د. سهيل دياب: التيار الذي يمثله سموتريتش لا يكتفي فقط برفض الدولة الفلسطينية بل يسعى لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل
فايز عباس: سموتريتش مقتنع بأن البيت الأبيض سيواصل دعم إسرائيل في أي قرار تتخذه بشأن غزة وهو ما يجعله يروج لخطة ترمب
داود كتّاب: من يهدد بالكلام غالباً ما يتراجع في الفعل لكن خطورة تصريحات سموتريتش أنها توفر غطاءَين سياسي وقانوني للمستوطنين
د. أمجد بشكار: سموتريتش يواصل تنفيذ خطته القديمة لـ"حسم الصراع" مع الفلسطينيين التي ترتكز على الضم والاستيطان والتهجير
أنطوان شلحت: تصريحات سموتريتش تُبرز تماهي المواقف الإسرائيلية والأمريكية وتؤشر إلى إصرار إسرائيل على استئناف الحرب في العام الحالي
ياسر مناع: تعتقد إسرائيل أن الكارثة الإنسانية بغزة قد تُفاقم الضغوط المعيشية ما قد يدفع بعض السكان إلى البحث عن الهجرة
رام الله - خاص بـ "القدس"-
تعكس تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، حول "تحويل غزة إلى جحيم" استراتيجية متكاملة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير والضم، خاصةً أنها تتزامن مع تصعيد ميداني في الضفة الغربية، في سياق إعادة هندسة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق أحلام دينية.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة علوم سياسية، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن سموتريتش، الذي يمثل التيار الديني المتشدد في إسرائيل، يسعى إلى إعادة صياغة الصراع مع الفلسطينيين على أسس دينية، معتمداً على دعم أمريكي غير مشروط لتحقيق أهدافه التوسعية.
ويشيرون إلى أن هذه التصريحات تأتي في سياق تصاعد نفوذ اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يعمل على فرض وقائع جديدة على الأرض، سواء في الضفة الغربية من خلال توسيع الاستيطان، أو في غزة عبر التلويح بحرب شاملة.
ثلاث زوايا أساسية لقراءة تصريحات سموتريتش
يرى أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الإسرائيلي، د.سهيل دياب، أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، حول "تحويل غزة إلى جحيم" يجب قراءتها من ثلاث زوايا أساسية: التوقيت السياسي، والرسائل الداخلية في إسرائيل، والأبعاد الانتخابية، مشدداً على أن خطابه يعكس تصاعد نفوذ اليمين الديني التلمودي في إسرائيل وسعيه إلى فرض رؤيته للصراع القائم.
ويوضح دياب أن تصريحات سموتريتش تأتي قبل زيارته إلى الولايات المتحدة، حيث يحظى بدعم التيار اليميني المتطرف داخل إدارة ترمب، والتي منحت شرعية متزايدة للتيارات الدينية التلمودية في إسرائيل.
ويرى أن دعوة وزير المالية الأمريكي لسموتريتش تعكس هذا التوجه، إذ تتلاقى مصالح اليمين السياسي والاقتصادي الإسرائيلي مع اليمين الديني المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة، ما يشير إلى تحالف دولي يعزز هذه السياسات.
ويعتقد دياب أن خطاب سموتريتش ليس موجهاً فقط لجمهور الداخل الإسرائيلي، بل يسعى إلى ترسيخ تحالفات مع تيارات دينية متشددة في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تتزايد قوة الحركات المسيحية الصهيونية.
ويعتبر أن سموتريتش يحاول إعادة تعريف هوية اليمين الإسرائيلي، مؤكداً أن كونه "يمينياً سياسياً أو اقتصادياً" لم يعد كافياً، بل يجب أن يكون هذا اليمين مرتبطاً جوهرياً برؤية دينية لاهوتية متطرفة، تستند إلى فكرة "إسرائيل الكبرى" من البحر إلى النهر، بل وتمتد إلى مناطق في سوريا والعراق ضمن ما يسمى "ممر داود".
