أقلام وأراء

السّبت 29 أبريل 2023 10:25 صباحًا - بتوقيت القدس

هناك من يريد أن يعيق حركة التاريخ

رغم ازمة الهيمنة الأميركية المتراجعة التي ترسخها الآن سياساتها بتهديد الدول التي قد تؤدي لمزيد من التصعيد بالعلاقات الدولية وتزيد من حالة عدم الأستقرار والأمن الدوليين ، فهنالك من يريد الحفاظ على مفاهيم الاستعمار واعاقة التحولات الدولية وحركة التاريخ . لهذا لم تكن مفاجأة قبل أيام تصريحات أورسلا فان دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية ولا بيان الكونغرس الأميركي في " الذكرى ٧٥ لقيام إسرائيل" ، رغم انه ربما قد تفاجأ البعض .


بيان وتصريحات اتسمت باستمرار وجود عقلية الاستعمار رغم انتهاء حقبتها التاريخية منذ زمن ، وبالتنكر لحقائق التاريخ بل وللجغرافيا السياسية، ... بيان تجاهل حتى ذكر شعبنا الفلسطيني او الاشارة لما تبقى من مبدأ حل الدولتين ، تم اعتماده بأصوات "٤٠١" من ممثلي الحزبين مقابل ٢٨ بين امتناع ومعارضة من اعضاء تقدميين بالحزب الديمقراطي فقط ، وذلك في الذكرى "٧٥" لقيام دولة الاحتلال الاستعمارية . لقد عبروا بذلك عن حقيقة مواقفهم السياسية التاريخية ومصالحهم وما يؤمنون به من فكر ، دون اكتراث بأن ادعاء الأستقلال هذا قد مثل نكبة شعبنا الفلسطيني، تلك الجريمة المكتملة الأركان من التطهير العرقي والاستيطان، والتي لم يحاسب العالم مُرتكبيها حتى اليوم، ... مواقف تخدم فقط استدامة الاحتلال الاستيطاني على أرض الواقع، واستمرار سياسات إدارة الأزمة دون حلول سياسية لجذر الصراع المتمثل بالاحتلال الاستيطاني والأبارتهايد .


وهو ما يعبر عنه الغرب الرسمي بكل وضوح انطلاقا من محددات ما يسمونها بالقيم المشتركة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ولأهمية مكانتها الجيوسياسية لأطماعهم ، كما وسندا لاستمرار عقدة الذنب من "الهولوكست" التي تلازم الأوروبيين وهاجس الخوف من الحركة الصهيونية او لانخراطهم فيها لأسباب مختلفة .


كما أن ما يدور هذه الأيام من محاولات اقناع الأمين العام للأمم المتحدة باعتماد التعريفات العملية التي قدمها في السنوات الأخيرة وتحديدا عام ٢٠١٦ التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) والمؤلف من ٣١ دولة على رأسها الولايات المتحدة بحيث تم ربط انتقاد إسرائيل وفق هذه التعريفات بمعاداة السامية ، وذلك لاحقا لإنشاء هذا التحالف عام ١٩٩٨ ، حيث تشير تلك التعريفات العملية بوضوح الى ان أي استهداف لإسرائيل أو "الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري يمكن أن يكون بحد ذاته عنصريا ومعادٍ للسامية". وأن "تطبيق معايير مزدوجة من خلال مطالبة إسرائيل بمسؤولية سلوك غير متوقع من أي دولة ديمقراطية أخرى" هو أيضا معادٍ للسامية ، كما أن التشكيك بصحة روايتهم حول جرائم الهولوكست أو عدم الموافقة على كونها احتكاراً لما تعرض له بعض اليهود خلالها على يد النازيين، هو توجه معاد للسامية .


