Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 07 مارس 2025 9:45 صباحًا - بتوقيت القدس

كل جمعة.. المشهد من تلال إقليم كردستان


 

في نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، قمت ولأول مرة في حياتي الحافلة بالأسفار بزيارة إلى أربيل في إقليم كردستان في العراق. كان هدف الزيارة تلبية دعوة كريمة تلقيتها من شبكة "رووداو" الإعلامية لحضور منتدى أربيل الثالث 2025، والذي عقد تحت عنوان "القلق المتراكم حول مستقبل الشرق الأوسط" خلال الفترة من 26 إلى 28 فبراير/ شباط من العام 2025. وكان اللقاء حافلاً بأكثر من مائة مشارك، تحدث منهم على الأقل 35 شخصاً. وكان النقاش صريحاً لكنه بقي ضمن حدود اللباقة في الحديث.

في جلسة الافتتاح تكلم أربعة أشخاص من العراق، الأول هو الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد. وتلاه بعد ذلك خطاب من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ثم بعد ذلك لقاء مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، وأخيراً وليس آخراً جرى لقاء مع رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني.

رئيس الجمهورية الكردي أمسك بحكم الدستور بالعصا من المنتصف، وأشاد بالتطورات التي حصلت أخيراً على الأراضي السورية، مؤكداً أن ما جرى من تغيير في النظام أكد دعم الاستقلال السوري، وأبدى خلال خطابه أيضاً تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، وأكد على أن العراق يريد أن ينأى بنفسه عن الخلافات العربية، ويسعى لتكون له علاقات حسن جوار مع جيرانه، مؤكداً أن العراق يريد إعادة توجيه اقتصاده نحو التنويع، وتوفير الحياة الآمنة للشعب دون تدخل من الآخرين في شؤونه الداخلية، مشيراً إلى أن العراق يعيش الآن في أمن وسلام أنجزا بكفاح شعبي من العراقيين الحريصين على بقائه واستمراره.

أما رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي أكد أن العلاقات الخارجية العراقية تحررت مع كل الدول الشقيقة والصديقة، ولكن العراق سوف يمضي في الحوار كمنهج يتبعه في رسم العلاقات مع شركائه المستقبليين، وأكد أن العراق سوف يستمر في مواجهة التطرف والإرهاب على أراضيه، وكل هذا يأتي منسجماً ومتوافقاً مع الجهود المبذولة لبناء إطار واضح للتطوير التنموي وتشكيل علاقات ثنائية مع كل الدول المحيطة، ولكنه حذر في الوقت نفسه من أن هناك تحولات كبرى قادمة في المنطقة، وأن على العراق أن يبقى حذراً حيال ذلك كله.

ولما تحدث نيجيرفان بارزاني كان أكثر صراحة ووضوحاً في تناوله لبعض القضايا العالقة مع الحكومة العراقية المركزية، وقال إن نتائج الانتخابات في الإقليم أخيراً أفرزت فوز حزبين أساسيين جاءا نتيجة لمشاركة عالية في الانتخابات وصلت نسبتها لـ72% من مجموع الناخبين المسجلين. ولذلك، فإن الإقليم في غياب تحديد الحزب الحاكم ما زال غير قادر على تشكيل الحكومة. وتساءل بارزاني حول إمكانية التقارب بين الأحزاب الرئيسية، وعما إذا كان هذا سيؤدي إلى دعم الاتجاهات الديمقراطية، وقال إن هناك لا تماثلية (Asymmetry) في نظرة أربيل إلى الديمقراطية بالمقارنة مع نظرة بغداد إليها، وإنّ تركيز إقليم كردستان يتطلب السماح له بتصدير النفط الذي لديه، وإننا نرجو ألا يقف ما جرى في سورية حجر عثرة في طريق تعزيز مستقبل الكرد (أو الكورد).

أما الشخصية العراقية الأخيرة التي تحدثت في بداية المؤتمر فكان رئيس مجلس النواب أو الشعب محمود المشهداني، الذي تحدث بوضوح ودون حرج عن أن حرب عام 2003 كانت سيئة الإدارة، وأن إدارة العراق بعد الحرب لجأت إلى التصفيات وقطع الرؤوس، ولذلك لم تتكون في ذلك الوقت طبقة حاكمة متجانسة، وتأخرنا في لملمة الأمور لأن الحكومات كانت تتساقط بسرعة. تابع أن الأمور بدأت في الاستقرار، وأن العراق يتمتع بموارد وفيرة تمكنه من الانطلاق، مؤكداً أن أكثر هذه الموارد وفرة موجودة في محافظة الأنبار، وأن وفرة الموارد الطبيعية تتطلب أن نقوم نحن العراقيين بإدارة مواردنا، وقال إن على البرلمان العراقي أن يضمن الإطار التشريعي الذي يجعل كل مديرينا عراقيين، وأضاف متفائلاً إن الانتخابات العراقية القادمة سوف تغير وجه العراق وإقليم كردستان من الناحية السياسية، وإنه (أي المشهداني) يتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع ومنهم مقتدى الصدر.

