د. أحمد رفيق عوض: القرارات تأتي في إطار الاستعداد لمرحلة سياسية جديدة تتطلب تغييرات جذرية لمواكبة التحولات الإقليمية والدولية
محمد جودة: قرارات الرئيس تضعنا أمام تحولات في المشهد السياسي قد تعيد رسم خريطة قيادة "فتح" والمنظمة
د. رائد الدبعي: توحيد "فتح" ضرورة لتعزيز دورها وإعادة تماسكها في ظل التحديات التي واجهتها خلال العقدين الماضيين
خليل شاهين: الإصلاح الحقيقي يجب أن يشمل إعادة هيكلة المنظمة والسلطة وإجراء انتخابات ليختار الفلسطينيون قادتهم
د. قصي حامد: الاختبار الحقيقي لقرارات الرئيس يكمن في تطبيقها من خلال تحرك فعلي نحو إصلاحات بنيوية ومصالحة داخلية
تأتي القرارات الجديدة التي أعلنها الرئيس محمود عباس خلال القمة العربية في القاهرة، باستحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين، إضافة إلى العفو العام عن المفصولين من حركة "فتح"، في ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من حرب إسرائيلية، وفي ظل متغيرات إقليمية متسارعة، ما يثير تساؤلات حول إن كانت القرارات سترسم ملامح المرحلة المقبلة أم لا؟
ويرى كتاب ومحللون سياسيون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن هذه الخطوات تأتي في وقت تواجه فيه السلطة الفلسطينية تحديات كبيرة، على المستويين الداخلي والخارجي، كما تحمل هذه القرارات أبعاداً سياسية تتجاوز الشأن الداخلي الفلسطيني، إذ جاءت بعد ضغوط دولية وعربية تطالب بإصلاحات في مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
ويرون أن هذه التغييرات تفتقر إلى التوافق الوطني، وقد تثير خلافات داخلية، لا سيما في ظل غياب آليات واضحة لتنفيذها.
ويشيرون إلى أنه ومع تعيين نائب للرئيس وإعادة بعض المفصولين من حركة "فتح"، تثار تساؤلات حول مدى تأثير هذه القرارات على المشهد السياسي الفلسطيني، وهل ستساهم في تحقيق المصالحة الداخلية، أم أنها ستزيد من حدة التجاذبات داخل حركة "فتح" ومنظمة التحرير، مؤكدين أن الإجابة عن هذه التساؤلات ستتضح مع تطورات المرحلة المقبلة ومدى قدرة القيادة الفلسطينية على تنفيذ إصلاحات فعلية تواكب المتغيرات الإقليمية والدولية.
استجابة لمطالب فلسطينية وعربية ودولية
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي د.أحمد رفيق عوض أن قرارات الرئيس محمود عباس، المتعلقة بتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين وإعادة المفصولين من حركة "فتح"، تأتي استجابة لمطالب فلسطينية وعربية ودولية تهدف إلى إصلاح وتطوير البنية السياسية الفلسطينية.
ويوضح عوض أن هذه الخطوات تأتي بعد 30 عاماً من تجربة السلطة الفلسطينية، التي شهدت تحولات سياسية عميقة، واجتهادات متعددة، وتأثيرات خارجية، أدت إلى بروز ظواهر سياسية وتنظيمية تتطلب مراجعة شاملة.
ويشير عوض إلى أن انعدام الحياة السياسية، والانقسام الفلسطيني، والتدخلات الخارجية، إلى جانب الانتقال من مرحلة الثورة إلى إدارة مجتمع مدني، كلها عوامل فرضت تحديات كبيرة على بنية السلطة ومنظمة التحرير، ما جعل الإصلاح مطلباً ملحاً في كل الاجتماعات الفلسطينية، سواء داخل المجلس الوطني أو المجلس المركزي أو المجلس الثوري لحركة "فتح".
ويؤكد عوض أن إعلان الرئيس عباس هذه الإصلاحات خلال القمة العربية الاستثنائية يعكس إدراك القيادة حجم التحديات الإقليمية والدولية، وضرورة تجديد الدماء داخل مؤسسات السلطة، بما يشمل تغيير الوجوه، وتطوير الأداء السياسي والإداري، وإحداث انعطافة كبرى في هيكلة الحكم الفلسطيني، من أجل تعزيز الاستجابة لمتطلبات الواقع الراهن.
