أقلام وأراء
الأربعاء 15 مايو 2024 9:27 صباحًا - بتوقيت القدس
عن القدس في ظل حرب الإبادة
تلخيص
وفي ظل الإبادة، وفي ظل محو المدن بأرض النخيل والبحر، والقتل المجاني، ومحرقة العصر، وفي ظل الصمود الأسطوري رغما وإرغاما، وفي ظل لغة المدافع والأحاديث السياسية الخجولة، وفي ظل الحقد على ابن كنعان، والعربي العدناني وابن البتول وكل تاريخ الأساطير المحكية، تصمت أم المدائن ويعبرها الجند المدججون بالحقد الأعمى على الحجر قبل البشر، والانتقام سيد الموقف لبسالة ابتسامة تحت الركام في غزة المقهورة، والقدس تدفع الثمن والأثمان منذ البدايات، حيث القتل هناك والحصاد هنا في أزقتها، حيث أنهم بأزقتها العتيقة يرتعون بوقاحة المتزنر بسلاح بن غفير القادم من بلاد ما بين النهرين، والأسوار تنام باكرا ويهجرها عشاقها ومجانينها، وتختبئ خلف القلاع على أصوات الأنين لعذابات المقهورين بكل مدائن التيه والتوهان، وتلك المسماة بارض الرباط حتى الرمق الأخير لحياة من لا حياة لهم في كنف معادلة وجع القتل والاحتراق. وهي التي لم تغير لغتها يوما منذ العهد القديم، ولم تقبل ان تتلقح بغير لقاح أبجديات يبوسية وان كانت العبرية تحاول أن تجد لها مكمنا ومكانا.
مرة أخرى يكون حديثنا عن القدس وللقدس وحول القدس ولن نمل قرع جدران الخزان، ووسط كل هذا الضجيج لا حياة لمن تنادي إذا ما ناديت حيا، حيث أننا نجد أنفسنا مجددا أمام فرض حقيقة القدس، وماهية القدس في المعادلة الإنسانية عموما. فمن جديد نكتشف أن للقدس حسابات أخرى غير حسابات باقي المدائن، فالقدس تاريخيا تحررنا من هزائمنا ومن انكساراتنا فيما نحن نسعى إلى تحريرها، وهي توحدنا فيما نجهد من أجل توحيدها، وهي تفتح لنضالنا الآفاق الواسعة فيما نحاول أن نكسر من حولها القيود، ذلك أن القدس تجمع الأمة بكل مكوناتها، كما الإنسانية بكل حضاراتها وثقافاتها وأديانها، بل في القدس تنكشف العدوانية الفعلية لكارهي الإنسان بشكله الآدمي، وللفعل الصهيوني بكل أبعاده، لا على أهل القدس وحدهم، ولا أبناء الأمة كلها، بل على الكون بأسره. معادلة القدس تفرض نفسها وحضورها في ظل غياب الضمير الإنساني الحر المتحرر من كل أشكال الضغط وحسابات المصالح الإقليمية والدولية، وتلك المتعلقة بحسابات الأنظمة والدول وحسابات البزنس للشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات التي أصبح لها كلام الفصل بحسبة صناعة القرارات السياسية للدول وللأنظمة. القدس بكل مرة تفرض نفسها وتفرض حضور قضاياها والصراع متأجج بكل أشكاله، طالما أن منطق الضاد يفرض نفسه ولن يكون الكلام إلا كلاما عربيا، متناقض وعبرانية الكلام وأساطير حكايا تلموديه.
القدس لا شك أنها تعيش اليوم واحدة من مسلسلاتها الهادفة إلى تأويلها وتأويل وقائعها وتُفتح معاركها ببشرها وحجرها وتهجير إنسانها، في محاولة لتفريغها من محتوياتها وتزييف حقائقها. وهي التي تسهم بإثارتنا وإثارة كل حساسيات وحسابات التاريخ واستحضاره. وما من استكانة فلسطينية والقدس نازفة ليل نهار.
القدس هي التي تفرض الحرب وقد تفرض برد السلام، وقد تكون بوابة العبور للشقاق والخلاف حينما يكون التفريط بثوابتها سيد اللحظة، ومن المؤكد أنها حجر الزاوية الأساسي في التصالح وتوحيد الصفوف وإنجاز العمل الوحدوي لكل أطياف اللون الفلسطيني والعربي على مختلف وتنوع المشارب الفكرية والأيدلوجية، عندما يصبح التشبث بالحقوق الراسخة ثابتة ثبوت تلالها.
