أقلام وأراء
الخميس 01 سبتمبر 2022 10:26 صباحًا - بتوقيت القدس
الهند في 75 عاماً.. من المقاومة السلمية إلى الصعود الدولي
بقلم: منال علان
احتفل الشعب الهندي بعيد استقلاله الأول في 15 آب 1947؛ ما يعني أنّهُا في نفس اليوم من العام الجاري 2022، تكون الهند قد أكملت 75 عاماً من الاستقلال عن الحكم الاستعماري البريطاني، ويكون هذا هو الاحتفال الـ 76.
وبهذه المناسبة تم إعداد برنامج احتفالي مفصّل، أسمته الحكومة الهندية "آزادي كا عمريت ماهوتساف" وتعني "مهرجان رحيق الحرية".
كانت بريطانيا قد أعلنت قبل انسحابها تقسيم "الهند البريطانية 1857-1947" إلى دولة "هندوسية" الهند، ودولة "إسلامية" باكستان -الشرقية والغربية-.
تُشكّل الهند المثال الكلاسيكي الأبرز لكيفية التحرر من الاستعمار "بالطرق السلمية"؛ إذ قادت حملات نضال سلمية بزعامة موهانداس كرمشاند غاندي (1869-1948)، الملقب "بالمهاتما" ويعني "الروح العظيمة".
ابتكر غاندي استراتيجية "الساتياغراها- أو اللاعنف" المبنية على أساس المقاومة السلمية والتمسك بالحقيقية، وهي "قانون حي من أجل الحياة". وتعتبر حركة "بهارات تشودو" وتعني "اتركوا الهند" التي أطلقها غاندي في 8 آب 1942، أكبر الثورات حسماً وشمولية لحصول البلاد على استقلالها؛ إذ أطلق غاندي دعوة "افعل أو تموت"، وطالب البريطانيين بمغادرة الهند، أعقب الدعوة احتجاجات وأعمال عنف واسع النطاق في البلاد، في حين قادت الحركة إلى إنهاء الاستعمار البريطاني في البلاد.
وجدت الهند نفسها بعد الاستقلال في نظام دولي مقسم إلى معسكرين متعارضين، حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وحلف وارسو، أو دول (معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المشتركين)، بقيادة الاتحاد السوفيتي.
قاد مبدأ "التصور الذاتي بالعقلية المثالية لفلسفة المهاتما غاندي والالتزام بحماية استقلال الأمة" قادت الهند إلى تبني سياسة "عدم الانحياز" في الشؤون العالمية؛ أسهم جواهرلال نهرو، وهو رئيس الوزراء الأول للهند ما بين (1947-1964)، في إيجاد "حركة عدم الانحياز"، لتكون أداة فعالة لإدارة سياستها الخارجية في عالم ثنائي القطب؛ حيث نأت الهند بنفسها عن الانضمام إلى أي من المعسكرين الشرقي والغربي.
ابتداءً من السبعينيات، خرجت الهند عن اتجاه "عدم الانحياز" بشكل أكثر وضوحاً وعلناً؛ بعد توقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي عام 1971.
جاء ذلك في أعقاب الحرب الهندية الباكستانية الثالثة في ذلك العام، في حين شكل انتصار الهند و"انفصال واستقلال" باكستان الشرقية (بنغلادش)، نقطة محورية في السياسة الخارجية الهندية؛ أكدت رئيسة الوزراء آنذاك انديرا غاندي في 1972، "على أن مشاكل البلدان النامية لا تواجه فقط بالمثالية، بل بوضوح شديد التفكير والتحليل الجاد للوضع والإدراك المتزايد بمصالح الهند على المسرح الدولي".
ومن هنا بدأ الحديث عن استراتيجية الصعود الهندي الإقليمي في منطقة جنوب آسيا، ليتعزز ذلك الهدف في حقبة الثمانينيات؛ فمثلاً شاركت "قوات حفظ السلام الهندية" في عملية عسكرية في سريلانكا عام 1987، وفي جزر المالديف عام 1988.
ومع بداية التسعينيات، شهدت الهند مرحلة جديدة في سياستها الخارجية؛ جاء ذلك مع حكومة نارسيما راو عام 1991؛ إذ طرح البرنامج الإصلاحي الاقتصادي من قبل وزير المالية مانموهان سينغ، وتم إعادة توجيه اقتصاد البلاد، من اقتصاد اشتراكي إلى اقتصاد السوق، يعتمد على سياسات لليبرالية منفتحة على الخارج. في حين جاء ذلك في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، وبالتالي ظهور نظام دولي جديد يتسم بالقطبية الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والذي أدى بدوره إلى تراجع الانقسام الأيديولوجي العالمي والتوجه إلى التركيز على الاقتصاد.
