أقلام وأراء
الجمعة 28 فبراير 2025 8:42 صباحًا - بتوقيت القدس
المحافظون يتصدرون واليسار يتراجع.. مشهد سياسي جديد في ألمانيا!

رائد محمد الدبعي
رئيس قسم العلوم السياسية وإدارة الدولة/ جامعة النجاح الوطنية
رسمت نتائج الانتخابات الفدرالية الألمانية التي سجلت أعلى مشاركة منذ إعادة توحيد ألمانيا بنسبة بلغت 82.5 %، معالم مشهد سياسي جديد في الدولة التي تشكل أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، وثالث اقتصاد على مستوى العالم، إذ أن أهمية نتائج الانتخابات الألمانية تنبع من أهمية ألمانيا ذاتها، بما تمتلكه من تأثير على مستوى الاتحاد الأوروبي، وصياغة قراراته الاقتصادية والأمنية والبيئية، وكذلك في صياغة السياسات الأوروبية وتعزيز التكامل الأوروبي والتعاون بين أعضائه في مجالات السياسة الخارجية والأمنية المشتركة.
حقق الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU ) فوزًا بارزًا بحصوله على 28.5% من الأصوات، مما يمهد الطريق لزعيمه فريدريش ميرتس لتولي منصب المستشار، فيما مني الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) بأقسى خسارة له منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية، بنسبة لم تتجاوز 16.4% فقط من الأصوات، أما حزب الخضر، فقد نال 11.6% من الأصوات، بينما حصل حزب اليسار (Die Linke) ) على 8.8%، في المقابل فشل الحزب الديمقراطي الحر ( FDP) في تجاوز عتبة الـ5%، مكتفيًا بـ 4.3%، مما أدى إلى خروجه من البوندستاغ. أما حزب " سارا فاغنكنشت " المنشقة عن اليسار "دي لينكه"، فقد استطاع جذب المصوتين له، وإن بقي يصارع على حافة عتبة الحسم المحددة بـ 5% (إذ نال 4.9%)، ولم يدخل البرلمان أيضاً.
شهدت هذه الانتخابات صعودًا لافتًا لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف، الذي احتل المركز الثاني بنسبة 20.8% من الأصوات، مسجلاً أفضل نتيجة له منذ تاسيسه عام 2013.
يعود هذا التقدم لليمين المتطرف في ألمانيا، إلى تداخل مجموعة من العوامل الممتدة من تحول الهوية الطبقية والاقتصادية إلى استغلال مخاوف الهوية والأمن، وفقدان الثقة في الأحزاب التقليدية، والتي كان من تداعياتها شعور العديد من القواعد الانتخابية للأحزاب التقليدية بأنها لم تعد تمثل مصالحهم، مما دفع نحو اللجوء إلى التيارات اليمينية التي تعد بتغيير جذري ونظام سياسي مختلف، كما أن التحولات في سوق العمل والأزمة الاقتصادية قادت نحو خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي جزءاً من قاعدته الانتخابية المتمثلة بطبقة العمال، نتيجة عدم نجاحه في تقديم سياسات تراعي واقعهم الجديد، وهي الفجوة التي تسربت منها التيارات اليمينية لا سيما حزب البديل من أجل ألمانيا للحصول على أصوات الناخبين، كما أن استخدام استراتيجية "هم ونحن "، عبر استغلال مخاوف الألمان في قضايا كالهجرة وتصوير اللاجئين بالخطر على الهوية الوطنية والثقافية قد ساهم في جذب شريحة واسعة من الناخبين الباحثين عن أي مصدر للحماية وتعزيز مقومات المناعة الوطنية، فيما ساهمت الأزمات الداخلية والصراعات داخل قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في تهشم صورة الحزب، وخسارته لعدد كبير من ناخبيه، سواء كانت تلك الخلافات بين التيار المعتدل داخله من جهة، واليساري من جهة أخرى، والذي يطالب بتغييرات أعمق في السياسات الاجتماعية والاقتصادية لاستعادة جوهر الهوية الاشتراكية التقليدية، أو الخلافات حول دور النقابات العمالية وتأثيرها في توجيه السياسات الحزبية، أو اتساع الفجوة بين قيادات الحزب حول شكل التحالفات الحكومية على المستويات الفدرالية والمحلية.
من المتوقع أن يمر تشكيل الحكومة الألمانية المقبلة بتعقيدات كبيرة، وأن تكون مفاوضات الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي مع مختلف الأحزاب السياسية شاقة ومعقدة، لا سيما في ظل الفجوة الواسعة بين مكونات اي سيناريو محتمل حول السياسات الاقتصادية والمالية، والموقف من قضايا الهجرة والاندماج، والسياسات البيئية والتغير المناخي، وقضايا الطاقة، والمناخ، والأمن، وغيرها من القضايا، لا سيما مع إعلان فردرش بيريس عن قراره باستبعاد حزب " البديل من أجل المانيا" من مشاورات تشكيل ائتلافه الحكومي القادم، وتفضيله التحالف مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي، من أجل حكومة مستقرة، تعكس القيم الألمانية الديمقراطية، وتعزز الاستقرار المجتمعي والسياسي في البلاد، يطلق على هذا التحالف اسم، التحالف الكبير (Grand Coalition) ، على الرغم من أن بعض التقارير تشير إلى رغبة غير معلنة داخل الحزب "الاجتماعي المسيحي"، الحزب البافاري الشقيق للديمقراطي المسيحي، لتلمس فتح نافذة خجولة لحزب البديل لأجل ألمانيا المتطرف، إلا أن ذلك يبدو مستبعداً للغاية، نظراً لوجود إجماع لدى مختلف الأحزاب الألمانية بإبقائه خارج السلطة التنفيذية.
يعتبر سيناريو التحالف الكبير، الأكثر ترجيحاً لتشكيل الحكومة الجديدة، إذ يعزز هذا السيناريو الحاجة للاستقرار السياسي والاقتصادي، والتاريخ المشترك بتشكيل حكومات ائتلافية، بدءاً من حكومة كورت جورج كيزينغر " 1966- 1969” التي شغل خلالها فيلي براندت موقع نائب المستشار ووزير الخارجية، مروراً بثلاثة ائتلافات خلال رئاسة أنجيلا ميركل للحكومة بدءاً من عام 2005, وانتهاء بعام 2021، تعزز هذا السيناريو، إلا أن التباينات العميقة حول التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لا سيما في مجال السياسات الضريبية والإنفاق الاجتماعي، فضلاً عن كيفية التعامل مع التحديات الإقليمية والدولية، وكذلك معارضة القواعد الحزبية من كلا الحزبين له، ستجعل من مفاوضات التحالف معقدة وشاقة وتتطلب تنازلات مشتركة، إلا أنه يبقى تحالف الضرورة والأمر الواقع والأقل تكلفة لدى الحزبين مقارنة بتكلفة الفرص البديلة المتمثلة بالتحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف.
