما فعل مع الكنديين، فهؤلاء اللاجئون عادوا آلافا مؤلفة من جنوب القطاع المدمر إلى شماله الأكثر دماراً، ما أن اتيحت لهم الفرصة لذلك، في رسالة واضحة تعكس مدى تمسكهم بوطنهم وبوطنيتهم. 


في الخارجية الأردنية، كما في البرلمان، أكدت الرسمية الأردنية رفضها المبدئي لفكرة التهجير أو استقبال لاجئين جدد على الأراضي الأردنية، فلدى الأردن فيض من لاجئي البلدان العربية المجاورة، الذين يستنزفون موارده المحدودة بتكاليف زائدة على البنى التحتية المدنية مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم. الصفدي كان واضحاً عندما قال: الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين. وفي الخارجية المصرية، كما في البرلمان المصري، أكدت الرسمية المصرية هي الأخرى رفضها لفكرة التهجير أو استقبال لاجئين جدد على الأراضي المصرية، فلدى مصر كذلك فيض من لاجئي الدول العربية، الذين يستنزفون مواردها كذلك، هذا إلى جانب حساسية مصرية مفرطة من المس بأمن مصر القومي بمشاريع من هذا القبيل. في بداية الحرب الوحشية، التي شنتها دولة الاحتلال على قطاع غزة في الثامن من أكتوبر 2023 اقترح نتنياهو على مصر فتح حدودها أمام سكان القطاع لحمايتهم من الحرب، وتدخلت إدارة الرئيس الأميركي المنصرف تضغط على مصر للقبول بذلك وكان الرد واضحاً. فضلاً عن ذلك كله، هناك رأي عام في البلدين أكثر حساسية من الرسميات من فكرة تكرار التجربة، التي عاشها الفلسطينيون بعد عام النكبة 1948 وعام "النكسة " 1967. تهجير الفلسطينيين من أرض وطنهم من جديد خط أحمر للشعبين العربيين الأصيلين في كل من الأردن ومصر. 


دونالد ترمب يعرف ذلك وهو يقف أمام أحد خيارين: التراجع عن مشروعه غير الإنساني، فأهل غزة لا يبحثون عن رفع المعاناة عنهم في حلول تنطوي على تطهير، مهما كان مظهره ومهما كانت دوافعة، إنسانية مزعومة أو صهيونية فاسدة وغير أخلاقية، أو المضي في معالجة معاناة الفلسطينيين بمزيد من المعاناة. يبدو أن دونالد ترمب صعد هنا على شجرة عالية وإسرائيل الصهيونية الدينية، إسرائيل الكهانية، لن تقدم له سلم نزول عن هذه الشجرة، ولذا فإنه على  الأرجح  سوف يلجأ إلى استخدام أدوات ضغط أقرب إلى البلطجة منها إلى السياسة، التي تحترم حقوق الشعوب في تقرير مصائرها، وحقوق الدول في حماية سيادتها. فالأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات من الولايات المتحدة، وكان قد وقع معها في العام 2022 على اتفاق مساعدات لعشر سنوات، بمبلغ 10 مليارات دولار. باستثناء ذلك، فإن حجم تجارة الأردن مع الولايات المتحدة يبلغ 3 مليارات دولار في السنة. وبعد تجميد ترمب في الأسبوع الماضي كل المساعدات الخارجية التي تعطيها الإدارة لدول العالم، باستثناء مصر وإسرائيل، فمن غير الواضح ما الذي سيكون مصير الاتفاق الذي استهدف إنقاذ الأردن من أزماته الاقتصادية، حيث يبلغ عجز الموازنة العامة نحو 2.2 مليار دولار، وتصل نسبة بطالة 21 في المئة. أما مصر التي يعيش فيها الآن 100 ألف لاجئ فلسطيني من قطاع غزة، فتشعر أن أمنها القومي ما زال مهدداً في سيناء، وهي ليست بحاجة لاستقبال مليون فلسطيني في سيناء، وتتبنى سياسة متشددة  تمنع التمركز الفلسطيني فيها. ومقارنة بالأردن، فان مصر لا تسمح حتى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( أونروا ) بالعمل على أراضيها، باستثناء ممثلية رمزية. مصر هذه تمر بظروف اقتصادية صعبة وهي تحصل أيضاً من الولايات المتحدة على مساعدات أمنية بمبلغ 1.3 مليار دولار في السنة، منذ اتفاق كامب ديفيد، وعلى مساعدات اقتصادية بمبلغ يتغير من عام لآخر، تكمن قيمتها في أنها تعطي لمصر الدعم المطلوب من أجل الحصول على القروض من مؤسسات التمويل الدولية. 


وهكذا يبدو أن المنطقة على موعد مع سياسة دونالد ترمب الهدامة من جديد. سياسة منحازة تماماً لدولة الاحتلال الإسرائيلي، معادية لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، ولا تقيم وزناً لسيادة الدول. في ولايته الأولى حمل للمنطقة صفقة القرن أو صفعة القرن، لا فرق،  ويبدأ ولايته الثانية بصفقة التطهير. هو رئيس شعار حزبه فيل، ولكنه فيل يرقص في حانوت من الخزف. 

دلالات

شارك برأيك

من جديد.. المنطقة على موعد مع سياسة دونالد ترمب الهدامة

عمان - الأردن 🇯🇴

ابو أكرم مهنا قبل 33 دقيقة

مقال ممتاز يتناول عدة مواضيع هامه بترابط وتكامل واسع وسعة الافق وعمق المعرفه وهو مفيد جدا الآن بالذات ويجب نشره على أوسع نطاق

المزيد في أقلام وأراء

حكاية وطن

حديث القدس

أمريكا دونالد ترمب.. نـزعـة انـعـزالـيـة وطـمـوحـات إمـبـريـالـيـة!

ماهر الشريف

قانون السماح للمستوطنين بتسجيل أراضٍ في الضفة تحايل على القانون الدولي

مدحت ديبه

ترمب وسياسة الهوية الجندرية.. تحديات الاستقطاب الداخلي وتأثيرات العلاقات الدولية

فادي أبو بكر

التهدئة في لبنان.. الغموض سيد الموقف

راسم عبيدات

متلازمة ستوكهولم.. قراءة في واقع الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين

أمين الحاج

غزة أسقطت مخطط التهجير يا سيد ترامب

بهاء رحال

في العيد 63 لميلاد جلالة الملك عبد الله الثاني دعم ومساندة الشعب الفلسطيني مستمر

كريستين حنا نصر

حرب إسرائيل على المخيمات الفلسطينية.. إلى أين؟

حديث القدس

النازحين يبدأون العودة إلى شمال قطاع غزة

سري القدوة

التهدئة في لبنان.. الغموض سيد الموقف

راسم عبيدات

عائد إلى الشمال.. حين يكون الركامُ وطناً

أمين الحاج

إخوته هم قاتلوه!

بكر أبو بكر

هل يكفي وقف إطلاق النار لإنقاذ غزة؟

ياسر منّاع

خطة ترمب.. صفقة القرن

حمادة فراعنة

نعم لخطة ترامب، نعم للتهجير

مؤيد شعبان

تهجير الفلسطينيين.. جريمة حرب

حديث القدس

طوفان عودة النازحين من الجنوب للشمال

وليد العوض

عودة اللاجئين إلى مناطق 48

حمادة فراعنة

لكُم فرحُكم.. ولي حُزني!

بثينة حمدان

أسعار العملات

الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

يورو / شيكل

بيع 3.77

شراء 3.76

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 531)