ويشير عوض إلى أن السلطة تجد نفسها اليوم أمام تحولات خطيرة للغاية، في ظل تصاعد التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، ما يفرض عليها مواجهة هذه التغييرات بقرارات جريئة تحقق المطالب الفلسطينية والعربية والدولية.
ويوضح عوض أن هناك مطالب واضحة من المجتمع الدولي والعالم العربي بضرورة إصلاح السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وضمان إدارة الحكم بشكلٍ شفافٍ ونزيه، مع إعادة هيكلة مؤسساتها لضمان الحوكمة الرشيدة، إضافة إلى تلبية استحقاقات سياسية وأمنية جديدة.
ويشير عوض إلى أن الرئيس عباس قرر تعيين نائب له، وإعادة المفصولين من حركة "فتح"، إلى جانب إصلاحات إدارية ومالية وقضائية، في إطار الاستعداد لمرحلة سياسية جديدة، تتطلب تغييرات جذرية لمواكبة التحولات الإقليمية والدولية.
ويلفت عوض إلى أن توقيت هذا القرار بالغ الأهمية، حيث تأتي هذه الخطوات في لحظة حرجة تجد فيها السلطة الفلسطينية نفسها أمام مفترق طرق، إما الاستمرار والبقاء من خلال التكيف مع المتغيرات، أو مواجهة خطر التهميش والتجاوز.
ويوضح عوض أن هناك أصواتاً إسرائيلية تدعو إلى تجاوز السلطة الفلسطينية وشطبها من المشهد السياسي، ما يجعل الحاجة إلى تعزيز مصداقيتها وموثوقيتها أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لمواجهة أي أخطار.
وفي ما يتعلق بعودة المفصولين من حركة "فتح"، يوضح عوض أن هذه الخطوة قد تعود بالنفع على الحركة، باعتبار أن هؤلاء المفصولين هم جزء من النسيج الفتحاوي، ولديهم قدرات تنظيمية وعلاقات سياسية يمكن أن تعزز مكانة فتح في المشهد الفلسطيني.
ويرى عوض أن قرارات الرئيس عباس تعكس محاولة جادة لإعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني، ومواكبة المتغيرات المتسارعة، بما يضمن استمرارية السلطة وتعزيز موقعها في المشهدين الإقليمي والدولي.
القرارات جاءت ضمن سياق سياسي واقتصادي معقّد
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن إعلان الرئيس محمود عباس، استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين، إلى جانب إصدار عفو عن المفصولين من حركة "فتح"، يمثل خطوة مهمة رغم تأخرها، مشيراً إلى أن هذه القرارات جاءت ضمن سياق سياسي واقتصادي معقد.
ويوضح جودة أن استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير يجب أن يكون جزءاً من إصلاح شامل للمنظمة، عبر إجراء انتخابات للمجلسين الوطني والمركزي، واختيار أعضاء اللجنة التنفيذية على قاعدة التمثيل النسبي لجميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك إدخال حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ويعتبر جودة أن أهمية هذه الخطوة تكمن في أنها قد تُمهد لعودة القيادي محمد دحلان إلى المشهد السياسي الرسمي الفلسطيني، ليكون له دور مهم، وهو تطور قد يحمل تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة.
ويشير جودة إلى أن قرار استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين جاء بعد ضغوطات ومشاورات أجرتها قيادة السلطة مع البنك الدولي، الذي طالب بتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، من اجل استمرار تدفق المساعدات الدولية، خاصة في ظل تنامي التحذير من انهيار مالي محتمل للسلطة.
ويرى جودة أن أهمية قرار الرئيس عباس يأتي في ظل ظروف حساسة تمر بها القضية الفلسطينية، خاصة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتهديد بتهجير سكانه، إلى جانب العدوان المستمر على الضفة الغربية، في ظل أن السلطة الفلسطينية تواجه عزلة سياسية متزايدة، خاصة بعد تصاعد الانتقادات العربية والدولية لأدائها، ووصفها بـالضعيفة والمترهلة.
ويشير إلى أن السلطة الفلسطينية فقدت قدرتها الأمنية والعسكرية في الضفة الغربية، دون أن تمتلك أدوات حقيقية لحماية الفلسطينيين من اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
ويلفت جودة إلى أن الرئيس عباس يدرك جيداً أن القاعدة الجماهيرية لحركة "فتح" في قطاع غزة تتبع بشكل كبير للقيادي محمد دحلان، وبالتالي فإن أي دور للسلطة في غزة بعد انتهاء الحرب لا يمكن أن يتم دون تفاهمات ومصالحة حقيقية مع دحلان وتياره.
