أقلام وأراء

الثّلاثاء 14 مايو 2024 9:48 صباحًا - بتوقيت القدس

العدالة الدولية البطيئة أشد أنواع الظلم!!

تلخيص

قدمت دولة جنوب أفريقيا بتاريخ 29/12/2023 دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، اتهمت بموجبها إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، خارقة معاهدة الإبادة الجماعية لعام 1948 والداخلة حيز النفاذ عام 1951، والمصادق عليها من قبل الكيان ودولة جنوب أفريقيا.


لم تضيع محكمة العدل الدولية (المحكمة) وقتا، بل سارعت لعقد جلسات استماع لكلا الفريقين من أجل إصدار قرار تمهيدي احترازي في الدعوى الأصلية قبل أن تصدر قرارا في الدعوى ذاتها، لأن المحكمة كانت تعلم علم اليقين أن القرار النهائي في الدعوى الأصلي سيستغرق سنوات طوال. وبالفعل أصدرت قرارا تمهيديا في 26/01/2024 طالبت فيه إسرائيل بالامتناع عن أعمال الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني واتخاذ جميع الوسائل لمنعها.


لم تلبث دولة جنوب أفريقيا أن تقدمت بطلبين لذات المحكمة تحثها باتخاذ مزيد من الإجراءات الإضافية بعد أن لا حظت تراخيها في طلبها الأصلي، وفي ظل الإعداد للهجوم على رفح، لكن المحكمة رفضت الطلب الأول لجنوب أفريقيا وتنظر هذه الأيام بطلبها الثاني. والأمانة العلمية تقتضي منا القول أن المحكمة طلبت من الكيان اتخاذ تدابير ضرورية وإضافية إزاء مطالب حياتية للشعب الفلسطيني كالماء والكهرباء والغذاء والدواء والوقود والملابس والنظافة والصرف الصحي والرعاية الصحية والمأوى وتقديم المساعدات. لكن أي مراقب محايد وموضوعي لم يعلم أية إجراءات أو تدابير اتخذها الكيان لتنفيذ هذه المتطلبات التي غدت أثرا بعد عين رغم قرار المحكمة.


وكان تعليق بعض المعلقين الموضوعيين على قرار المحكمة الذي قوبل بكثير من البهجة المتسرعة في الشارع العربي والفلسطيني وعلقت عليه آمال كبيرة ومبالغ فيها، أن قرار المحكمة قد شابَهُ نقصٌ خطير، حينما لم ينص على وقف فوري لإطلاق النار أو وقف الأعمال العدائية الشامل، كما حصل في النزاع الأوكراني الروسي، وكأن المحكمة تبنت معيارا مزدوجا بشكل خفي. ونحن نرى ونلمس الآن الأثر المباشر لذلك النقص غير المبرر بشكل جلي وواضح، حيث تسبب موقفها المتراخي الذي اضطلعت به المحكمة آنذاك وبعد ذاك والعدوان الإسرائيلي المتواصل والدعم الغربي أمريكيا وأوروبيا للعدوان الإسرائيلي تحت ستار حجة الدفاع عن النفس، والخذلان العربي والإسلامي، في مزيد من سفك الدم الفلسطيني من شهر كانون الثاني وحتى شهر أيار الحالي بآلاف من الشهداء، ويعلم الله وحده متى يتوقف شلال الدم الفلسطيني وكم سيكون حصيلته من الشهداء والجرحى الأبرياء.


بل ذهبت المحكمة بعيدا، حينما طالبت بالإفراج الفوري عن "المختطفين الإسرائيليين"، وبدون طلب من أحد، وتجاهلت بشكل تمييزي فاضح وواضح، الأسرى الفلسطينيين سواء قبل السابع من أكتوبر لعام 2023 أو بعده الذين بلغوا آلافا. وللأسف تجاهل الكثيرون من المبتهجين بهذا القرار تلك الفقرة من قرار المحكمة التمهيدي ووصفها البائس لرجال المقاومة.