ان ذلك وفي حال اعتماده من جانب الامين العام غوتيريش رغم الاحتجاجات المتعددة من منظمات إنسانية وحقوقية دولية ومطالباتها بعدم اعتمادها، سيؤدي بالنتيجة في حال موافقة الأمم المتحدة في تأييد التعريفات العملية للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست إلى تشجيع عدد من الحكومات والدول على تقييد الانتقاد المشروع لسياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلية، ويخنق الدعوات المتزايدة لإنهاء نظام الفصل العنصري "أبارتهايد" الذي تفرضه إسرائيل على شعبنا الفلسطيني ، كذلك دعوات المقاطعة . الأمر الذي سيؤدي إلى ارتكاب مزيد من الجرائم وهو ما يتم التحضير له من خلال خطة الحسم المُبكر التي تدعو لها حكومة الاحتلال، والى تكريس مغالطات تتعلق بامكانية الجمع بين مفاهيم الديمقراطية ويهودية الدولة والديمقراطية واضطهاد شعب آخر من جهة ، ومن جهة اخرى تعزيز مفاهيم الغرب الرسمي بمساواة الضحية بالجلاد والإجراءات الأحادية الجانب .


أن ادعاءات الصهيونية التي لا يقتصر الانتماء لفكرها على اليهود، بمعاداة السامية لا تقوم فقط على اظهار اليهود كضحية للتاريخ ، لكن أيضا من اجل ضمان الأولوية الاستعمارية "لحقوق اليهود المضطهدين" في وطن على حساب حقنا في تقرير المصير نحن الشعب الفلسطيني .


وقد كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وضعت الصهيونية في درجة مساواة العنصرية عام ١٩٧٥ ، بغض النظر عن ما جرى لاحقا لإلغاء هذا القرار الأممي الهام عام ١٩٩١ نتيجة المتغيرات السياسية بالنظام الدولي انذاك وتفرد أميركا في نظام عالمي احادي القطب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي نأمل بتغيره من جديد وفق مسار حركة التاريخ المستمرة .


ان تعريفات التحالف الدولي هذا التي تتفق مع الرؤية الصهيونية اتت في تناقض تام مع القيم الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي، وهي تنتهك جميع الحريات المدنية وكذلك مبادئ نشوء الاتحاد الأوروبي نفسه. حيث أصبح هذا أكثر وضوحا قبل سنوات قليلة ، عندما أقر الكنيست قانونا يُعرف إسرائيل على أنها دولة "الشعب اليهودي المنتشر في كل العالم "، بمقابل حرمان شعبنا الفلسطيني من حقه في تقرير المصير .


لم نشهد قط في التاريخ السياسي الحديث مثل هذه المحاولات لتزوير وقائع وحقائق التاريخ وتشويه معنى الكلمات التي يشارك الغرب الرسمي في تعزيزها لخدمة نوايا قوة محتلة واستعمارية .


حيث ان اعتماد التعريفات العملية لمفهوم التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) ومعاداة السامية يمنح الإسرائيليين حصانة قانونية مطلقة لمواصلة انتهاكاتهم بحقنا وللقانون الدولي والإنساني، حيث تجاهل هذا التعريف تماما جميع قرارات الأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة، كذلك مبادئ حرية التعبير عن الرأي، وهو ما عمل العنصريان ترامب وكوشنير سابقا على الدفع باتجاه صياغته وتقديمه للتحالف الدولي المذكور خلال وجودهما بالإدارة الاميركية ، كما وتم لاحقا وفي عهد بايدن الذي يفتخر بصهيونيته اعتماده من جانب الادارة الاميركية في شهر تشرين الثاني من العام الماضي ٢٠٢٢ من قبل وزارة الخارجية الاميركية في بيان رسمي . هذه الإدارة وسابقاتها التي لم تقدم شيئا فعليا بشأن تنفيذ حل الدولتين او منع الاستيطان، ولن تفعل سوى المحافظة على استدامة الأمر الواقع واستمرار حماية دولة الاحتلال حتى بالمحافل الدولية بغض النظر عن خلافات هامشية مع ايٍ من الحكومات الإسرائيلية كما هو حاصل اليوم لمحددات العلاقات الاستراتيجية بينهما والعقائدية . الأمر الذي سيجعل من دولة الفصل العنصري الواحدة أمراً واقعا من منظار بدائل الحلول الأخرى وأولها حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على كافة الاراضي المحتلة عام ٦٧ بما فيها القدس.