ويشير دياب إلى أن سموتريتش يسعى لترسيخ هذه الرؤية داخل المجتمع الإسرائيلي، وإعادة صياغة الصراع مع الفلسطينيين على أسس دينية بحتة، بحيث يصبح "صراعاً صفرياً" لا مجال فيه للحلول الوسط، بل هو معركة وجودية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ويوضح دياب أن تصريحات سموتريتش حول غزة تحمل بُعداً انتخابياً واضحاً، خاصة في ظل التنافس بينه وبين وزير الأمن القومي السابق، إيتمار بن غفير، على أصوات اليمين المتطرف.
ويشير دياب إلى أن سموتريتش، الذي كان يركز سابقاً على الاستيطان في الضفة الغربية، يحاول الآن التوسع في خطابه ليشمل غزة، مستغلاً تراجع شعبية بن غفير وخروجه من الحكومة لتعزيز موقعه في استطلاعات الرأي، حيث لم يتمكن حتى الآن من تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة.
ووفقاً لدياب، فإن المشهد السياسي في إسرائيل يشهد تحولات كبرى، إذ يوجد إجماع واسع بين مختلف التيارات، سواء اليمينية أو حتى بعض التيارات اليسارية، على عدم قيام دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال.
ويشير دياب إلى أن التيار الأكثر تشدداً، الذي يمثله سموتريتش، لا يكتفي فقط برفض الدولة الفلسطينية، بل يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، حتى لو تطلب ذلك التهجير الجماعي أو الإبادة، ويستند هذا التيار إلى رؤية دينية تعتبر أن الحل يجب أن يكون جذرياً ونهائياً، بعيداً عن أي حلول سياسية.
ويرى دياب أن التيار الليبرالي في إسرائيل، الذي كان يدعم الحلول السياسية مثل اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو، في حالة تراجع كبير، ولم يعد يمثل بديلاً قوياً داخل المجتمع الإسرائيلي.
ويؤكد دياب أن التيار الديني المتشدد يستمد قوته من عاملين أساسيين خلال العام الأخير، التغيرات في السياسة الدولية خاصة مع عودة ترمب إلى الحكم، والحرب على غزة، حيث يستغل التيار التلمودي المتشدد وجود فصائل مقاومة دينية في غزة ولبنان واليمن، ليبرر تصعيد الخطاب الديني داخل إسرائيل، معتبراً أن الصراع هو بين "قوى دينية" على الجانبين، ما يستدعي تقوية الأحزاب الدينية في إسرائيل لمواجهتها.
ويشير دياب إلى أن التغيرات في سوريا أيضاً تصب في مصلحة هذا التيار، حيث يرى أن التحولات الإقليمية تدعم تصاعد التيارات الدينية المتشددة في إسرائيل، على حساب التيارات الليبرالية والعلمانية.
ويحذر دياب من أن استمرار هيمنة التيار الديني التلمودي قد تكون له تداعيات كارثية على إسرائيل نفسها، حيث سيؤدي إلى عزلة دولية، وتراجع الاستثمارات، وتحول إسرائيل إلى دولة من العالم الثالث، خاصة إذا تم القضاء على التوازن الداخلي بين التيارات السياسية المختلفة.
ويوضح دياب أن تصاعد هذا التيار سيؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي لإسرائيل، مشدداً على أن تداعياته لن تقتصر فقط على الفلسطينيين، بل ستنعكس على المجتمع الإسرائيلي بأكمله.
سموتريتش يقف وراء العديد من الجرائم والانتهاكات
يوضح الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي، فايز عباس، أن التصريحات الأخيرة التي أطلقها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والتي أعاد فيها تكرار تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفتح "نيران جهنم" على قطاع غزة مثل الببغاء، ليست جديدة، لكنها تأتي في سياق متكرر من قبل قادة الاحتلال الإسرائيلي الذين يواصلون التهديد بشن المزيد من الدمار على القطاع المحاصر.
