عقدت في القاهرة الثلاثاء الماضي القمة العربية الطارئة وسط أجواء متوترة وظروف سياسية وأمنية معقدة تمر بها المنطقة. وعلى الرغم من التغطية الإعلامية المكثفة والبيانات الصادرة عن القادة العرب، إلا أن النتائج بدت، كعادتها، بعيدة عن التوقعات الشعبية، ما يعيد إلى الأذهان المثل العربي القديم، "زمار الحي لا يُطرب".
شهدت القمة خطابات "قوية" وتأكيدات على وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات، لا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتطورات الأخيرة في المنطقة والحرب على غزة، ومع ذلك، لم تتجاوز المخرجات إطار الإدانة والشجب، دون أن تترافق مع خطوات عملية يمكن أن تحدث فرقا ولو لمرة واحدة على أرض الواقع، الأمر الذي جعل الكثيرين ينظرون إلى القمة على أنها امتداد لسابقاتها، تشاركها فرص النجاح كما الفشل، حيث يتم تكرار نفس العبارات دون تغيير ظاهري أو جوهري.
فالجامعة العربية تعاني ومنذ عقود من أزمة في التأثير، فتبدو كما لو أنها غير قادرة على اتخاذ قرارات ملزمة أو اتخاذ مواقف موحدة تترجم إلى سياسات فعالة، وهو روح الجامعة والغاية الأساسية من وجودها، بل على العكس، بينما تشتد الأزمات في المنطقة، تبقى المواقف العربية مختلفة ومتباينة إن لم تكن متناقضة، مما يضعف أي جهد مشترك ويحول دون أن يكون له أثر ملموس.
وكما هو معلوم، فإن أحد المحاور لقمة القاهرة كانت الحرب الإسرائيلية في المنطقة وبشكل خاص على غزة والتصعيد في الضفة الغربية وتبعات هذه الحرب، وتحديداً خطة ترامب لتهجير سكان القطاع من الفلسطينيين، فكما هو متوقع ومعروف ومتعارف عليه دائماً، أكد القادة العرب على دعمهم للفلسطينيين وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، لكن هذه المرة تمت إضافة شرط آخر، وهو ضمان أمن دول الاحتلال، لكن تبقى التساؤلات حول كيفية ترجمة هذا الدعم إلى خطوات عملية، خاصة في ظل رفض إسرائيل لمبادرة السلام العربية وما تبعها وآخرها الخطة العربية، وكذلك استمرار بعض الدول العربية في سياسات التطبيع والعلاقات الثنائية التي لا تعكس بالضرورة موقفاً عربياً موحداً.
طرحت مصر خلال القمة مبادرة تهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة وتهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات، إلا أن هذه الخطة قوبلت برفض من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين اعتبرتا أن الظروف لم تتهيأ بعد لأي وقف شامل للعمليات العسكرية، ما يعكس مدى التعقيدات المحيطة بالملف الفلسطيني، حيث تتصادم الإرادة العربية مع المصالح الإقليمية والدولية، ما يجعل أي تحرك عربي غير قادر على فرض نفسه كحل عملي في ظل غياب الدعم الدولي الوازن.
في سياق متصل، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن سلسلة من الإصلاحات الداخلية تهدف إلى تعزيز الحوكمة في المؤسسات الفلسطينية وإعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية، وليس سراً أن هذه الخطوات تأتي استجابة للضغوط الخارجية والداخلية المطالبة بتحسين أداء السلطة الفلسطينية، وضمان تمثيل أوسع للفلسطينيين في العملية السياسية، ومع ذلك، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى فعالية هذه الإصلاحات في إحداث تغيير جوهري في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي جاثماً فوق الأرض الفلسطينية فضلاً عن الانقسام الداخلي.
ويبقى السؤال، هل يمكن أن تتحول القمم العربية من منصة لتبادل البيانات والخطابات إلى آلية فعلية لاتخاذ قرارات حاسمة؟ يبدو أن الإجابة معروفة في المدى المنظور، أما بالنسبة للمستقبل، فالإجابة تعتمد على مدى قدرة القادة العرب على تجاوز الخلافات البينية ووضع سياسات تتناسب مع تطلعات شعوبهم.
أخيراً، لا بد من التذكير بأنه وكما في كل مرة، غادر القادة العرب قاعة القمة بعد بياناتهم الختامية، فيما بقيت التحديات على حالها، دون حلول جذرية أو قرارات تحدث تغييراً ملموساً، ويبدو أن "زمار الحي" سيبقى يعزف، لكن من يسمعه؟
شارك برأيك
زمار الحي لا يُطرب