وتحدث كثيرون في المنتدى عن أمور كثيرة، وبرزت بعض التحديات الأساسية. ولعل من الملفت للنظر أن مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر حضر اللقاء وأبدى أيضاً آراء تستحق الوقوف عندها. ومن المعروف أن شينكر عمل سابقاً في وزارة الدفاع الأميركية، ومديراً عاماً لدائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الأميركية إبان فترة الرئيس دونالد ترامب السابقة، وهو الآن باحث رئيس في معهد واشنطن، الذارع المهم لـ"إيباك" أو فريق اللوبي للقضايا الإسرائيلية في واشنطن العاصمة.

وسعى شينكر في الجلسة الحوارية التي ضمته مع أحد الإعلاميين العراقيين إلى تقديم معلومات من شخص خبر العمل مع الرئيس ترامب ليعطي مستمعيه مادةً يستفيدون منها لفهم أعمق حول أفضل الوسائل للتعامل معه، خاصة أن الرئيس الأميركي الجديد قلب كثيراً من المفاهيم التي استقرت في أذهاننا عن أسلوب إدارة قضايا المنطقة التي نعيش فيها.

ولعل أهم ما أكده شينكر هو أن ترامب يتعامل مع القضايا الدولية والإقليمية بأسلوب الصفقات (Ransactional Approach)، وأكد أيضاً أن مفهومي الـ"MAGA" (لنجعل أميركا عظيمة ثانية)، والرئاسة الأميركية كما يريدها ترامب، يتضافران لكي يتجنبا الحلول العسكرية للمشاكل، والاستعاضة عنها بحلول تجارية ذات طبيعة تشبه الصفقات العقارية. وقال شينكر إن تركيز الرئيس حالياً ينصب على كل من سورية والعراق من ناحية، لكنه يركز على إتمام صفقات نووية مع الجمهورية الإسلامية في إيران من ناحية أخرى.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإن شينكر يعتقد أن الدعم سيكون موجهاً لإسرائيل وليس إلى نتنياهو وحكومته. ولو لخصنا هذا الكلام فإننا قد نخرج بالنتيجة أن ترامب لن يعطي سورية الاهتمام الذي حظيت به من إدارة الرئيس بايدن. وفي رأي شينكر أن هذا هو الموقف الخاطئ الذي قد يتبناه ترامب والذي ربما يبقي سورية وحتى العراق لفترة في حالة اضطراب.

أما بالنسبة لانتقال العالم من حالة أحادية القطبية إلى متعددة القطبية، فإن الوضع لم يحظ بالاهتمام المقنع رغم وجود متحدثين من الصين ومن روسيا، ولكن الذي بدا واضحا أن الوجود التركي في المؤتمر كان قوياً، وأن الباحثين والسياسيين الترك الذين حضروا المؤتمر تصرفوا وكأنهم المنتصرون دبلوماسياً، والناجحون سورياً، والمؤثرون بشكل أكبر على مستقبل المشروع الكردي برمته.

وقد قدم أثناء المؤتمر باحثان كرديان تقريراً رقمياً إحصائياً عما سمياه الباروميتر الكردي، وفيه يستعرضان أهم المميزات الديمغرافية والعمرية والتعليمية والأسرية واللغوية عند الكرد في أقاليم مختلفة. وتبين من الدراسة أن ما بين 20 و25% من الكرد يعيشون في القرى، وأن 67% يعيشون في المدن، وأن 60% من الشعب الكردي تبلغ أعمارهم 30 سنة أو أقل، وأن معدل حجم الأسرة يزيد قليلاً عن أربعة أشخاص، وأن أسوأ أوضاع الكرد حالياً هم أولئك الذين يعيشون في تركيا، علماً أنّ أوضاعهم تتحسن بشكل سريع.

وفي مجال التعليم واستخدام اللغة الكردية، فإن المؤشرات تؤكد ارتفاعاً في الإقبال على التعليم بشكل متزايد ومتخصص من قبل الكرد وبخاصة في تركيا، وأيضاً هناك إقبال على استخدام اللغة الكردية بشكل واضح ومكشوف في الأسواق والتجمعات، ما يدل على زيادة تمسكهم برموز هويتهم. ولكن هذه المؤشرات الإيجابية جاءت في وقت ذاع فيه خبر أن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان طلب في رسالة منه لمقاتلي الحزب التوقف عن القتال ضد تركيا وتسليم أسلحتهم، وقد لقي هذا الخبر ردود فعل مشككة في صوابيته ورافضة لفكرته، وأثار تساؤلات عن الجدوى التي يمكن أن تنتج عن تطبيقه.

