أقلام وأراء
الإثنين 04 يوليو 2022 9:21 صباحًا - بتوقيت القدس
وظل الغريب عسقلانياً حتى النفس الأخير
بقلم: الأسير هيثم جابر
حتى النفس الأخير ظلَّ الأستاذ غريب العسقلاني يعيش غرفته الخاصة به، لم ينس أبداً مدينته الحبيبة عسقلان التي هجر منها عام النكبة، وقرر منذ اليوم الأول الذي وضع قدمه في المخيم، أن يكون "غريب العسقلاني"، وأن ينشر اسمه عنه ما دام لاجئاً، لا هوية له، لا وطن له، فقد ألقى بإبراهيم عبد الجبار الزنط على شاطئ عسقلان وتركه هناك حتى العودة.
قرر أن يكون ناطقاً باسم المخيم، باسم الفقراء والمستضعفين، في ذلك نقل ضيق المخيم وأزقته الضيقة إلى رحابة هذا العالم الظالم الذي أغمض عينيه عن جريمة ارتكبها شذاذ الاَفاق ضد شعبه ووطنه.
فكانت بدايته القصصية كتابة اَلام ووجع شعبه بشكل عام، والمخيم بشكل خاص، حيث بدا المخيم واللجوء واضحين في أدب الراحل الكبير غريب العسقلاني، والذي أصبح فيما بعد أحد أعمدة القصة القصيرة في الأدب الفلسطيني. فكانت قصة "الطوق والوردة البيضاء" و"على الرصيف"، تعبير حقيقي عن معاناة الشعب باسره، كان له وطن وأصبح شعباً لاجئاً بلا مأوى.
أكاد أجزم أن هناك ثلة يعرفون الأستاذ غريب عسقلاني باسمه الحقيقي ابراهيم. عندما هاتفته لأول مرة سألته ماذا تحب أن أناديك يا والدي؟، يومها ضحك وقال: الذي تريد، لكنني شعرت أنه يفضل ذاك الغريب العسقلاني الذي بدأت معاناته على شاطئ الغربة.
حاول الاحتلال مراراً وتكراراً أن يعتقل قصص الشاعر غريب عسقلاني، إلا أن هذا النوع من الأدب الثوري انتشر أكثر وأكثر نكاية في الاحتلال، الذي يحارب الكلمة قبل القنبلة، وظلت كلمات "غريب" تحلق في فضاءات الوطن والشتات حتى وجدت نفسها تتسكع في شوارع أوروبا والعالم بأسره، ... ترفض الاعتقال والقوقعة في منطقة القهر والظلم وأبت أن تموت، لا تقبل اللجوء دون الثورة. فترجمت مؤلفاته إلى لغات عدة على مستوى العالم بأسره.
الكلام يدور في حق الأديب الكبير غريب عسقلاني ذاك الكاتب الذي أفنى عمره وأدبه في خدمة قضية شعبه. فقد اعتقد الكثيرون أن عسقلاني بدأ مسيرته يسارياً نتيجة كتاباته البليغة عن الفقراء والمستضعفين والعمال والفلاحين وعن الصراع الطبقي في نصوصه الأدبية، وقد كان مدرسة في حد ذاته.
إن أردت أن تكتب عن غريب عسقلاني الانسان سوف تكتب المجلدات، وإن أردت أن تكتب عن غريب عسقلاني المهندس الزراعي ستجد ما تكتب، وإن أردت أن تكتب عن غريب عسقلاني الشاعر ستكتب الكثير، لأن لغته الشعرية في نصوصه من الصعب إدراكها وفهمها، رغم أنه لم يكتب الشعر مطلقاً.
عندما أصدرت ديواني الأول أرسلت له نسخة هدية لأديب كبير ووالد عزيز. قال لي يومها: "أنا لا أفهم في الشعر لكنني سأقول لك رأيي كقارئ لا اكثر".
وعندما قرأت له "العزف على الوتر الثامن"، "مذاق النوم" "غناء القمر البعيد"، "في المرايا"، وكلها صدرت عن مكتبة سمير منصور للنشر والتوزيع ،وجدت الأديب القاص غريب العسقلاني شاعراً كبيراً عظيماً فوجئت بشاعريته ولغته الشعرية التي ترقص فوق وهج حروفه وشمس كلماته.
أحد النقاد قال لي إن "غريب" ينسج كلمات نفسه، ويغزل الحرف غزلاً، يوتر الجملة كي تحدث الصدمة الأولى والأخيرة المطلوبة واعتقد انه محق في ذلك.
الكتابة عن قامة أدبية صعبة جداً ومسؤولية كبيرة جداً وأنا هنا أرثي والداً عزيزاً على قلبي ولا أكتب مقالاً نقدياً أو دراسة عن ابداعاته، فوجئت برحيله المفاجئ كما فوجئنا برحيل الكثيرين من أدبائنا الكرام منذ بداية هذا العام، ولكن البحث والدراسة في أدب الراحل الكبير غريب عسقلاني مشروع كبير يجب أن يكون محط أنظار كل الكتاب والنقاد الذين يشتغلون في الأدب الفلسطيني.
في اَخر محادثة لنا ويبدو أن الراحل الكبير قد أحس بدنو أجله وأثناء حديثنا عن الكتابة الأدبية والبحث العملي المنهجي في الأدب الفلسطيني، قال لي: إن أردت أن تكتب عن غريب العسقلاني يوماً، فاكتب عن الأسطورة في الأدب غريب عسقلاني، ووعدته بذلك فور دخول كافة مؤلفاته عندي ... ودعته وشعور غريب ينتابني.
لقد ترجل الكاتب الكبير غريب عسقلاني عن صهوة الأدب، بعد رحيله سوف يذكره الكتاب والمفكرون، سينعاه المسؤولون الكبار، ويقلدونه الأوسمة بعد موته، كما جرت العادة في بلانا العربية فنحن لا نكرم عظماءنا وأدباءنا وكتابنا وعلماءنا لا نذكرهم ولا حتى في محادثة هاتفية أو زيارة عابرة إلا بعد موتهم ورحيلهم.
الرحمة لك والدي الكبير والعزيز أبا سامر.. السلام عليك يوم رحلت ويوم تبعث حياً ويوم تبقى فينا خالداً
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
مصير الضفة الغربية إلى أين؟
عقل صلاح
كيف نحبط الضم القادم؟
هاني المصري
هل من فرصة للنجاة؟!
جمال زقوت
تحية لمن يستحقها
حمادة فراعنة
قل لي: ما هو شعورك عندما ترى أحداً يحترق؟!
عيسى قراقع
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
استهداف الصحفيين بالقتل والاعتقال.. محاولة للتعمية على الجريمة الـمُدوّية
الأكثر قراءة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
عبدالعزيز خريس.. فقد والديه وشقيقته التوأم بصاروخ
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 78)
شارك برأيك
وظل الغريب عسقلانياً حتى النفس الأخير