ويؤكد عباس أن سموتريتش، الذي يشغل أيضاً منصب وزير في وزارة الأمن، يقف وراء العديد من الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب في الضفة الغربية المحتلة، حيث ينفذ المستوطنون اعتداءات يومية ضد الفلسطينيين بدعم رسمي، بهدف تحويل حياتهم إلى جحيم ودفعهم نحو "الهجرة الطوعية"، وهي الفكرة التي تزايد الحديث عنها في الأوساط الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر 2023.
ويشير إلى أن سموتريتش، الذي ينتمي إلى تيار الصهيونية الدينية، يسعى بشكل واضح إلى تحقيق أهدافه الاستيطانية عبر تصعيد الحرب ضد غزة، بالتوازي مع تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية.
ويؤكد عباس أن سموتريتش مقتنع بأن البيت الأبيض سيواصل دعم إسرائيل في أي قرار تتخذه بشأن غزة، وهو ما يجعله يروج لخطة ترمب، التي تهدف إلى تهجير سكان القطاع وإقامة مشروع استثماري ضخم أُطلق عليه اسم "الريفييرا الترمبية".
ويبيّن عباس أن تصريحات سموتريتش الأخيرة تكشف عن توجه واضح لدى اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يضع نصب عينيه هدفين رئيسيين: تشديد الاستيطان في الضفة الغربية، والعمل على تفريغ قطاع غزة من سكانه لإعادة السيطرة الإسرائيلية عليه.
ويؤكد عباس أن هذه السياسات تأتي ضمن رؤية التيار الصهيوني الديني، الذي بات أكثر تأثيراً على القرارات الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية الحالية.
وفي ما يتعلق بالمفاوضات الجارية حول صفقة تبادل الأسرى والمرحلة الثانية منها، يوضح عباس أن سموتريتش يواصل الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مهدداً بإسقاط حكومته إذا مضى قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة، التي تتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.
ويشير عباس إلى أن الوزير المتطرف يسعى لفرض أجندته، حيث نجح حتى الآن في دفع نتنياهو نحو التراجع عن التزاماته السابقة، رغم توقيع الحكومة الإسرائيلية على اتفاق ينص على الانسحاب من القطاع بعد تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة.
ويؤكد عباس أن تصريحات سموتريتش تعكس توجهاً خطيراً داخل الحكومة الإسرائيلية، يقوم على التصعيد العسكري والاستيطاني، في ظل دعم أمريكي غير مشروط، ما ينذر بمزيد من التوتر والتصعيد في المنطقة.
فرض وقائع جديدة على الأرض من خلال العنف والاستيطان
يحذّر الكاتب والمحلل السياسي داود كُتّاب من خطورة التصريحات التي أطلقها سموتريتش بشأن قطاع غزة، مؤكداً أن تهديداته، رغم أنها قد لا تتحقق فعلياً، تمنح المستوطنين شعوراً بالحماية القانونية، ما يزيد من وتيرة اعتداءاتهم في الضفة الغربية المحتلة.
ويوضح كُتّاب أن من يهدد بالكلام غالباً ما يتراجع في الفعل، لكن خطورة تصريحات سموتريتش تكمن في توفير غطاء سياسي وقانوني للمستوطنين المتطرفين، الذين يستغلون هذه التهديدات لمواصلة اعتداءاتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ويؤكد كُتّاب أن هذا التوجه يعكس سياسة اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض من خلال العنف والاستيطان.
وفي ما يتعلق بالتصعيد المحتمل في قطاع غزة، يشير كُتّاب إلى أن التهديدات التي يطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس تواجه صعوبات داخلية وخارجية تعيق تنفيذها.