رغم تبدل رئاسة المحكمة من أمريكية إلى لبناني واعتقاد البعض أن له معنى، رغم أنه أمر بروتوكولي شكلي لا يقدم ولا يؤخر، ما زالت المحكمة تراوح مكانها، حيث تقف عاجزة عن اتخاذ قرار تمهيدي بوقف إطلاق النار أو وقف الأعمال العدائية، رغم أن عدد شهداء فلسطين قد تجاوز الخمسة وثلاثين ألفا والجرحى تجاوزوا المائة ألف، وأشدد على أنه قرار تمهيدي، ولم نصل بعد للقرار الحاسم في الدعوى الذي سيأتي بعد سنوات عجاف.
يبدو أن المحكمة نسيت أو تناست أو تجاهلت أن الحرب ظرف طارئ، بل هي أشد الظروف قسوة وشدة وثقلا حيث تهدر أهم الحقوق وعلى رأسها الحق في الحياة وسلامة الجسد، لذلك هي تحتاج إلى إجراءات سريعة شديدة تتناسب مع الظرف ذاته. فالسلم والحرب ليسا سيان، ولا يمكن أن تتساوى الإجراءات القضائية فيهما، بل شتان ما بينهما. وهذا ما قرره القانون الداخلي العادي، بحيث تجيز الدساتير سن قوانين الطوارىء في زمان الحرب والفتن الداخلية. وللأسف طبقت المحكمة الإجراءات العادية في الأزمان الاستثنائية، ولم تأخذ بعين الاعتبار الدمار ونزع الحياة للغزاويين.


وهذا ما تنبهت له دولة جنوب أفريقيا، في طلبيها الثاني والثالث. لكن للأسف الشديد، رفضت المحكمة الطلب الثاني متذرعة بأعذار واهية، وما زالت تنظر المحكمة بالطلب الثالث. وفي تقديري، يجب على المحكمة أن تعطي عامل الزمن أهمية قصوى، وبناء عليه تقوم بإصدار قرارها، وأن تغير توجهها القانوني، على الأقل من ناحية القرار التمهيدي.


رب قائل، ما دام القضاء الدولي والقانون الدولي بهذا الضعف والهزال، وليست له مخالب، ويتم تسييسه من قبل القوى الكبرى، فلماذا اللجوء إليه والاحتماء به من عسف الظالمين والخارقين له. صحيح أن الرأي الاستشاري للمحكمة بشأن الجدار لعام 2004 لم ينفذ، وتقرير جولد ستون قابع في مخازن مجلس حقوق الإنسان، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة علاها الغبار في أرشيف الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية يهددها القاصي والداني، ومدعيها العام كريم خان لا يجرؤ على إصدار مذكرة جلب وإحضار لمجرمي الحرب الإسرائيليين، لكن الحقيقة تقول إن القضاء والقانون الدوليين هما عنصران من عناصر القوة، فدوام الحال من المحال، فليست القوة العسكرية الظاهرة وحدها هي القوة المؤثرة والوازنة، بل هي في النهاية عسكر واقتصاد وقانون ووحدة وطنية ودين واجتماع. 


ويجب أن نتذكر دائما وأبدا، ورغم ألمنا الشديد أن القانون الدولي في كل فروعه ينظم علاقات بين دول ذات سيادة وهذه هي الطامة الكبرى فلا تقيسوا عليه القانون الداخلي حيث لا سيادة لأحد سوى الشعب.


من هنا، نفهم عنوان هذه المقالة، فلو قدر للمحكمة أن تصدر قرارا بهذه الدعوى، فيكون قد استشهد مائة ألف فلسطيني وفلسطينية على الأقل وفق المعيار الحالي. وقتها، ما قيمة هذا القرار القضائي الأجوف الفارغ ولو أنه أنصف الفلسطينيين وأدان الإسرائيليين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية؟ عن أية عدالة نتحدث؟ وهل هي عدالة الشهيد بعد استشهاده من جهة تراخت في عملها واتبعت الإجراءات والإثباتات العادية الروتينية في الزمن العادي واستغرقها ردحا من الزمن؟ مثل هذا القرار بعد هذا الزمن الطويل، بكل تأكيد، هو أشد أنواع الظلم ولو لبس رداء العدالة!!

دلالات

شارك برأيك

العدالة الدولية البطيئة أشد أنواع الظلم!!

المزيد في أقلام وأراء

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024م

كريستين حنا نصر

نزع الشرعية عن دور "الأونروا" سابقة خطيرة

حديث القدس

هل بدأ العد العكسي للعدوان؟

هاني المصري

إسرائيل وليس نتنياهو فقط.. من مأزق إلى مأزق

حمدي فراج

غزة والانتخابات الأمريكية

مجدي الشوملي

الهدنة المحتملة بين استمرار الحرب والحصاد السياسي

مروان اميل طوباسي

خيار الصمود والانتصار

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%19

%81

(مجموع المصوتين 522)