ولم يستبعد جودة وجود ضغوط عربية من مصر والإمارات والسعودية على الرئيس عباس وقيادة حركة فتح، لدفعهم نحو المصالحة مع تيار دحلان، بهدف إعادة توحيد الحركة لمواجهة حركة حماس، التي تعززت قوتها بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة، إضافة إلى دعم السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة مستقبلاً.
ويعتبر جودة أن هذا القرار لم يُتخذ وفق البروتوكول التنظيمي المتبع داخل حركة "فتح"، حيث لم يُطرح للنقاش داخل اللجنة المركزية للحركة، ما يدل على أن قرار فصل عدد من قيادات فتح سابقاً لم يكن قراراً تنظيمياً بإجماع الحركة.
ويشير جودة إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى انتقادات حادة داخل صفوف وقيادة فتح، خاصة أن القرار لم يُعرض على الأطر الحركية لاتخاذه بالتوافق.
ويؤكد جودة أن عودة المفصولين تتطلب إصلاحاً جذرياً داخل الحركة، وإعادة تنظيم انتخابات مؤتمرها التاسع، لاختيار قيادة جديدة، خاصة بعد استبعاد قيادات من تيار دحلان.
ويتساءل عمّا إذا كان المفصولون سيقبلون العودة بهذه الطريقة، دون احترام قواعد النظام الداخلي للحركة، ودون مراجعة الإجراءات التي اتخذت ضدهم خلال أكثر من 14 عاماً. كما تساءل عن التهم الحقيقية التي وُجهت إليهم، والتي استُند إليها في قرارات فصلهم من الحركة.
ويعتبر جودة أن هذه القرارات، رغم أهميتها، تفتح الباب أمام تحولات كبرى في المشهد السياسي الفلسطيني، وسط تعقيدات داخلية وضغوط خارجية قد تعيد رسم خريطة قيادة السلطة الفلسطينية وحركة فتح خلال المرحلة المقبلة.
قرارات ليست مفاجئة.. وتعقيدات مختلفة
يوضح رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، د.رائد الدبعي، أن حركة فتح شكّلت منذ توليها قيادة منظمة التحرير عام 1969 نقطة تحول استراتيجية في المشهد السياسي والاجتماعي الفلسطيني، حيث امتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من إطارها الداخلي، لتصبح رمزاً للنضال الوطني المعاصر ومكوناً أساسياً في رسم السياسات الخارجية والعلاقات الإقليمية والدولية للقضية الفلسطينية.
ويشير الدبعي إلى أن حركة فتح لعبت دوراً محورياً في تحديد معالم مستقبل الشعب الفلسطيني واستقرار المنطقة بأسرها، من خلال مسيرة نضالها في عدة ساحات، نتيجة ضرورات المرحلة ومقتضيات النضال، سواء خلال مرحلة التواجد في ساحات الأردن ولبنان وتونس وسوريا، أو من خلال وجود قواعد عسكرية لقوات الثورة الفلسطينية في عدة دول كالعراق واليمن ومصر وليبيا.
ويؤكد الدبعي أن قرار الرئيس محمود عباس بتوحيد البيت الفتحاوي يأتي كضرورة وطنية وإقليمية لتعزيز صمود الحركة وإعادة تماسك صفوفها في ظل تراجع ملحوظ خلال العقدين الماضيين.
ويلفت الدبعي إلى أن السنوات الأخيرة شهدت حالات من الانقسام والفوضى الداخلية، تجلت في عدم القدرة على تشكيل قائمة انتخابية موحدة خلال الانتخابات التشريعية المؤجلة عام 2021 والانتخابات المحلية عام 2022، ما قاد إلى قرار فصل عدد من القادة والكوادر – بعضهم من أعضاء المجلسين الثوري والاستشاري للحركة، وبعضهم ممن قضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال – مما زاد من حالة الفوضى بدلاً من تقوية الروابط الداخلية.
ويرى الدبعي أن قرار توحيد الحركة لا يُعتبر أمراً مفاجئاً بالنسبة لكوادرها، إذ كان المجلس الثوري قد أقر تشكيل لجان للتوصية بعودة أولئك الذين اتخذت بحقهم قرارات سابقة، رغم أن آليات هذه العودة وإجراءاتها لا تزال تحمل الكثير من الغموض.
