أقلام وأراء

الجمعة 03 مارس 2023 11:18 صباحًا - بتوقيت القدس

بن غفير والمقدسيين

بقلم : د. عزمي بهاء الدين أبو السعود*


بعد العمليات الاستشهادية في أحياء القدس مؤخراً أعلن وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير بالتهديد بإلغاء جميع الحقوق الممنوحة للمقدسيين الذين لهم قرابة أولي أو صلة بمنفذي تلك العمليات ضد الإسرائيليين. وكان ذلك بمثابة الخطوة الأولى لفرض سياسة وواقع جديدين محاولا تعديل القانون بإلغاء جميع تلك الحقوق المدنية كأحد أنواع العقاب الجماعي هو بمثابة إعلان حرب.

فقد أكد وزير الامن القومي ان البعد الأمني هو السبب الرئيسي لتعديل هذا القانون علماً بأن البعد الديمغرافي هو السبب الحقيقي الذي حذرت منه جميع الحكومات السابقة بأن الخطر الذي قد يفرض من خلال الفلسطينيين واقعاً جديداً وحتمياً على اعتبار أنهم أكثرية داخل الدولة اليهودية ولأن ما يميز دولة إسرائيل أنها دولة اليهود ويتجلى ذلك بصورة قانون العودة الممنوح فقط لمن هو يهودي .

إذا كان موضوع الأمن هو السبب الرئيسي لإلغاء جمع شمل الفلسطينيين فإن تأكيد تلك النظرية بالأمثلة التي أضفت عليها الشرعية كانت ضعيفة جداً لعدم إعطاء تفصيلات بخصوص العمليات التي اعتمدتها الحكومة لإلغاء تلك الحقوق, إذ لم تظهر التحقيقات ان كانوا مشاركين أو على معرفة مسبقاً في تلك العمليات. وكيف تم تجنيدهم في صفوف التنظيمات الفلسطينية؟ وكيف ساهموا وساعدوا فعلياً في تلك العمليات ؟

إن ضبابية هذا الموضوع وضع الحكومة الإسرائيلية بموقع المساءلة ولكن مادام السبب هو الهاجس الأمني فقد تغلبت تلك الحكومة على جميع تلك العقبات ووجدت المبررات واستطاعت الحصول على ذلك التعديل.

إن أهداف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الحقيقية هي عدم منح الفرصة للفلسطينيين بأن يتساوى مع الإسرائيليين ديمغرافياً وخصوصاً في القدس المحتلة, لذا فأن الإحصائيات الإسرائيلية الأخيرة أكدت أن متوسط العائلة الفلسطينية داخل الخط الأخضر ومنطقة القدس المحتلة هو خمسة أشخاص بينما متوسط العائلة الإسرائيلية هو طفلان للعائلة الواحدة. وتتفاوت الأعداد عند الجماعات المتدينة من أربعة الى خمسة أنفس, لذا فإن مفهوم الأمن للدولة العبرية لا يعطيها الحق بإلغاء حق أساسي من حقوق مواطنيها على الرغم من أنها انتزعت تلك الشرعية من معقل الديمقراطية(الكنيست الإسرائيلي).

وبما أن دولة إسرائيل ترى أنها جزء من هذا العالم وأحداثه وعلى وجه الخصوص ما حدث للولايات المتحدة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر والذي على أثره تم تحديد آلية دخول الأجانب وخصوصاً الجانب الأمني حيث أن الدول الغربية ترى اليوم دخول الأجانب لأراضيها المسبب الأول لعدم الاستقرار والقلقلة الأمنية, ولأن دولة إسرائيل كمثيلاتها من تلك الدول فإنها لها الحق بعدم السماح بإعطاء الإذن بالدخول إلى أراضيها لمن ترى بأنهم يشكلون خطرا على أمن مواطنيها بالدرجة الأولى, ولأن إسرائيل اليوم كما أكد المدعي العام في صراع مسلح حقيقي ( armed conflict) مع السلطة الفلسطينية فإن لها الحق بإلغاء تصاريح الدخول لجميع مواطني القدس الشرقية وخصوصاً من لهم قرابة من الدرجه الأولى او صلة او ساعد بالتحريض بطرده من المدينة إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية

إن ما تنتهجه الدولة العبرية من قرارات في هذا الخصوص ما هو إلا صورة لما تنتهجه الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص الدخول إلى أراضيها. إن القانون الجديد الذي ينص على إلغاء الحق لتقديم طلبات جمع الشمل والذي ربطته تلك الحكومة بالوضع الأمني وأبعاده السلبية على مواطنيها معزية الأمر للأعمال المسلحة التي تخوضها مع السلطة الفلسطينية ومواطنيها ,وبما أن هذا التعديل للقانون المؤقت والمرتبط بشكل مباشر بالوضع السياسي والأمني الخاص بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وبما أن الدولة العبرية ملزمة بالتعامل مع تلك القضايا الخاصة والناتجة عن الوضع الجيو سياسي لمبادئ ذلك الصراع والمميز عن باقي صراعات هذا العصر .

