أقلام وأراء
الجمعة 24 يناير 2025 12:52 مساءً - بتوقيت القدس
صفيح الضفة الساخن
مع إعلان قادة دولة الاحتلال، وبالتزامن مع إجراءات وقف العدوان على شعبنا في قطاع غزة، عن تحويل ساحة الضفة الغربية إلى ساحة حرب رئيسية مرة أخرى، ها هي الضفة الغربية، تشهد واحدة من أكبر ذروات العدوان عليها، بل تكاد تكون كل بقعة جغرافية منها هذه الأيام مسرحاً من نوع خاص لاعتداء يرقى من جهته إلى مستوى جريمة الحرب.
لقد صعدت جرائم المستعمرين إلى مستويات غير مسبوقة، ليس على صعيد الإحصائيات والأعداد والمؤشرات وحسب، بل على صعيد المنحنيات الخطرة التي باتت منهجاً ثابتاً لدى المستعمرينوصناع قرارهم داخل حكومة الاحتلال؛ جرائم مستمرة دون توقف، تهدف إلى إجبار أصحاب الأرض على الرحيل، هذا ليس هدفاً سرياً بالمناسبة، بل يعلنه قادة دولة الاحتلال جهاراً نهارا، وطوال الوقت، ومن جهة موازية تستمر آلة التدمير في اقتحام قلب المدن الفلسطينية، لا سيما في شمال الضفة الغربية، بكامل إمعانها في تخريب البنية التحتية واستهداف المخيمات وإعدام الناس دون أن تكون رفة الجفن واردة في ثقافة الطارئين على الزمن الفلسطيني العتيد.
إن جرائم المستعمرين، التي تتجاوز فكرة العنف البدائي، إلى مبدأ الإرهاب المرعي من المؤسسة الرسمي، لا يمكن النظر إليه باعتباره معزولاً عن السياق الاستعماري، بل أصبح مؤسساً في هذا السياق، يقترف الحرائق والإعدام وترحيل المواطنين، والأخطر من ذلك، أن دولة الاحتلال أصبحت تحميه ببيئة تشريعية حاضنة، تقدم له الدعم والرعاية والحصانة.
وفي الجهة المقابلة، وإذ تتفنن دولة الاحتلال في اختراع أسباب قهر الفلسطينيين، وعلى امتداد جغرافية الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، بحواجز الجحيم التي تحرق الوقت والصحة والعيش، فإن هذا التفنن في تحويل حياة الفلسطيني إلى جحيم وعذاب مستمر، لم يكن ليكون إلا لأن العالم توقف تماماً عن كونه حارساً لحقوق الإنسان، ورادعاً لمسلكيات الإجرام التي ينتهجها كيان الاحتلال الأخير على وجه الأرض والتاريخ، ليترك الفلسطينيالأعزل في محصلة الأمر فريسة البلطجة والتوحش.
وفي خلفية مسرح الأحداث المرعب الذي يعصف في الأرض الفلسطينية هذه الأيام، كانت الأصابع تشير إلى وعودات ائتلافية قميئة قدمها رئيس حكومة الاحتلال لوزراء الصهيونية الدينية من أجل صدهم عن إسقاط الحكومة، ثمة ما يؤشر من جديد إلى ذهن احتلالي مريض يرى بالانقضاض على الفلسطينيين وجغرافيتهم ونمط حياتهم ودمائهم مادة للسياسة والتفاوض من أجل حسابات سياسية رخيصة، هذه المادة لم تبدأ بالطبع هنا وفي هذا الوقت، بل بدأت من لحظة صفر الاحتلال، التي تصاعدت على مدار سبعة عقود ووصلت إلى واحدة من أخطر ذرواتها هذه الأيام.
لقد أثبتت دولة الاحتلال، وعلى مدار سنوات الاحتلال الطويلة، أن منهجية الإغلاق الشامل للجغرافية الفلسطينية، المتمثلة بالحواجز والمعابر والبوابات وجدار الضم والتوسع، لم يكن الهدف منه التحكم في سير وحركة الفلسطينيين على الشوارع وحسب، بل أرادت من خلال ما يزيد عن 898 بوابة وحاجزا وساتراً وجدار يصل طوله إلى أكثر من 700 كم، يقضم الأرض ويتلوى فيها مثل الأفاعي، أن تعيد تشكيل الجغرافية الفلسطينية بأهواء المحتل المريضة، محيلة جغرافية الفلسطينيين ووجودهم إلى معازل وكانتونات ضيقة، طاردة للعيش والسكن، وخاضعة لأعتى منظومة الرقابة والتحكم في حياة الواقعين أسفل الاحتلال، معدمة تماماً إمكانية التواصل ليس فقط بين محافظتين متجاورتين، بل تتعداها إلى إعدام التواصل بين القرية والقرية التي تجاورها.