وبحسب الدبعي، فإن تساؤلات تطرح حول شروط العودة التي كانت قد طرحت في وقت سابق، وخلقت حالة من الجدل الداخلي، وتأزيم الأمور بدلاً من حلها، خاصةً تلك المتعلقة بعدم وجود دعاوى جنائية ضد المفصولين، أو ضرورة قيام من اتخذ قرار بحقهم تقديم عرائض كتابية فردية لقيادة الحركة حول رغبتهم بالعودة والتزامهم بقرارات قيادتها مستقبلاً، وما إذا كانت تلك الشروط ستزيد من تعقيد التنفيذ الفعلي للقرار.
ويشير الدبعي إلى أن التعقيدات الإدارية والسياسية تزداد مع مسألة تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا التعيين: هل سيكون لشخصية واحدة أم لشخصيتين؟ وما هي الإجراءات القانونية والآليات الداخلية (سواءً كان ذلك عبر التوافق أو التصويت داخل اللجنة المركزية أو المجلس الثوري) أو عبر تعديل النظام الداخلي لمنظمة التحرير، وما يسلزمه ذلك من إجراءات قانونية، التي ستحدد مصير هذا التعيين.
ويوضح الدبعي أن الاختيار الفعلي سيكون داخل حركة فتح، فيما ستقوم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باعتماد ما تتوافق عليه الحركة، إلا أن هذا التوافق قد يواجه بتعقيدات مختلفة، لها علاقة بتعدد الطامحين، ومعادلات التوازن الداخلية، والتجاذبات الداخلية داخل حركة فتح، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية.
ويؤكد الدبعي أن دور الإرادة الإقليمية والدولية لا يمكن إغفاله، إذ إن إعلان الرئيس تلك القرارات داخل القمة العربية مؤشر واضح على أن هذه القرارات تأتي كجزء من التفاعل مع المطالب العربية والغربية بإصلاح النظام السياسي الفلسطيني ودمقرطة مؤسساته.
القرارات تفتقر للتوافق الوطني والإصلاح المطلوب
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير ونائب رئيس دولة فلسطين كان يمكن أن يكون له مغزى مهم لو جاء بإرادة فلسطينية خالصة وتوافق وطني على سلسلة من الإصلاحات، وإعادة النظر في بنية منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وآلية صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل عام، إلا أن هذه الخطوة، التي جاءت تلبية لضغوط خارجية، تبدو مجزوءة ولا تلبي حاجة المنظمة إلى إصلاح جوهري يتجاوز مجرد تعيين نائب للرئيس.
ويوضح شاهين أن منظمة التحرير الفلسطينية تعاني من خلل كبير في تمثيلها للشعب الفلسطيني، حيث تآكلت هياكلها ودوائرها على مر الزمن، وتراجعت مكانتها التمثيلية.
ويشير إلى وجود نقص في تمثيل قوى فاعلة وأساسية في الخارطة السياسية الفلسطينية، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى غياب مكونات أخرى من المجتمع المدني والمستقلين والشباب.
ويؤكد شاهين أن الإصلاح المطلوب يتجاوز قضية صغيرة مثل تعيين نائب للرئيس، خاصة أن هذا المنصب يعد شكلياً إلى حد كبير.
ويوضح شاهين أن تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير يمكن أن يتم عبر إجراءات مختلفة عن تعيين نائب لرئيس السلطة، ففي الحالة الثانية يتوجب إجراء تعديلات في القانون الأساسي الفلسطيني، خاصة في ما يتعلق بصلاحيات كل من الرئيس ونائبه.
ويشير شاهين إلى أن الرئيس محمود عباس كان قد اتخذ قراراً سابقاً بتكليف رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، بملء الفراغ الذي ينشأ عن غياب الرئيس عن المشهد السياسي، لفترة انتقالية مدتها تسعون يوماً، حتى يتم إجراء الانتخابات.
ويلفت شاهين إلى أن تعيين نائب للرئيس يبطل هذا القرار، حيث سيصبح نائب الرئيس هو من يتولى مهام الرئيس في حال غيابه.