ويوضح كُتّاب أنه من الناحية الداخلية، تدرك عائلات الأسرى الإسرائيليين أن أي حرب جديدة قد تعني تعريض حياة أبنائهم المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية للخطر، أما على الصعيد الخارجي، فإن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب كانت ترتكز على تقليل الحروب، ما يجعل من الصعب تبرير أي عدوان جديد على غزة، خاصة في ظل التزام حركة "حماس" بشروط وقف إطلاق النار.
ويشير كُتّاب إلى أن الحديث الأخير عن غزة، خصوصاً ضمن تصريحات ترمب، حرّك المياه العربية الراكدة، مشدداً على أن مستقبل القطاع يتطلب جهداً عربياً ودولياً مكثفاً.
ويؤكد أن أي تحرك جاد يجب أن يبدأ بمعالجة أوضاع غزة، قبل الحديث عن حل سياسي شامل يشمل إقامة الدولة الفلسطينية.
ويلفت كُتّاب إلى أن إصلاح القيادة الفلسطينية بات ضرورة ملحّة، خاصة في ظل الإفراج عن عدد كبير من القيادات الوطنية خلال صفقات التبادل الأخيرة. ويوضح كُتّاب أن هؤلاء القادة، الذين يتمتعون بسجل نظيف وخبرة سياسية واسعة، قد يكون لهم دور بارز في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، عبر تمكين الجيل الشاب من تولي المسؤولية.
ويشير كُتّاب إلى أن حركة فتح قد تشهد تحولاً كبيراً في حال الإفراج عن القيادي الأسير مروان البرغوثي، الذي يُعتبر أحد أبرز الشخصيات القادرة على إحداث تغيير حقيقي في الساحة السياسية الفلسطينية، من خلال تبني نهج أكثر ديمقراطية وإصلاحية داخل الحركة.
حكومة نتنياهو تتجه نحو مزيد من التصعيد
يحذر أستاذ العلوم السياسية، د. أمجد بشكار، من أن الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، تتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظل الضغوط الداخلية الإسرائيلية والتهديدات بالعودة إلى الحرب في قطاع غزة، وهو ما يعتبره بشكار محاولة للخروج من الأزمات التي تعصف بالائتلاف الحاكم، مشيراً إلى أن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، يواصل تنفيذ خطته القديمة لـ"حسم الصراع" مع الفلسطينيين، والتي ترتكز على الضم والاستيطان والتهجير، وهو ما يتوافق مع تصريحاته الأخيرة.
ويوضح بشكار أن سموتريتش، الذي يمثل القاعدة الصلبة لليمين المتطرف، يسعى إلى فرض حلول نهائية للصراع بدلاً من إدارته كما كان الحال في السنوات السابقة.
ويؤكد بشكار أن تصريحات سموتريتش المتكررة حول العودة للحرب، تأتي ضمن استراتيجيته ونتنياهو لإخضاع المقاومة الفلسطينية ومدّ المرحلة الأولى من الاتفاق القائم، أكثر من كونها تهديدات فعلية.
ويقول بشكار: "قد نشهد عمليات عسكرية محدودة، لكن العودة الكاملة للحرب لا تزال خياراً محفوفاً بالمخاطر، خاصة وأن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تدرك تماماً أن استمرار الحرب لن يحقق ما فشلت فيه إسرائيل على مدار 16 شهراً من القتال".
ويشير بشكار إلى أن تهديدات نتنياهو بالتصعيد تأتي في سياق المناورة السياسية للهروب من الالتزامات الواردة في الاتفاق المرحلي، الذي وقعته إسرائيل برعاية الوسطاء، والذي ينص على الانتقال إلى المرحلة الثانية ثم الثالثة، ما يعني فعلياً نهاية الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
ويقول بشكار: "نتنياهو، الذي خرق الاتفاق أكثر من 950 مرة، يحاول فرض اتفاق جديد بشروط أكثر ملاءمة له، لضمان استمرار حكومته وبقائه السياسي".
ويحذّر من أن نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب، يواصل ارتكاب جرائم جديدة عبر قطع المساعدات الإنسانية عن سكان غزة، في تجاوز صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية.
