أقلام وأراء
الأحد 02 فبراير 2025 8:34 صباحًا - بتوقيت القدس
التربية الإيجابية
أبدأ هذه المقالة بعرض حوار بين الطفل والسلحفاة.
يحكى أن أحد الأطفال كانت لديه سلحفاة يطعمها ويلعب معها، وفي أحدى ليالي الشتاء الباردة جاء الطفل لسلحفاته ووجدها دخلت في غلافها الصلب طلباً للدفء، فحاول أن يخرجها ليلعب معها فأبت، فضربها بالعصا، ولكن لم تعبأ به ثم صرخ فيها فزادت تمنعاً، وفي تلك الأثناء بعد سماع الصراخ دخل عليه والده وهو غاضب، وقال له: ما بك يا بني؟ فحكى له رفض سلحفاته الخروج من مخبئها لتلعب معه، فابتسم الأب وقال: دعها وتعال معي، ثم أشعل الأب المدفأة وجلس بجوارها يتحدث مع ابنه الصغير، رويداً رويداً، وإذ بالسلحفاة تخرج من مخبئها وتقترب منهما طالبة الدفء، فابتسم الأب وقال لابنه: الناس كسلحفاتك هذه، يريدونك أن تدفئهم بعطفك ولطفك لينصاعوا إليك، وينزلوا عند رأيك، وإن أنت أكرهتهم بشدتك وبعصاك فسيعصونك، بل يكرهونك.
وأقول هنا: التربية الإيجابية هي نمط تربوي يقوم على استخدام كلمات إيجابية ولغة ناعمة مثل: التقدير لسلوكيات الإيجابية، التوجيه، التحفيز، التشجيع، التنويع في التواصل،التعزيز، التنوير، التوعية، التدريب، التغيير، الترغيب والتأثير من خلال القدوة.
وتهدف إلى بناء علاقات إيجابية بين الآباء والأبناء وبين المعلم والمتعلم لتنمية شخصية المتعلم الاجتماعية، وهي تقوم على استعمال الكلمات الناعمة الإيجابية، وهي طريقة تقوم على تحويل العوائق إلى فرص والتفكير الإيجابي يسطر لك قصة نجاح مختلفة. ابدأ كل يوم بفكرة إيجابية تغير مجرى حياتك، التربية الإيجابية ليست مجرد نموذج تربوي بل هي فلسفة تقرر حق الأطفال في بيئة آمنة جذابة، شيقة مشجعة ممتعة، ما يساهم في تطوير شخصية الطفل وقدراته على التعامل مع تحديات الحياة، وتهدف أيضا إلى بناء جسور من المحبة والفهم والثقة بين الأهل والطفل من ناحية، والمعلم والمتعلم من ناحية.
ويقول وايت هيد 1992: ليس هناك نمو عقلي دون اهتمام، فالاهتمام مفتاح الانتباه والاستيعاب.
ويقول أحمد شوقي : إنما التربية فكر وحياة تنير الطريق وتهدي الرجال
المستقبل يبدأ من هنا، فكل جيل يربى على الإيجابية يساهم في بناء مجتمع أفضل لأن التربية الإيجابية هي فن وعلم، تساهم في تشكيل شخصية الطفل وإعداده للحياة، وإن ألد أعداء التربية الإيجابية هو التلقين والروتين الصفي، الذي يقتل الاهتمام والرغبة عند الطفل. ويرى خليل السكاكيني الذي طالب بـتربية تقوم على إعزاز التلميذ لا إذلاله، أن التلقين هو تعليم بنكي من حيث المضمون وقمعي من حيث الشكل، ويقول ابن خلدون: إن قهر المعلم للطالب لفظياً وسلوكياً يفسد معاني الإنسانية، وقد طالب كل من جون ديوي وباولو فريرو والسكاكيني بأنسنة التعليم، ويقول مصطفى محمود: إن الأطفال هم بذور المستقبل، ازرعهم في تربية من الحب والرعاية واسقهم بالتشجيع والتقدير، يزدهرون ليصبحوا أشجاراً قوية تظلل العالم بالخير.
وتقوم التربية الإيجابية على :
1- الاحترام المتبادل وتشجيع التواصل المفتوح الهادف بين الأهل والأبناء والمعلم والمتعلم.
2- تعزيز السلوك الجيد وتجاهل السلوك السيء.
3- خلق بيئة جذابة شيقة ممتعة في البيت والمدرسة حتى يشعر الأطفال بالأمان.
4- التركيز على المهارات الاجتماعية من خلال المهارات التي تساعد الأطفال على التفاعل إيجابيا مع الآخرين.
5- تجنب الانتقاد للطفل والمتعلم ومقارنته بالآخرين.
6- تشجيع الأطفال على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية.