وفي أواخر التسعينيات من نهاية القرن العشرين، اتسمت السياسة الخارجية الهندية باتجاه واقعي أكثر وضوحاً لتثبت مكانتها عالمياً وإقليمياً؛ ففي عام 1998، أعلن رئيس الوزراء آنذاك أتال بيهاري فاجبايي "الهند دولة نووية كاملة"؛ وذلك بعد اختبارات القنابل النووية في بوخران في ولاية راجاستان الهندية.
أما في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، تجد الهند موقعها الإقليمي والعالمي؛ من خلال إمكانياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، ما مكنها لتكون قوة صاعدة، ومنافسة أمام الدول الأخرى في النظام الدولي.
فالهند، سابع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان. وبحسب معطيات بين عامي 2021-2022، تصنف الهند سابع دولة من ناحية الناتج المحلي الإجمالي عالمياً، وثالث أكبر اقتصاد آسيوي، وايضاً ثالث أكبر اقتصاد من حيث القوة الشرائية في العالم. كما تصنف الهند رابع دولة من أصل 142 دولة من ناحية القوة العسكرية في العالم، وثالث أكبر قوة عسكرية في منطقة آسيا من أصل ما مجموعه 45 دولة مدرجة في المراجعة الدفاعية السنوية للقوة العسكرية الآسيوية، ويأتي ترتيبها ثالثاً من حيث الانفاق العسكري، ورابع دولة في العالم تمتلك سلاحا مضادا للأقمار الصناعية.
استجابة إلى المعطيات الجديدة للمكانة الدولية للهند، فإن أولويات واهتمامات السياسة الهندية الخارجية ستختلف في الساحة الدولية؛ حيث تطمح الهند أن تكون "قوة رائدة"، والسعي إلى المشاركة في تشكيل "نظام دولي متعدد الأقطاب"، "لجعل القرن الحادي والعشرين، قرناً آسيوياً"، "بظهور الهند الجديدة"، واعتماد "مبدأ الأمة أولاً" عبر سعيها لتحقيق أهدافها.
وعليه، صاغت الهند سياستها وعلاقتها في المحافل الثنائية والإقليمية ودون الإقليمية والمتعددة الأطراف، لادراة قضاياها الأحادية التي تتطلب معالجتها بمعالجة العلاقات الثنائية مع الدول، وقضاياها العالمية التي تتطلب تعاوناً متعدد الأطراف. وكلها تتجه نحو تحقيق "المصلحة الوطنية" للهند، القائمة على "الأمن والازدهار"، لتعزيز نفوذها محلياً وخارجياً، عبر مجموعة من الأدوات، أهمها، الدبلوماسية، والقوة الناعمة والشتات الهندي، والقدرات العسكرية، والإمكانيات الاقتصادية.
تحتاج الهند إلى تلبية ومواجهة كل من التحديات الأمنية "التقليدية" و"غير التقليدية"، كجزء من بناء قدراتها في السياسة الخارجية. تتطلب التحديات الأمنية "التقليدية" إدارة العلاقات الخارجية للهند على أساس القوة الصلبة، والتي قد تنشأ من عدم الاستقرار السياسي والتشرذم في دول الجوار. أما التحديات الأمنية "غير التقليدية"، فتتطلب نوعاً مختلفاً من الجهد والقدرات الدبلوماسية التي تقوم على نهج غير معادي؛ مثل اتباع النهج المشترك تجاه الإغاثة في حالات الكوارث.
انتقلت "الهند" من مرحلة الاستعمار إلى التقسيم، إلى الاستقلال، ومن ثم إلى دولة تسعى إلى الصعود لتكون "قوة رائدة" في النظام الدولي.
في كل هذا مرت الهند بتقلبات بنيوية في النظام الدولي، وذلك من تعددية قطبية دولية إلى ثنائية قطبية دولية في النصف الثاني من القرن العشرين، إلى أحادية قطبية دولية في أواخر القرن العشرين وما بعدها، ومن ثم إلى نظام ما زال في طور التشكيل في القرن الحادي والعشرين، تسعى الهند لأن تكون أحد القوى التي تشكّله.
كانت المهمة الأولى للهند هي المقاومة السلمية والحصول على الاستقلال. وفي السنوات عقب الاستقلال، سعت الهند إلى النهوض بالأمة مع تبني سياسة "عدم الانحياز" خارجياً.
ومن ثم اتجهت إلى سياسة واقعية لحماية مصالحها في محيطها الإقليمي.
وفي المرحلة التي تلتها اتجهت إلى سياسات لليبرالية منفتحة خارجياً مع اتجاه واقعي؛ لتحقيق الازدهار الاقتصادي وتعزيز نفوذها من الناحيتين السياسية والعسكرية كأهداف أساسية لمتطلبات المرحلة. واخيراً، أصبحت سياسة الهند أكثر وضوحاً وجرأة، نحو دولة صاعدة إقليمياً وعالمياً، معتمدة على إمكانياتها الاستراتيجية على مختلف الأصعدة.
دلالات
Aseel قبل حوالي 2 سنة
مثير للاهتمام، بالتوفيق منال
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
الهند في 75 عاماً.. من المقاومة السلمية إلى الصعود الدولي