والمفارقة اليوم ان اليمين المتطرف الأوروبي ومن يسمون أنفسهم بالنازين الجدد يتخذون موقفا مؤيدا للحركة الصهيونية ويؤكدون الدعم المطلق لدولة الاحتلال لصد الاتهامات عنها بالعنصرية والأبارتهايد والفوقية الدينية رغم كل ما يجري من انقسام وخلافات بين مكونات المجتمع اليهودي الاستيطاني اليوم وثبات وضوح دولة الاحتلال كنظام فصل عنصري وسقوط تسويق نفسها كدولة ديمقراطية . وهو ما قد يفسر ذلك التعاون القديم بين الصهاينة والنازيين الذي تَرسخ عام ١٩٣٣ من خلال اتفاقية "هاعافارا" بينهم ، لتسهيل هجرة اليهود الألمان والاوروبيين الاستيطانية إلى أرض فلسطين، وقد يكون الهولوكست الذي نشجبه بالطبع كجريمة نكراء ضد الانسانية وشعوب اوروبا كافة من غير اليهود جزء من تلك المؤامرة التي ساهمت في تحقيق ذلك من خلال استغلال الحركة الصهيونية للكراهية بين العرقين الاَري والسامي. وكراهية الألمان لليهود في إطار عنوان نظريتها حول معاداة السامية والتوجه المستمر لتزييف وقائع التاريخ وطمس الحقائق .


ورغم ان ما يدور الان بمجتمعاتهم اليهودية المتنوعة المنشأ بدولة الاحتلال الأستعماري ، وخروج اصوات منهم ولأول مرة عبر تاريخهم تقول بعدم شرعية حكومة اليمين الديني الفاشي وتسقط تابوهات او مسلمات كان محرم الحديث حولها في تاريخ حركتهم الصهيونية حول "قيم مقدسة"، اصبحت الآن تدور بشكل حاد بينهم . الا ان ذلك الانقسام الحاد الحاصل عبر أشكال مختلفة من الاحتجاج والفوضى، لا يعبر عن خلافات جوهرية من مواقف اليمين السياسي بل والمتطرف من قضية شعبنا الفلسطيني وحقوقه ومسألة الاحتلال والتي كانت قائمة عبر كافة حكوماتهم التي اعُتبر عدد منها "يسار صهيوني" من حزب العمل وما قبله ، وقد شكلت محور الإجماع الصهيوني حتى الآن في معاداة حقوق شعبنا وبوسائل مختلفة ، لكنها خلافات قد يكون لها أثرا على أوضاعهم الداخلية فقط .


أن المطلوب من اصدقائنا حول العالم والذين يدافعون عن حقائق التاريخ وحقوق شعبنا وعن قيم ومبادئ إنسانية وديمقراطية أن يمنعوا إقرار ما جاء في وثيقة التعريفات العملية للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست أن كان بالأمم المتحدة و في البرلمانات الأوروبية كقرارات وقوانين ، كذلك فضح وادانة تصريحات رئيسة المفوضية من خلال البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا ، والتي جاءت في وقت تعاني أوروبا نفسها من حالة عدم استقرار سياسي وتضخم اقتصادي غير مسبوق بفعل تبعيتها لسياسات الولايات المتحدة .


والأهم أن المطلوب منا اليوم كفلسطينيين عدم دفن روؤسنا بالرمال بل ضرورة مواجهة تلك التصريحات والبيانات الاميركية والأوروبية الغربية الرسمية التي تستند إلى الرواية الصهيونية وتشويه حقائق التاريخ ، فلم يعد في هذا الظرف من المتغيرات الدولية وتراجع الهيمنة الأميركية والضعف الأوروبي الذاتي التغاضي عن هذا الانحياز والنفاق السياسي او اعتباره مقبولا أو مفيدا لمسار تحررنا الوطني أو لعلاقات التضامن التي تربط الشعوب الأوروبية بل وحتى مع جهات أميركية ويهودية تقدمية مع قضايا شعبنا .


كما وضرورة الإستفادة من الاغلبية الأممية بالجمعية العامة من أجل إعادة الاعتبار لقرار مساواة الصهيونية بالعنصرية خاصة بعد افتضاح السياسات الإسرائيلية والفكر الصهيوني القائم على الاحلال والعنصرية والفوقية ، والبناء على تراجع نفوذ الولايات المتحدة خاصة بالشرق الأوسط أمام ما يحدث من متغيرات أدت إلى فشل مشاريعها التي عملت على محاولات تحقيقها .

دلالات

شارك برأيك

هناك من يريد أن يعيق حركة التاريخ

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)