ويعتقد شاهين أن أحد السيناريوهات المحتملة هو أن يقوم الرئيس بتعديل القرار الخاص برئيس المجلس الوطني، ليوسع صلاحياته ويجعله نائباً للرئيس خلال حياته، ويتولى مهام الرئيس في الفترة الانتقالية في حال غيابه عن المشهد السياسي، سواء بسبب الوفاة أو العجز أو غير ذلك.
ويلفت شاهين إلى أن روحي فتوح يتمتع بميزة كونه من قطاع غزة، ما يجعله مرشحاً مناسباً لمنصب نائب الرئيس.
ويؤكد شاهين أن تعيين نائب للرئيس، وإن كان خطوة مهمة، ليس ذا شأن كبير في إحداث إصلاحات جذرية، طالما أنه لا توجد عملية انتخابية تُمكّن الفلسطينيين من ممارسة حقهم في اختيار قادتهم، سواء الرئيس أو نائب الرئيس أو أعضاء المجلس التشريعي الغائب.
ويشير شاهين إلى أن الجوهري في الموضوع يبقى متعلقاً بآلية صنع القرار، التي تتركز بيد الرئيس، حتى في حال وجود نائب للرئيس، خاصة في ظل غياب المجلس التشريعي وعدم وجود مساءلة أو رقابة على القرارات الرئاسية.
ويؤكد شاهين أن خطوات استحداث مناصب على مستوى نائب الرئيس تتطلب توافقاً وطنياً، وليس فقط توافقاً داخل حركة فتح، خاصة إذا تعلق الأمر بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويشير شاهين إلى أن هناك حديثاً عن إمكانية دعوة المجلس المركزي للاجتماع خلال هذا الشهر، حيث قد يسعى الرئيس من خلال هذا الاجتماع إلى شرعنة خطوة استحداث منصب نائب الرئيس.
وفي ما يتعلق بقضية العفو عن المفصولين من حركة "فتح"، يشير شاهين إلى وجود استغراب من استخدام كلمة "العفو"، التي توحي بأن المفصولين ارتكبوا جرائم تحتاج إلى عفو.
ويوضح شاهين أن الرئيس عباس أعلن هذه المسألة في القمة العربية، دون توضيح ما يعنيه العفو عن المفصولين، خاصة أنهم أعضاء في حزب سياسي وليسوا موظفين حكوميين.
ويؤكد شاهين أن الإجراءات التي اتخذت ضد بعض المفصولين، مثل محمد دحلان وناصر القدوة، كانت قرارات من هيئات حركة "فتح" القيادية، مثل المجلس الثوري واللجنة المركزية، وأن استبعاد هذه الهيئات عن مراجعة أو التراجع عن هذه القرارات يعطي مؤشراً سلبياً على استمرار حالة التفرد في القرار وتهميش المؤسسات.
ويشير شاهين إلى أن عودة المفصولين إلى حركة "فتح" تطرح تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا الأمر، خاصة في ما يتعلق بعودة بعض القيادات، مثل محمد دحلان وناصر القدوة، إلى مناصبهم السابقة.
ويوضح شاهين أن دحلان قد لا يفكر في العودة إلى الحركة، بينما قد يرفض ناصر القدوة العودة بصيغة العفو، خاصة أنه لا توجد عليه قضايا جنائية.
ويشير شاهين إلى أن بعض كوادر تيار الإصلاح، التابع لدحلان، قد يحاولون الاستفادة من القرار والعودة إلى الحركة، خاصة إذا ما عادوا إلى مناصبهم الحركية أو الحكومية السابقة.
ويؤكد شاهين أن حركة "فتح" مقبلة على تغييرات مهمة خلال الفترة المقبلة، ليس فقط بسبب إمكانية عودة المفصولين، ولكن أيضاً بسبب الإفراج عن العشرات من الكوادر الحركية من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بمن في ذلك قادة معروفون مثل مروان البرغوثي.
ويشير شاهين إلى أن توجه حركة "فتح" لإجراء انتخابات داخلية قد يحدث تغييرات في تركيبة قيادة الحركة، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من القادة والكوادر المحررين، حتى لو كانوا خارج الوطن.
ويلفت شاهين إلى أن قرارات الرئيس عباس الأخيرة، وإن كانت تهدف إلى تلبية ضغوط خارجية، تفتقر إلى التوافق الوطني والإصلاح الجوهري المطلوب.
ويؤكد شاهين أن الإصلاح الحقيقي يجب أن يشمل إعادة هيكلة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، لتمكين الفلسطينيين من اختيار قادتهم بشكل ديمقراطي.