ويقول بشكار: "حتى في زمن الحرب، لا يجوز المساس بالمساعدات الإنسانية، لكن إسرائيل تفعل ذلك علناً، في محاولة للضغط على المقاومة الفلسطينية".
وفي ما يتعلق بالضفة الغربية، يؤكد بشكار أن خطة سموتريتش المسماة "خطة الحسم"، التي تعود جذورها إلى عام 2017، تهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة، من خلال توسيع الاستيطان وضم المناطق المصنفة "ج"، والتي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية.
ويوضح بشكار أن هذه الخطة تتضمن تهجيراً ممنهجاً للفلسطينيين عبر هدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وتضييق الخناق الاقتصادي، في محاولة لدفع الفلسطينيين نحو الهجرة القسرية.
ويشير بشكار إلى أن إسرائيل تهدف إلى تغيير واقع المخيمات الفلسطينية جغرافياً، وذلك من خلال هدم العديد من المنازل داخل المخيمات، لضرب رمزية المخيمات، بما تحمله من رمزية لحقوق اللاجئين وحق العودة.
ويؤكد بشكار أن الحكومة الإسرائيلية تستخدم التوترات الداخلية والإقليمية لتكثيف نشاطها الاستيطاني وخلق وقائع جديدة على الأرض، مما يشكل تهديداً وجودياً للسلطة الفلسطينية، كي لا يكون لها دور حقيقي على المناطق التي يفترض ان تمارس فيها صلاحياتها وفق اتفاقية أوسلو.
ويقول بشكار: "السلطة تواجه خطر التفكيك في ظل هذه السياسات، التي تستهدف أيضاً تفريغ المناطق المتاخمة للمدن الفلسطينية من سكانها، عبر تصعيد اعتداءات المستوطنين بدعم حكومي مباشر".
ويشير بشكار إلى أن الضغوط على الفلسطينيين في الفترة المقبلة ليست مقتصرة على الضفة، بل تمتد إلى غزة، حيث تحاول إسرائيل فرض واقع جديد عبر تصعيد عسكري محدود، قد يكون مقدمة لحرب أوسع.
ويقول بشكار: "نتنياهو وحلفاؤه يريدون إعادة العدوان على غزة، بهدف استعادة الأسرى الإسرائيليين، رغم إدراكهم أن ذلك لن يؤدي إلى نتائج مختلفة عمّا سبق".
ويعتقد بشكار أن "الأسبوع المقبل سيكون حاسماً في المفاوضات بين المقاومة والاحتلال، خاصة مع زيارة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للمنطقة، لكن في ظل التصعيد الإسرائيلي، فإن الأيام المقبلة قد تشهد توترات أكبر في الضفة، خصوصاً في القرى والمخيمات التي تواجه ضغطاً استيطانياً غير مسبوق".
فائض القوة في ظل الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل
يوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت، أن تصريحات سموتريتش حول "فتح حرب الجحيم" على قطاع غزة تعكس فائض القوة الذي يشعر به في ظل دعم الإدارة الأمريكية اللامحدود لإسرائيل.
ويؤكد شلحت أن تصريحات سموترش تمثل محاولة منه لتبرير استمرار الحرب على غزة، رغم الضحايا والدمار الكبير الذي خلفته العمليات العسكرية الإسرائيلية هناك.
ويشير شلحت إلى أن إسرائيل نفذت بالفعل حرب الجحيم في غزة، وأن تصريحات سموتريتش بمثابة تهديد باستمرار ما قامت به إسرائيل في غزة، خاصة في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف، موضحاً أن إسرائيل تسعى إلى تصفية كتائب المقاومة الفلسطينية وتدمير البنية العسكرية التي تعتبرها تهديداً.
ويعتبر شلحت أن تصريحات سموتريتش، التي تأتي في وقت حساس، تبرز التماهي الكامل بين المواقف الإسرائيلية والأمريكية، وتؤشر إلى أن إسرائيل مصرة على استئناف الحرب في العام 2025.
