Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:16 صباحًا - بتوقيت القدس

إرث الواقع العربي والحاجة إلى تيار تقدمي ديمقراطي جامع

 

ما تعيشه سوريا اليوم كنموذج عربي هو انعكاس لتعقيدات داخلية مجتمعية وإقليمية ودولية. فمن جهة، ترك النظام المستبد الوراثي للأسد الأب والأبن إرثا ثقيلاً من القمع والفساد والانغلاق السياسي في ظروف عربية معقدة لم يترك الاستعمار فيها مجالاً للاستقرار على مدى قرن من الزمن حتى اليوم، فَسادَ الظلم فيها كما في غيرها من الدول الوطنية، وانعدمت العدالة بمساهمة منا نحن حتى أوصلنا أنفسنا لما نحن عليه من حال اليوم دون أي سعي لمواجهة ذلك بشكل جاد لغياب رؤية أو إرادة، قد تعرض أصحابها في حال وجودها الى الظلم ودفع الثمن فكانوا نموذج تجربة قاسية في بلاد العرب التي يفترض أن تكون أوطاننا.

من جهة أخرى، فقد استغلت قوى ما تسمي نفسها بالإسلام السياسي هذا الفراغ نتيجة واقع هذه الأنطمة وممارساتها لتقديم نفسها كبديل، يقود "ثورة تصحيح"، بينما كانت هي الأخرى في الواقع أداة لتحقيق أجندات خارجية قد مارست ما هو أبشع من ذلك عبر تاريخها وتراثها ومفاهيمها التي لا تقبل الآخر.

على الصعيد الأوسع، فإن ما يحدث في سوريا كنموذج ليس منعزلاً عن سياق طبيعة المجتمعات العربية التي عانت وما زالت تعاني من غياب الديمقراطية والتعددية والتراجع السياسي، زهو ما ساهم به تراجع دور الأحزاب القومية النهضوية واليسارية والتقدمية التي تركت ولاعتبارات مختلفة الساحة فارغة أمام صعود الإسلاموية السياسية في مجتمعاتنا، والتي تعمل وفق مشروع عالمي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين. هذا المشروع، الذي بدأ بخدمة الاستعمار البريطاني، بات اليوم أداة أميركية لتعزيز الهيمنة في المنطقة، وفرض التقسيمات الجيوسياسية التي تخدم اهداف مصالحها.

منذ انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في حزب البعث العربي الاشتراكي، حوّل النظام مؤسسات الدولة إلى أدوات لخدمة مصالحه الضيقة، وقضى على أية تعددية سياسية، ما ترك سوريا في حالة من الجمود السياسي، كما ترك غيرها من الدول العربية. ورغم الشعارات الواسعة لتلك الأنظمة القومية، أدت سياساتها إلى تدهور الدولة وتفككها، ما مهد الطريق أمام القوى الخارجية والجماعات المتطرفة للعبث بمستقبل سوريا والعراق ومصر ولبنان وغيرها.

فأصبح إرث النظام أحد أسباب الانهيار الحالي، حيث فشل في حماية الدولة، بل أسهمت سياساته في أن تكون الدبابات الإسرائيلية اليوم على بعد بضعة كيلومترات من دمشق أو حولها، وشن هجمات جوية غير مسبوقة على كل الأراضي السورية دون أن تدفع ثمناً لذلك.

غياب المشروع الوطني الديمقراطي في سوريا والمنطقة فتح الباب أمام الإسلاموية السياسية لتظهر كبديل. هذه الحركات، رغم افتراض كونها جزءًا من النسيج الاجتماعي العربي، تعمل بمنطق عالمي تابع لجماعة الإخوان المسلمين دون رؤى وطنية.

 

معتمدين على الفكر التكفيري والدعم الخارجي، فقد استقدمت هذه الحركات مقاتلين مرتزقة أجانب من القوقاز، وجمهوريات روسيا، وتركيا، ما عزز صورتها كمشروع عابر للحدود يفتقر إلى الرؤية الوطنية. فإذا أرادت هذه الحركات أن تكون جزءًا من الحل، فعليها أن تتوقف عن كونها جزءاً من المشكلة المتصاعدة، وأن تتبنى خطاباً وطنياً يعترف بالتعددية وقبول الآخر وبالقيم الديمقراطية ولطبيعة الدولة المدنية، ووقف استيراد المقاتلين، والابتعاد عن الإرهاب والتكفير، والعمل من أجل المصلحة الوطنية للمجتمع والدولة لكي تكون فعلاً جزءاً من النسيج الاجتماعي. 