أما السيناريوهات الأخرى، فتتباين ما بين متوسطة التحقق إلى متدنية للغاية، فعلى الرغم من أن تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر في تحالف ثلاثي ممكن الحدوث، إلا أن التباينات العميقة في مجالات البيئة والطاقة والهجرة والأمن وكذلك المعارضة الداخلية من كل مكوناته يجعله أكثر تعقيداً، لكنه متوسط فرص النجاح، بينما تبقى فرص سيناريو تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي مع كل من حزب الخضر وحزب اليسار متدنية للغاية، نظراً للخلافات الأيدلوجية الضخمة، لا سيما في القضايا الاقتصادية وقضايا الدفاع والسياسة الخارجية، والمعارضة الداخلية له من حيث المبدأ، إذ أن المواقف اليسارية الراديكالية لحزب اليسار بما في ذلك مطالبته بإعادة توزيع الثروة، ورفضه لعضوية ألمانيا بالناتو يجعل من فرص هذا السيناريو منخفضة للغاية، وهو الأمر الذي ينطبق على سيناريو تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، إذ أكد فردرش ميرتس في أكثر من مناسبة أنه لن يتحالف مع البديل من أجل ألمانيا، نظرا لمواقفه المتطرفة وخطابه العنصري ضد المهاجرين والمسلمين ومعاداته للاتحاد الأوروبي، وما قد يخلقه هذا التحالف من توترات داخلية على المستوى الألماني أو داخل دول الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من دعوة فردريش بيرس نتنياهو لزيارة ألمانيا، وتجاوزه للقانون الدولي وقرار الاعتقال الصادر بحقه من محكمة الجنايات الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والذي يعتبر مؤشراً على انحياز الحكومة القادمة مع إسرائيل وجرائمها ضد شعبنا الفلسطيني، إلا أننا لا نستطيع الاعتبار أننا فلسطينياً فقدنا أصدقاء لنا في أوروبا، كما هو الحال في خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في السويد، إذ أن الحكومة الألمانية السابقة والتي تكونت من أحزاب يسارية وتقدمية، برئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، ومشاركة حزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر، انحازت بشكل صارخ للاحتلال الإسرائيلي، سواء كان ذلك عبر زيادة صادراتها من الأسلحة لإسرائيل، أو عبر قمع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في برلين وغيرها من المدن الألمانية، أو عبر إعلان الحكومة الألمانية عن نيتها التدخل إلى جانب إسرائيل في القضية المرفوعة ضدها من قبل جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، والمتعلقة بجرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، أو عبر عشرات التصريحات المنحازة لاسرائيل، بما في ذلك المستشار الألماني أولف شولتز الذي أكد التزام بلاده بتقديم الدعم العسكري لإسرائيل، مشددًا على ما أسماه حقها في الدفاع عن نفسها، وتصريحات أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية أمام الجمعية الاتحادية الألمانية في أكتوبر 2024، بأن "الدفاع عن النفس يعني بالطبع تدمير الإرهابيين، وليس مهاجمتهم فقط"، وزعمت أن حماس تختبئ في التجمعات المدنية والمدارس، مما قد يفقد هذه الأماكن وضعها المحمي، وهو الأمر الذي يبرر اعتداء إسرائيل على الأماكن المدنية في قطاع غزة .
ومن المتوقع أن يقوم برنامج الحكومة الألمانية القادمة على تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تقليل البيروقراطية وتقديم حوافز للشركات، والتعامل مع الركود الاقتصادي، وتبني سياسات مالية تهدف إلى إنعاش الاقتصاد بالاضافة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، إذ من المتوقع أن يقر البرلمان الألماني صندوقا دفاعياً جديداً بقيمة 200 مليار يورو قبل نهاية الدورة التشريعية الحالية، أما على صعيد السياسة البيئية، فمن المتوقع أن يلتزم الائتلاف الحكومي القادم بأهداف المناخ، بما في ذلك التزام ألمانيا بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2045، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، مع إمكانية مراجعة تلك السياسات لتتوازن مع أولويات التنمية الاقتصادية، أما في موضوع الهجرة واللجوء، فمن المتوقع تشديد سياسات الهجرة عبر مراجعة قوانين اللجوء، وعلى صعيد السياسة الخارجية فمن المتوقع تبني سياسات تقوم على تعزيز الدور الأوروبي وتقوية دور ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، مع التركيز على تحقيق استقلالية أوروبية أكبر في مجالات الدفاع والاقتصاد، خاصة في ظل التوترات مع بعض الحلفاء التقليديين.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
قمباز... أبو شاويش
عمر رحال
القمة العربية هي تعبير عن تحولات النظام العربي الجديد
محمد المصري
التكيف مع السياسات الأمريكية لن يحمي أحداً من تداعياتها المستقبلية
مروان إميل طوباسي
الإدارة الأمريكية على يمين الحكومة الإسرائيلية
أحمد رفيق عوض
صمود فلسطين بدعم عربي
حمادة فراعنة
قمباز.... أبو شاويش
د. عمر رحال
صفقة وقف إطلاق النار أو إطلاق سراح الرهائن: استراتيجية للمماطلة والضم وتوسيع المستوطنات وإنهاء حل...
دلال صائب عريقات
مفاجأة أوجلان.. هل تثبط استراتيجية إسرائيل
جودت مناع
فلسطين أمام وعدي بلفـور وترامـب!
نبهان خريشة
ترامب التهم زيلنسكي مباشرة على الهواء
راسم عبيدات
فشل مفاوضات المرحلة الثانية لحرب غزة
حمادة فراعنة
مشادة القرن!
ابراهيم ملحم
لا للسجن والسجّان
حديث القدس
تقدير موقف...المطلوب من حركة "حماس" لاستعادة توازن الشعب الفلسطيني وتقليص الأعباء
المطلوب إعادة هندسة العلاقات والمواقف
من التحديات إلى الفرص.. جدلية الفقد والتكوين في معالجة الفاقد التعليمي
ثروت زيد الكيلاني
محاولة (1) .. في البحث عن وسيلة للخروج من عنق الزجاجة
د. غسان عبد الله
من يحرر القلوب الثكلى من أحزانها؟!
ابراهيم ملحم
تبادل من دون تفاؤل
حديث القدس
البرد يقتل الأطفال موتًا ويقتلنا عجزًا
بهاء رحال
الأكثر تعليقاً
الشيخ يبحث مع وزير الخارجية السعودي التحضيرات للقمة العربية الطارئة في القاهرة