وفي المقابل، فإنّ مندوبي تركيا في المؤتمر كانوا أكثر ثقة بأن بلدهم الآن تمكن من امتلاك بعض مفاتيح التأثير على سلوك الكرد العسكري، خصوصاً حزب العمال الكردستاني. لكنّ الكرد في منطقة مثل أربيل يتساءلون عن الفوائد المقابلة التي سيحصل عليها الكرد في تركيا مقابل تسليم السلاح ووقف القتال، وهل سيقربهم هذا مثلاً من مفهوم حكم ذاتي داخل دول مثل تركيا وإيران وسورية كما حصل في العراق؟

من الواضح أن الكرد صاروا رغم الفوارق الدينية والطائفية في ما بينهم أكثر قرباً ولحمةً مما كانوا في أي وقت مضى، وأن هناك نموذجاً كردياً يتبلور في أن يصل الكرد مع الدول التي هم مواطنون فيها إلى نوع من الحكم الذاتي تضمنه الدول الكبرى وتمنحهم حكماً ذاتياً يبقيهم جزءاً من الدول التي يعيشون فيها، ولكن يتولون هم إدارة شؤونهم الداخلية والبينية والبيئية مع الأقاليم الكردية في الدول الثلاث المجاورة الأخرى، ويبنون فيه ثقافتهم وهويتهم.

ولو استعرضنا حصيلة التجربة في العراق والتي تعتبر أكثر الصيغ تقدما بالمقارنة مع إيران وتركيا وسورية، فإنها ما زالت تعاني من بعض الإشكالات كما انعكس في تصريحات رئيس الجمهورية العراقية (عراقي كردي)، ورئيس إقليم كردستان الذي يريد نفطه وشريانه الاقتصادي (عراقي كردي)، ورأينا أن رئيس وزراء العراق لا يزور كردستان، ورئيس البرلمان السني يريد أن يبني دولة موحدة تستمتع فيها كل الطوائف والشيع بتمثيلها الكامل وإدارة مواردها مثل الأنبار ولكن دون الإجحاف بالوحدة العراقية الكلية.

ومن المفيد أن يقوم الجانب الكردي بتطوير موقف تفاوضي يجعله قادراً على اجتذاب الدعم الرئاسي الأميركي والذي يتبنى أسلوب الصفقة في مناخ سلمي رافض للحرب ليصل إلى حلول لمشكلاته مع الآخرين. وإذا استطاع كرد العراق تطوير مثل هذا الأسلوب فلربما يستطيعون بالتعاون مع بعض الدول العربية المتعاونة معهم (الأردن) والدول الإقليمية أن يصلوا إلى حل معقول مع الجانب الأميركي في أماكن مثل تركيا وسورية. أما في إيران فالأمر قد يتطلب وقتاً أطول.

دلالات

شارك برأيك

كل جمعة.. المشهد من تلال إقليم كردستان

المزيد في أقلام وأراء

يوم المرأة العالمي: بئساً لعالم لا يرى

المفاوضات مع حماس شر لا بد منه

حمادة فراعنة

المعرفة المُستعبَدة: عندما تصبح الحقيقة خطرًا

السيطرة على الضفة الغربية !

العائلة الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي: عائلتك لم تعد كما تعتقد.. هل تتحكم بها خوارزميات...

هل الذكاء الاصطناعي يغش؟

عبد الرحمن الخطيب

في مواجهة عملية لمشروع التهجير

علاقات حماس بالغرب: أمريكا.. المفاجأة والكواليس!!

د. أحمد يوسف

الأمن القومي العربي.. أنا "فلسطين" يا أبي

د. إياد البرغوثي

القواعد الحاكمة لسلوك الرئيس ترامب

جهاد حرب

لماذا تُصر "حماس" على شرط وقف الحرب؟

ابراهيم ملحم

الملك عبدالله يصر على رفض التهجير قمة القاهرة.. تأييد من حماس ورفض اسرائيلي وأمريكي لمخرجاتها

كريستين حنا نصر

زمار الحي لا يُطرب

أمين الحاج

الحرس القديم.. "أبو ثائر" نموذجاً

د. خالد جميل مسمار

4 آذار.. اختبار الإرادة العربية في مواجهة تحديات التاريخ

فادي أبو بكر

قمة فلسطين

حمادة فراعنة

القمة العربية وسؤال فلسطين

جمال زقوت

حكايتي مع امرأة اسمها فلسطين!

عند مفترق الطرق

د. غيرشن باسكن

الملك يصر على رفض التهجير . تأييد من حماس ورفض اسرائيلي وأمريكي لمخرجات قمة القاهرة

كريستين حنا نصر

أسعار العملات

السّبت 08 مارس 2025 11:42 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.63

شراء 3.62

يورو / شيكل

بيع 3.94

شراء 3.93

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 794)