فوائد التربية الإيجابية:
بناء الثقة بالنفس من خلال التشجيع والتقدير والتحفيز/ تحسين العلاقات الاجتماعية/ تقليل السلوكيات السلبية من خلال توجيه الأطفال نحو السلوك الإيجابي/ تعويد الأطفال في البيت والمدرسة على تحمل المسؤولية.
اقتراحات لتطبيق التربية الإيجابية من خلال :
1-التواصل الفعال الإيجابي واستخدام لغة ناعمة وكلمات إيجابية محفزة أثناء الحديث مع الطفل.
2-إعطاء مكافآت عند تصرف الأطفال بشكل مقبول.
3- القدوة الحسنة، أن يكون الأهل والمعلم قدوة في السلوكيات الإيجابية التي يرغبون في غرسها في الأطفال.
4- تفهم الأهل والمعلم مشاعر الأطفال ومساعدتهم على مواجهة التحديات.
5- تنظيم ورش عمل وندوات ولقاءات توعوية.
6- المشاركة في الأنشطة داخل المدرسة وخارجها.
7- تقديم تغذية راجعة تحفيزية مشجعة إرشادية.
وأقول للمعلمين، كونوا كالإبرة التي تخيط وتجمع ما مزقه المقص، كونوا قارباً، كونوا سلماً، كونوا مصباحاً، كونوا ملجأ، كونوا شمعة، كونوا كالماء.
ومرة أخرى أقول للمعلمين: لا تطفئوا مشاعل العقول عند الأطفال، حيث يأتي كثير من الأطفال إلى المدرسة وهم يتوقدون ذكاء، ويشتعلون حماساً ويفيضون حيوية ولديهم استعداد كبير للإبداع، ولكنهم يقعون في أيدي مدرسين يرون حب الاستطلاع وقاحة، ويعتبرون النشاط الزائد إزعاجاً، ومن ثم يسكبون على هذه الجذوة ماء بارداً يحولها إلى فحمة سوداء لا ترسل ضوءاً، ولا تشع حرارة وينضم الطفل إلى مجموعة من الأطفال سبقوه في مضمار الخمود والانطفاء.
وهنا لا بد من التأكيد على تأثير الكلمات في التربية الإيجابية، لأن تأثير الكلمة يومياً سواء كانت مع الآخرين أو حديثاً مع النفس، فالكلمة تمثل قوة هائلة في حياة الطفل وتؤثر على عقله ومشاعره وسلوكه، وهي ليست مجرد أصوات توجه للآخرين وهي إشارة ترسل إلى العقل، فعند استخدام كلمات إيجابية يتم تحفيز الدماغ مما يجعل المستمع يشعر بالسعادة وإذا كان المتعلم يمارس التحدث الذاتي بشكل يومي، مثل: أنا أستطيع/ أنا قادر/ أنا أريد أن أتعلم/ سأنجح، فإن ذلك يعزز ثقته بنفسه والعكس صحيح، إذا قال: لا أستطيع/ لا يمكن/ مستحيل فإن ذلك يحفز الشعور بالضعف والتوتر، مع العلم أن كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء المترددين.
أنا أؤمن بقوة الكلمات وتأثيرها ولكن البعض يتكلم قبل أن يفكر في وقع وأثر الكلمة على الآخر، فالكلمة تكسر الطالب أو تغير حياته للأبد.
وهنا سأعرض بعض المقولات والاقتباسات عن التربية الإيجابية وسأبدأ بقوله تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" /"إليه يصعد الكلام الطيب" /الكلمة الطيبة صدقة
- على المعلم أن يختار كلماته كما يختار ملابسه وكتبه وأصدقاءه ومسكنه.
- كلمة بتجنن وكلمة بتحنن/ النجاح موجود فأنت تصنعه/ لا شيء مستحيل ما دام هناك نشاط وإصرار وطموح/ التغافل هو السر الذي يمكنها تحويل الظروف السلبية إلى إيجابية.
ويقول أفلاطون: لا يتعلم الناس بالقوة والإكراه بل بالحب والحماس.
- حكمة صينية: الطريق إلى القلب يبدأ من الأذن، وإن المجتمعات الناهضة هي التي تمد يدها للفرد وليس لسانها.
ويقول محمد علي كلاي :الذي لا يوجد لديه خيال و ليس له أجنحة لن يطير
- المدح الصحيح يجعل الطفل مبدعاً.
- كلما أعطيت الطفل توقعات إيجابية كلما كان أداؤه أفضل.
- ويقول جاكرسو: الحقيقة الأساسية هي أن الإنسان يولد طيباً ولكن المجتمع يجعله فاسداً ورفض أساليب التلقين التي تجعل من الطفل مستقبلاً سلبياً للمعلومات وأن التربية لا تقتصر على الحفظ وتعلم العلوم والمعارف بل يجب أن تركز على التربية الأخلاقية.
ويقول جبران خليل جبران: هنيئا لمن يحمل اللطف في قلبه واللين في روحه والجمال في أخلاقه.