وعلى الطرف المقابل من كل ذلك، لم تتوقف منهجية السيطرة على الأرض ونزع ملكية الأرض من أصحابها الأصليين لحظة واحدة، في منهجية أبعد ما تكون من خلاله عن العشوائية، بل في إمعان في إحكام القبضة والسيطرة على المفاصيل الاستراتيجية من الجغرافية الفلسطينية، من أجل تحقيق هدف إعدام إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل، مشرعة هذه الجغرافية المسلوبة لموضعة المزيد من المستعمرات والبؤر الاستعمارية، حتى تكون مسرحاً للوصول إلى هدف المليون مستعمر مع حلول العام 2030وهو الهدف الذي أعلنه ما يسمى بمجلس المستوطنات، وهو الذراع السياساتي الاستعماري لدولة الاحتلال، الذي أثبتتالدلائل والمعطيات في الفترة الماضية أنه المسؤول عن رسم سياسات الاستيطان الاستعماري فيما تتولى أذرع دولة الاحتلال الرسمية مهمة تنفيذ هذه السياسات بالحذافير.
لم يكن لهدف المليون مستعمر أن يتحقق،ـ وهذا ما يدركه تماماً قادة مشروع الاستيطان الاستعماري، إلا بمجموعة كبيرة من الإجراءات، تتجاوز إقامة المستعمرات والبؤر، بل تتعداها إلى منح امتيازات بمليارات الشواكل تعيد صياغة البنية التحتية والشوارع ومشاريع الطاقة وأبراج الاتصالات والضرائب المخفضة في الأرض الفلسطينية لصالح المستعمرين، وقبضة أمنية محكمة على رقاب الفلسطينيين، تبدأ بإغلاق الشوارع ولا تنتهي عن حدود طردهم وتفريغ جغرافيتهم تماما.
إن الشعب الفلسطيني وهو يقف هذه الأيام على محك المخططات السوداء، التي تحاك في عتمة الغرف المغلقة، وقد أثبت تماماً أثناء النكبة وبعدها وأثناء النكسة وما تلاها، وأثناء المجازر وما خلفته من ندوب وجروح في وعيه الجمعي على قدرته على المواجهة، وقدرته على الصمود والاستمرار، لا بد له هذه الأيام يحمل أدواته القديمة المحمولة على الوعي والصبر والعقيدة إلى أفق أرحب للمواجهة، أفق يقوم على الوحدة الوطنية المنضوية أسفل استراتيجية وطنية تشمل الكل الفلسطيني، تعالج الصدوع الداخلية، بالتمتين والرفعة والوعي، وتنطلق إلى العالم لإيصال رسالة وحقيقة ما يحدث، تحشد أحرار العالم، وتبني جبهة جديدة تنحاز للعدل وإنصاف حقوق المقهورين في أطهر بقاع الأرض، فلسطين.
مؤيد شعبان
رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
رسالة إلى ترمب .. لن يرحل الشعب
حديث القدس
تأملات حداثية في معجزتي الإسراء والمعراج
مسعود ريان
يتعاملون مع مسألة التهجير كأنها عمل خيري
د. أحمد رفيق عوض
الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين
حمادة فراعنة
الضفة الغربية بين "السور الواقي" و"السور الحديدي"
أحمد عيسى
عندما "تُحرَّم" الأرض على أهلها ؟
عطية الجبارين
الصفقة اليوسفية بعد أن حصحص الحق
وليد الهودلي
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
عريب الرنتاوي
وللحرية باب
بهاء رحال
قدسية الأسرة في القدس.. بين التحديات والحلول
د. فريال رياض التميمي
"الأيديولوجيا تسقط من جيبي": قراءة في ديوان "في البيت وما حوله" لعبود الجابري
نداء يونس
بين يدَي الذكرى العطرة
إبراهيم ملحم
السجن ما بسكّر على حدا..!
ابراهيم ملحم
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
كتب: عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية
٢٥-١-٢٥ يوم للتاريخ
حديث القدس
بوابات وحواجز قهر وإذلال وامتهان كرامة
راسم عبيدات
الحرب على الضفة هي الأسوأ منذ النكسة
د. عقل صلاح
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
إياد أبو روك
مأزق نتنياهو وهزيمته
حمادة فراعنة
مفاوضات صفقة تبادل الأسرى هل هي مستدامة؟
د. دلال صائب عريقات
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته (4) ..سوريا... "فرحة" اللحظة و"قلق" السياق
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
الاحتلال يمنع عائلة أبو حميد من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر
حكومة نتنياهو توعز للجيش الإسرائيلي بألّا ينسحب من القطاع الشرقي بجنوب لبنان
خلافات حادة بين عائلات المحتجزين بغزة وبن غفير خلال جلسة بالكنيست
آلاف النازحين يبدأون بالعودة إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد
من «خطة سيناء» لـ«صفقة القرن»... محطات تاريخية في محاولات «تهجير الفلسطينيين»
الأكثر قراءة
مغازلة أبو مرزوق لواشنطن استراتيجية أم تكتيك؟
قدورة فارس: الفلسطينيون المبعدون سيبقون بالقاهرة لترتيب وجهتهم
الأشقاء نصر ومحمد وشريف أبو حميد يتنسمون الحرية وتم إبعادهم خارج فلسطين
وزارة الداخلية بغزة توضح بشأن عودة النازحين إلى الشمال غداً
قائمة الأسرى الذين ستُفرج عنهم "إسرائيل" اليوم ضمن صفقة التبادل
الهلال الأحمر الفلسطيني ينفي شائعات استبدال الأونروا في القدس الشرقية
إعلام مصري: الأسرى الفلسطينيون الـ70 المبعدون يتجهون إلى القاهرة
أسعار العملات
الأربعاء 22 يناير 2025 9:11 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.54
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 505)
شارك برأيك
صفيح الضفة الساخن