تلاسن بين ترامب وزيلينسكي ينسف اجتماعهما والأخير يغادر البيت الأبيض
مشادة ترمب- زيلينسكي.. نهج جديد في الدبلوماسية الخشنة
وكالة بيت مال القدس تطلق حملتها السنوية لشهر رمضان من قرية النبي صموئيل بالقدس

لليوم الـ33: الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها

خطة إسرائيلية لإدارة قطاع غزة تثير شكوكا بشأن الانسحاب العسكري
الاحتلال يهدد بقطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة إذا لم تُطلِق حماس مزيدا من المحتجزين
الأكثر قراءة
محدث: إصابة شاب برصاص الاحتلال واعتقاله جنوب نابلس

نتنياهو يعقد مشاورات الليلة مع عودة فريق المفاوضات من القاهرة

قرب نفاد احتياطيات إسرائيل من الغاز يكشف عن مطامعها بغاز غزة

وسط معاناة شديدة.. أهالي جنين ومخيمها يستقبلون رمضان مشردين نازحين
كاتس: نُسرِّع إنشاء مكتب لتهجير غزة ولن نغادر مخيم جنين قبل عام
ترمب يستدعي الذكاء الاصطناعي ...أحلام التهجير تتراءى في "فيديو" قصير!
الرئيس يصدر قرارا بتعيين اللواء العبد إبراهيم خليل قائدا لقوات الأمن الوطني


أسعار العملات
الإثنين 03 مارس 2025 2:04 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.6
شراء 3.58
دينار / شيكل
بيع 5.07
شراء 5.05
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 746)
شارك برأيك
المحافظون يتصدرون واليسار يتراجع.. مشهد سياسي جديد في ألمانيا!