ويقول جون ماديسون إن العلاقة بين المعلم والمتعلم هي العالم الأكثر تأثيرا في نجاح العملية التعليمية وتقوم على الاحترام المتبادل والاهتمام الجاد بمشاعر الطالب.
وتقول إيلين هيل إن التعليم في بيئة مليئة بالضغوط يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدافع مما يؤدي إلى كراهية الطالب للمدرسة.
الكلمات كالبذور ولكنها تغرس في القلوب وليس في الأرض، لذا احترس مما تزرع وراعي ما تقول فقد تضطر أن تأكل ما زرعته.
وأخيراً، أقول إن التربية الإيجابية ليست مجرد نمط تربوي بل هي فلسفة شاملة تقوم على مساعدة الأطفال وزيادة قدرتهم على التعامل مع تحديات الحياة وتقوم أيضاً على بناء جسور من الثقة والتفاهم بين الأهل من جهة والمعلم والطلاب من جهة أخرى، وتهدف إلى تعزيز قيم الحب والتشجيع والثناء والابتعاد عن التهديد والتعنيف والتأنيب، والتربية الإيجابية هي فن وعلم مبني على الفكر الذي يساهم في إعادة تشكيل شخصية الطفل وإعداده للحياة.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
الذكاء الاصطناعي في التعليم.. قفزة نحو المستقبل أم تحدٍّ أخلاقي يلوح في الأفق؟
سارة الشماس
نتنياهو ومبررات استئناف الحرب
حديث القدس
نحو علاقات أردنية أوروبية متزنة
حمادة فراعنة
إلى أين يا زكريا؟
وصال أبو عليا
ترامب ومخطط التهجير
عطية الجبارين
لا للتهجير.. نعم للإعمار
بهاء رحال
صفقة القرن.. الموسم الثاني
د. دلال صائب عريقات
اللاجئون الفلسطينيون إلى أين ؟
حديث القدس
معادلة: حذاري.. الذئب مجروح يلعق دمه
حمدي فراج
وعــــد آرثر بلفور وأوامر دونالـد ترامــب
فـوّاز إبراهيـم نـزار عطية
جولة ويتكوف.. بين حسابات واشنطن وتل أبيب والحق الفلسطيني
مروان إميل طوباسي
الذكاء الاصطناعي مقابل البشر: من يتفوق؟ وكيف يمكن تحقيق دخل إضافي عبر تقنياته؟
صدقي أبوضهير
المارد القادم من الشرق: ثورة "الديبسيك"
بقلم: عبد الرحمن الخطيب، مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ترامبُ والتَّهجيرُ القَسريُّ: مُخطَّطُ الهَيْمَنةِ الجَديدُ
بقلم: ثروت زيد الكيلاني
حكاية وطن
حديث القدس
أمريكا دونالد ترمب.. نـزعـة انـعـزالـيـة وطـمـوحـات إمـبـريـالـيـة!
ماهر الشريف
قانون السماح للمستوطنين بتسجيل أراضٍ في الضفة تحايل على القانون الدولي
مدحت ديبه
من جديد.. المنطقة على موعد مع سياسة دونالد ترمب الهدامة
تيسير خالد
ترمب وسياسة الهوية الجندرية.. تحديات الاستقطاب الداخلي وتأثيرات العلاقات الدولية
فادي أبو بكر
التهدئة في لبنان.. الغموض سيد الموقف
راسم عبيدات
الأكثر تعليقاً
مجزرة طمون.. إبادة تُحاكي غزة وتمهد لضم الضفة
حرق المصحف وأثار غضباً.. مقتل عراقي بالرصاص في السويد
الزبيدي: حريتي منقوصة والهجمة على الشعب كبيرة
أبو عبيدة يعلن رسمياً استشهاد محمد الضيف ومروان عيسى
الأمم المتحدة: أكثر من 423 ألف مهجّر فلسطيني عادوا إلى شمال غزة
ترامب يصر أن مصر والأردن ستستقبلان المهجرين الفلسطينيين من غزة
الاحتلال يفرج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار
الأكثر قراءة
ترامب يبحث الثلاثاء مع نتنياهو سيناريوهات التهجير لغزة واحتمال العودة للحرب
أبو عبيدة يعلن رسمياً استشهاد محمد الضيف ومروان عيسى
الأمم المتحدة: أكثر من 423 ألف مهجّر فلسطيني عادوا إلى شمال غزة
ترامب يصر أن مصر والأردن ستستقبلان المهجرين الفلسطينيين من غزة
زكريا الزبيدي... «التنين» الذي عذّب إسرائيل يُفرج عنه في إطار الهدنة
الزبيدي: حريتي منقوصة والهجمة على الشعب كبيرة
إعلان أسماء الأسرى المحررين من سجون الاحتلال ضمن الدفعة الثالثة من التبادل
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 547)
شارك برأيك
التربية الإيجابية