لعبت الأحزاب القومية النهضوية واليسارية والشيوعية دوراً مهما في معارك الاستقلال الوطني، ولاحقاً في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وساهمت في نهوض العمل الوطني العربي والتنوير الثقافي ومواجهة مشاريع الإستعمار، لكنها تراجعت إلى حد كبير بفعل أخطاء استراتيجية في معالجة الواقع العربي ومن خلال تغييبها لمفهوم المشروع القومي في مواجهة مشاريع اخرى بالمنطقة، وفي تغليب الأممي على القضايا الوطنية، وانشقاقاتها المتكررة، الأمر الذي أضعف مكانتها ودورها الطليعي المفترض في مجتمعاتنا العربية التي فرض عليها ثقافة التخلف والإلحاق.

هذا الفراغ في الساحة السياسية العربية ترك المجال مفتوحاً أمام الإسلاموية السياسية لتقديم نفسها كبديل، رغم افتقارها إلى مشروع وطني حقيقي، واعتمادها على أجندات خارجية كانت ترى فيها قندهار بأهمية أكبر من القدس.

مع تفكك الدولة السورية وغيرها من الدول، لم تتأخر إسرائيل في استغلال الفراغ ولعب دور اللاعب الأساسي ضمن حجارة شطرنج المنطقة، فباتت هي من يشكل واقع استراتيجيات المنطقة الجيوسياسي لفرض هيمنتها على المنطقة بالشراكة والدعم الأميركي المطلق.

إن مستقبل سوريا بأهمية مكانتها بكل المعايير والمنطقة العربية يتطلب إنشاء تيار وطني ديمقراطي تقدمي واسع لا تهم التسميات بشأنه، يعمل على منع أفغنتها أو صوملتها، تيار واسع يجمع القوى المختلفة على أسس وطنية بمنهج ديمقراطي، ليكون بديلًا عن استبداد الأنظمة الديكتاتورية في محتواها أو الإسلاموية السياسية في مخاطرها.

هذا التيار لا يجب أن تقتصر مهامه ورؤيته على العمل من أجل الحريات والتعددية السياسية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والدولة المدنية، بل لوضع رؤية تقترن ببرنامج وأدوات عمل من أجل هزيمة المشروع الصهيوني الاستيطاني، الذي يسعى لفرض مشروع "إسرائيل الكبرى" على المنطقة، مستغلاً حالة الانقسام والتفكك وصراع اللاعبين بالمنطقة.

 هذا التيار يجب أن يشكل رافعة حقيقية للحوار المجتمعي والتعددية السياسية والفكرية بهدف الوصول إلى إشاعة القيم الإنسانية ومكانة وقيمة الإنسان العربي كصاحب حق بالحياة في وطن حر والقرار بمستقبله، حتى لا تبقى الكتابة فقط هي الوطن الذي نعيش فيه أحرار.

دلالات

شارك برأيك

إرث الواقع العربي والحاجة إلى تيار تقدمي ديمقراطي جامع

المزيد في أقلام وأراء

مقياس النصر والهزيمة في المعارك غير المتكافئة.. طوفان الأقصى نموذجاً

محمد النوباني

بعد الهدنة.. يجب محاسبة مجرمي الإبادة

مجدي الشوملي

الإنجاز الحمساوي

حمادة فراعنة

لحظة ما بعد العدوان

عزام عبد الكريم رشدي الشوا

رأفت صالحة يجسد رسالة الهيئة وروح غزة التي لا تنكسر

د. عمار الدويك

الأمل الأخير للأسرى الأمنيين من فلسطينيي 48

إبراهيم عبدالله صرصور

دروس "الطوفان" وارتداداته(3) انكشاف "الدولة" العربية

د. اياد البرغوثي

ليس بعد الليل إلا فجر مجدٍ يتسامى!

ابراهيم ملحم

"الوظائف الأسرع نموًا بحلول 2030: مستقبل المجالات الأكثر طلبًا"

بقلم : صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

كيف نحمي أطفالنا من إدمان الذكاء الاصطناعي؟

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

التحدي الأكبر خلال الهدنة: استعادة مكانة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سياسية، ومنع الاحتلال من العودة لتنفيذ مخططاته في الابادة والتهجير

وليد العوض

رحلة الجسر تُكلِّف عائلة مقدسيّة ألف دولار

داود كُتّاب

غدر الاحتلال

حديث القدس

هذه الحرب التي تقترب من نهايتها.. ماذا قالت وماذا كشفت؟

راسم عبيدات

كفى تكراراً للأخطاء والعبث بمصير الشعب الفلسطيني

إياد أبو روك

انبعاث الفينيق ودموع فرح الناجين في غزة

مروان أميل طوباسي

خطاب النصر

حسام أبو النصر

التّكَافُل الاجتماعي في الإسلام

د. دعاء يوسف سلامة

الإرادة انتصرت على الإبادة

حديث القدس

الضفة الغربية بين مطرقة الجيش الإسرائيلي وسندان المستوطنين

عقل صلاح

أسعار العملات

الأربعاء 15 يناير 2025 8:59 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.63

شراء 3.6

دينار / شيكل

بيع 5.12

شراء 5.1

يورو / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%57

%43

(مجموع المصوتين 445)