ويشير إلى أن إسرائيل، بقيادة حكومة نتنياهو، تتبنى سيناريو حرب مستمر خلال هذا العام، حتى وإن اختلفت كثافة العمليات القتالية.
ويوضح شلحت أن إسرائيل ترى نفسها في حالة حرب مستمرة، سواء كان ذلك عبر عمليات عسكرية محدودة أو تصعيد شامل.
ويعتقد شلحت أن هذا التصور كان نقطة جدل بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية في الفترات الماضية، ولكن الآن يبدو أن العلاقة بين الجانبين قد تغيرت تماماً، خاصة بعد وصول الإدارة الأمريكية الحالية إلى دعم غير مسبوق لإسرائيل.
ويوضح شلحت أن خطاب سموتريتش وتصريحاته حول الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن تُفهم في إطار الدعم الأمريكي الكبير الذي تلقته إسرائيل من الإدارة الأمريكية الحالية، التي لم تعد تتردد في تأييد المواقف الإسرائيلية بشأن وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.
ويشير شلحت إلى أن الإدارة الأمريكية لم تطرح أي خطط بديلة بشأن "اليوم التالي" في غزة، بعد انتهاء العمليات العسكرية، إلا خطة ترمب التي تدعو إلى تهجير سكان غزة، ما يعكس توجهات أمريكا التي باتت تبتعد عن الحلول التقليدية مثل حل الدولتين.
ويلفت شلحت إلى أن ترمب كان قد طرح في ولايته الأولى حل الدولتين، ولكن مع مرور الوقت تراجع عن هذا الموقف، ولم يعد مقتنعاً به كما كان في السابق.
ويوضح شلحت أن إدارة بايدن على الرغم من إعلانها التزامها بحل الدولتين، فإن هناك تراجعاً ملموساً في هذا الاتجاه في ظل تأييدها الواسع للسياسات الإسرائيلية.
في حديثه عن المستقبل العسكري الإسرائيلي، يؤكد شلحت أن المشهد الحالي يظل ضبابياً، مؤكداً أن الواضح في هذا المشهد هو الانحياز الأمريكي التام لإسرائيل، الأمر الذي انعكس على السياسة الإسرائيلية بشكل واضح في عهد الحكومة الحالية.
ويرى شلحت أن ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدعم الولايات المتحدة الإسرائيلي، وهو ما يعطي الضوء الأخضر للوزراء الإسرائيليين مثل سموتريتش لتنفيذ تصريحات متطرفة ومتهورة.
وفي ما يخص العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، يوضح شلحت أنه يمكن الاستدلال على المستقبل من خلال تصعيد العمليات العسكرية في شمال الضفة الغربية، والتي بدأت في 21 يناير 2025 تحت ما يُعرف بـ"حملة السور الحديدي".
ويوضح شلحت أن العمليات العسكرية هذه تعتبر الأكبر منذ أكثر من 20 عاماً، حيث دخلت الدبابات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية للمرة الأولى منذ عملية السور الواقي عام 2002.
ويشير إلى أن هذه العمليات قد تم تعزيزها بقوات من لواء ناحل ووحدات الدفدوفان، كما تم إرسال مدرعات دبابات، وهو ما يعكس تصعيداً كبيراً في العمليات العسكرية.
ويوضح شلحت أن الجيش الإسرائيلي أجبر نحو 40 ألف فلسطيني على مغادرة مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وأصدر أوامر بالبقاء في المنطقة لمدة عام على الأقل بهدف منع عودة الفلسطينيين إلى المخيمات.
ويوضح شلحت أن عمليات الاحتلال في الضفة الغربية، إلى جانب خطط تهجير السكان الفلسطينيين، هي جزء من استراتيجية إسرائيلية جديدة تهدف إلى تفكيك الهياكل العسكرية الفلسطينية في هذه المناطق، كما تحاول ذلك أيضا في قطاع غزة.