خطوة مهمة وضرورية.. لكنها متأخرة
يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، د.قصي حامد، أن قرار الرئيس محمود عباس باستحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين، إضافة إلى العفو عن المفصولين من حركة "فتح"، يُعد خطوة مهمة لكنها متأخرة، مشيراً إلى أن الحاجة لهذه القرارات كانت قائمة منذ سنوات، إلا أن توقيتها الآن يحمل أبعاداً سياسية تتجاوز البعد الداخلي.
ويوضح حامد أن الاختبار الحقيقي لقرارات الرئيس محمود عباس يكمن في "اليوم التالي" لها وتطبيقها عملياً على أرض الواقع، وما إذا كانت قيادة "فتح" ستتحرك فعلياً نحو إصلاحات بنيوية وجمع شمل الحركة وإنهاء حالة التشرذم التي تعاني منها.
ويعتبر حامد أن تعيين نائب لرئيس المنظمة ورئيس دولة فلسطين يُشكل تطوراً مهماً، على الرغم من الحاجة لتعديلات قانونية حول استحداث المنصب في هيكلية المنظمة وتوضيح آلية اختياره أو انتخابه، إلا أنه خطوة ضرورية نحو حسم الجدل حول مستقبل قيادة المنظمة في حال شغور منصب الرئيس، وهو أمر كان يُطرح بقوة في ظل عدم وجود آلية واضحة لانتقال السلطة داخل المنظمة.
ويرى حامد أن هذه الخطوة تأتي استجابة للضغوط الدولية والعربية التي تُمارَس على القيادة لإجراء إصلاحات داخلية تُمكنها من استعادة دورها وتعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي.
ويشير حامد إلى أن هناك ضغوطاً عربية كبيرة على القيادة الفلسطينية، خاصة من الأردن ومصر والسعودية والإمارات، بهدف دفع السلطة الفلسطينية نحو تنفيذ إصلاحات وكذلك داخل منظمة التحرير وحركة فتح، معتبراً أن المجتمع الدولي والدول العربية ينظرون إلى السلطة الفلسطينية حالياً على أنها ضعيفة ومترهلة، وتعاني من الفساد والمحسوبية، وهو ما يجعلها غير مؤهلة للعب دور رئيسي في مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الحالية.
ويوضح حامد أن هذه الإصلاحات شرط أساسي لاستعادة الدعم المالي والسياسي من الدول العربية، التي قامت خلال الأشهر الماضية بتجميد مساعداتها المالية للسلطة الفلسطينية، مشترطة تنفيذ إصلاحات داخلية جوهرية.
ويؤكد حامد أن هذا الضغط العربي يأتي في إطار مواجهة خطة إسرائيلية- أمريكية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، حيث ترى الدول العربية أن إحياء دور السلطة الفلسطينية ضروري لمواجهة هذه المخططات.
وحول العفو عن المفصولين من حركة "فتح"، يوضح حامد أن القرار يفتح الباب أمام إعادة إحياء حركة فتح عبر ضخ دماء جديدة في صفوفها، وإعادة النظر في آليات اتخاذ القرار داخلها، بما يسمح بترسيخ رؤية موحدة تجمع كوادرها على قاعدة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
لكن حامد يحذر من أن هذه القرارات قد تظل حبراً على ورق، إذا لم تُترجم إلى خطوات عملية حقيقية، مشيراً إلى أن القيادة الفلسطينية اعتادت في السابق على اتخاذ قرارات مشابهة دون تنفيذها فعلياً.
ويؤكد حامد أن الوضع الفلسطيني اليوم مهدد بشكل غير مسبوق، ربما منذ نكبة 1948 أو نكسة 1967، حيث تتعرض القضية الفلسطينية لمحاولات تفكيك ممنهجة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى لتفريغ السلطة من مضمونها وإضعاف دورها.
ويشدد حامد على أن هذه المرحلة تتطلب من القيادة الفلسطينية وقيادة حركة فتح أن تتجاوز خلافاتها الداخلية، وتعمل على توحيد الصف الوطني لمواجهة التحديات المتصاعدة، سواء على صعيد الضغوط العربية والدولية أو مخططات الاحتلال المستمرة لفرض وقائع جديدة على الأرض.
شارك برأيك
قرارات الرئيس .. محللون يرصدون المعاني والدلالات والمآلات