هي معيار الثوابت والتمسك بها، وهي مقياس التشبث بقومية العرب إن كان للعروبة من فاعلية بهذا الصدد، وهي التي تملك مفاتيح الولوج إلى كل ضفاف الإنسانية ومستوياتها، فلكل شعوب المعمورة مكامن بها وبصمة من بصمات حضارتهم. والصراع عليها وفيها ليس بالجديد، ولنا أن نقول إنه صراع يأخذ الطابع البشري الحضاري، حيث الصراع الدائر الآن في ثناياها إنما هو الصراع الفعلي ما بين أقطاب معادلة الخير والشر، وهو انعكاس لطبائع الأمور منذ الأزل، ففقيرها يصارع أباطرة الظلام الساكنين على هوامشها ومن يدعون زورا وبهتانا أنهم أسيادها، والقدس لا تعترف بسادة أو أمراء فيها، حيث أنها من تصنع السادة والأمراء إن هم عشقوها وتمرغوا بترابها وعايشوا أقاصيصها وحكاياتها وجالوا بأزقتها وتنشقوا عبق أبخرتها، واعتلوا أسوارها وانشدوا أهازيج أغانيها ورتلوا مزاميرها وفككوا النقوش الموسومة على جدرانها.
ولا بد من الإدراك هنا أن فلسطين بدون القدس معادلة مبتورة وغير مقروءة او مفهومة المعالم، ولا يمكن ان تستوي رموزها وحسبتها، ولا بد من الإدراك أيضا أنه ومن خلال القدس وفعل القدس تتغير معالم العوالم، فاذا كانت غزة محاصرة وعداد القتلى في ثناياها لا يتوقف، فالقدس تعيش أعتى أشكال الحصار، وإن كان كسر الحصار ووقف إطلاق النار في غزة فعلا ضميريا بامتياز، فلا بد من الإدراك أن كسر الحصار عن القدس فعل نضالي وكفاحي أساسه العمل بشكل متواصل وبكافة السبل والإمكانيات المتاحة والممكنة، وأن تظل خياراتنا مفتوحة ولنا الحق دائما بذلك.
من المهم العلم والكل يعلم أن القدس معيار صدق القادة وكذبهم، ومقياس الفعل النضالي أو الإرتكان لمخططات حكومات تل أبيب المتعاقبة، وبالتالي لا بد أن تعتبر قضاياها هي محور الفعل الأساسي لكافة الأطر الوطنية والرسمية في النشاط السلطوي للسلطة الفلسطينية، إلا أن الحقيقة وللأسف قد تكون مغايرة بعض الشيء، فكثيرة هي خطابات الاستجداء التي تجد طريقها على طاولة هذا المسؤول أو ذلك المتنفذ دون جدوى، ومعطيات الواقع الراهن تؤكد الكثير من القصص والروايات.
فقير القدس لا يملك إلا أن يقوم بمخاطبة سادتنا في محاولة منه لأن يتعلق بقشة الغريق، وتكون الردود معلومة ومعروفة، بل إنه يتوقعها، وأنياب التخريب تباشر في ممارسة أفعالها وتضيع القضية والمسألة التي تنتظر القرار السديد من حضرة سيد الباب العالي، وتذهب أدراج الرياح كافة الطلبات المقدمة لمد يد العون. وكل ذلك ناجم عن عدم وجود خطة استراتيجية فعلية لمواجهة السياسات الاحتلالية في القدس، التي اعتمدت وتعتمد أسلوب التشتيت وبعثرة القضايا على أكثر من صعيد ومستوى لإرباك الجانب الوطني في القدس، وفي ظل ضياع منهجية العمل الوطني والتعاطي مع القضايا بشكل انفرادي وفردي وشخصي، ومن ليس له بواكي ستضيع طلباته، وبالتالي سيكون الضياع الفعلي للقدس.
لا بد من انقلاب بمفاهيم التعامل مع القدس ولفظ قوانين أوسلو، التي تعتبر بحكم الفهم الدولي والمنطق العملي قد انتهت صلاحياتها وأصبحت غير ملزمة لأي من أطرافها، وحيث أن الجانب الفلسطيني الرسمي ما زال يراهن على إمكانية إحداث اختراق دراماتيكي في الفعل السياسي التسووي، وفعل الاختراق لن يحدث طالما أن الرهان يعتمد أولا وأخيرا على مسار العمل التفاوضي ليس أكثر.
وإذا كان للقدس من مكان في ظل متغيرات العوالم العربية وما تشهده من فعل انقلابي، فلا بد من تحديد القدس في خطاب من ينتفضون الآن بكل أزقة العواصم المرتعشة والمهتزة في ظل هتافات ميادين التحرير في تلك المدائن، حيث ان للقدس حضور لا بد من فرضه في أزقة تلك المدائن، وهي التي لم تنطق كلمتها حتى اللحظة تجاه أم المدائن العتيقة.
وإذا أردنا للقدس أن تظل عربية ناطقة بلسان قحطاني عدناني، فلابد من مراجعة الذات لأولي الأمر في عوالم العرب، للكيفية التي يتم التعامل فيها مع قضايا القدس.
دلالات
سالم المشني قبل 6 شهر
القدس قدسنا والأرض والسماء سماؤنا ولن نموت ما دامت تنجب أمهاتنا وإن لناظره قريب
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
7 مجازر و120 شهيدًا بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
حرب غزة تخطف 18 ألف طفل فلسطيني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 92)
شارك برأيك
عن القدس في ظل حرب الإبادة