ويشير شلحت إلى أن السيناريوهات المستقبلية المتعلقة بكل من قطاع غزة والضفة الغربية تتعلق بتصعيد العمليات العسكرية وتوسيع نطاق الحرب.
ويلفت إلى أن إسرائيل قد تواصل استخدام العمليات العسكرية كوسيلة لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسية في المنطقة، بما في ذلك استمرار الاستيطان وضم الأراضي في الضفة الغربية.
ويرى شلحت أن الوضع الحالي يتطلب مزيداً من الجهود العربية والدولية لضبط التصعيد الإسرائيلي، وأن التصعيد العسكري الإسرائيلي سيستمر طالما أن هناك دعماً أمريكياً غير مشروط لإسرائيل في هذه السياسات.
تصريحات سموتريتش تنسجم مع السياسة الإسرائيلية الحالية
يؤكد الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي، ياسر مناع، أن ما جاء في تصريحات يأتي منسجماً مع السياسة الإسرائيلية الحالية تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة التي تتبع نهجاً متزامناً ولكن بأساليب مختلفة، حيث تسعى إسرائيل إلى إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسياسي الفلسطيني من خلال تصعيد الأوضاع في كلا المنطقتين.
وفيما يخص الضفة الغربية، يشير مناع إلى أن اعتداءات المستوطنين تتزايد بهدف فرض مزيد من السيطرة على الأرض وتغيير معادلات الوجود الفلسطيني، وهذه الاعتداءات تترافق مع استيطان موسع يؤدي إلى زيادة الضغط على الفلسطينيين هناك. وفي المقابل، يتعامل الاحتلال مع قطاع غزة بشكل مختلف، حيث يتم فرض حصار مشدد مع التلويح بالتصعيد العسكري ضد القطاع.
ويؤكد مناع أن هذا الضغط العسكري والسياسي يأتي في إطار إعادة صياغة معادلات القوة في غزة، وترسيخ واقع جديد يسعى الاحتلال إلى تثبيته، وهو ما قد يجعل من الصعب تغييره في المستقبل.
ويشير مناع إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد مزيداً من الضغط على الجانب الفلسطيني، حيث تستهدف إسرائيل إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات سياسية في مفاوضات المرحلة الثانية، وهذا الضغط يشمل محاولات إسرائيل استعادة أكبر قدر من الأسرى الإسرائيليين في صفقة تبادل مع حركة حماس، وكذلك الضغط على غزة من خلال فرض حصار إضافي يشمل منع دخول المواد الأساسية، مثل الغذاء والوقود والمستلزمات الطبية، فضلاً عن قيود إضافية على مواد البناء، وهو ما يفاقم الوضع الإنساني في القطاع.
ويوضح أن إسرائيل قد تلجأ إلى سيناريو "القتال دون الحرب"، والذي يشمل عمليات اغتيال مستهدفة أو توغلات عسكرية محدودة في غزة، دون العودة إلى أسلوب الحرب الواسعة التي شهدها القطاع سابقاً.
لكن، كما يؤكد مناع، هناك غموض بشأن جاهزية إسرائيل لمواجهة المرحلة الثانية من خططها في غزة، وذلك في ظل غياب رؤية واضحة من جانبها حول "اليوم التالي" في القطاع.
مناع يشير إلى أن إسرائيل تعتقد أن الكارثة الإنسانية في غزة قد تؤدي إلى تفاقم الضغوط المعيشية، ما قد يدفع بعض السكان إلى البحث عن الهجرة خارج قطاع غزة.
ويعتبر مناع أن هذا قد يكون جزءاً من استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في القطاع، وهو ما يسهم في تعزيز السياسة الإسرائيلية الساعية لإحداث تغييرات ديموغرافية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
شارك برأيك
أحلام الأصولية التوراتية هندسة الجغرافيا والديموغرافيا في صلب خطة الحسم