إن العالم أجمع ينظر وباهتمام شديد إلى تلك الأفعال التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين العزل بوضعها قوانين تحرمهم من خلالها من أبسط حقوقهم المدنية المستحقة مثل الرعاية الصحية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية من حرية الحركة والزواج والإقامة مع عائلاتهم, ضاربة بذلك عرض الحائط جميع القرارات والقوانين الدولية التي تضمن للفلسطينيين ووفق الشرائع الدولية تلك الحقوق فادعاء اسرائيل ان البعد الأمني هو أهم أولوياتها متجاهلة السبب الحقيقي وهو البعد الديمغرافي و التخوف من أن تصبح متساوية مع الفلسطينيين داخل حدود دولتها، فلا عجب أن تلك الدولة إستخدمت سلطاتها الثلاث التشريعية والقانونية والتنفيذية لإلغاء جميع ضمانات الشرعية الدولية التي تضمن الحقوق للشعب المحتل وحقه في الوجود والاستمرارية ومقاومة هذا الاحتلال. وليس من المفارقات أن تقوم إسرائيل اليوم بمقام الدولة العنصرية (دولة البيض في جنوب أفريقيا) بمنح أحقية الوجود والاستمرارية على أراضيها فقط لشعبها (لمن هو يهودي).

قانون التأمين الصحي الإلزامي

ذلك القانون الذي يسري من تاريخ (1/1/1995) ويتم فيه دمج قانون التأمين الصحي الإلزامي وفق تعاليم وقوانين مؤسسة (التأمين الوطني)، وبذلك تم ربط موضوع التأمين ومنح الخدمات الصحية للمقدسيين حسب مكان إقامتهم، أي أن كل من يقيم ضمن حدود البلدية يحق له الحصول على خدمات "التأمين الصحي" " التأمين الوطني" ومن لا ينطبق عليه ذلك يعتبر غير مقيم ولا يحصل على هذه الخدمات.

حسب معطيات مؤسسة "التأمين الوطني" الموثقة فإن كل المقدسيين الذين يقطنون خارج حدود البلدية معرضون لإلغاء الخدمات الصحية والمدنية الممنوحة لهم من قبل هذه المؤسسة.

يتم إلغاء الخدمات بشكل تلقائي من قبل مؤسسة "التأمين الوطني" استنادا الى معطيات التحقيق التي تؤكد أن هذا المواطن يسكن خارج حدود البلدية ، وفي حالة مراجعة الشخص لإحدى الدوائر الصحية يتم ابلاغه بأنه تم تجميد هذه الخدمات الممنوحة له بسبب كونه غير مقيم وعليه مراجعة مؤسسة "التأمين الوطني", وفي حالة مراجعة المواطن لمؤسسة " التأمين الوطني" تؤكد له أمر الإلغاء وتسلمه كتابا رسميا وفقا للمادة (164) الأنظمة "التأمين الوطني" التي تنص على أنه بعد استلام المواطن لهذا الكتاب يحق له الاستئناف على هذا القرار أمام محكمة العمل الإسرائيلية، وعدم الاستئناف خلال (6) شهور يؤكد موافقة المواطن على هذا القرار! .

هل سيعمل بن غفير ومن معه في هذه الحكومة اليمينية المتطرفة على تعديل هذا القانون بما يخص عائلات الاستشهاديين؟ وهل سيبعدون او تلغي حقوقهم؟ التي كانت بمثابة ضمان مستقبلي فرضتها عليهم الدولة العبرية من خلال مؤسستها بدفع الضرائب الباهظة ولهذا فإن هذا الاستحقاق ليس بمثابة منة من قبل هذا الاحتلال وإنما التزام قامت بفرضه على المقدسيين بعد احتلال المدينة عام ١٩٦٧

هذا النهج الذي اعتمدته الحكومات الإسرائيلية السابقة لتمرير سياستها بإلغاء الحقوق المدنية للفلسطينيين معتمدة المقولة (أن الماضي يعكس المستقبل ) يقول ان كل فلسطيني مقدسي يمد بصلة قرابة او له علاقة بمنفذي العمليات ضد الإسرائيليين ، يصبح وحسب النظرية الأمنية الإسرائيلية خطراً مستقبلياً على أمن الدولة, وتؤكد النظرية أن جميع التنظيمات الفلسطينية تفضل تلك الشريحة لأنها مركبة من أشخاص عاديين لا تحوم حولهم اية شبهات أمنية وغير منتمين لأي تنظيم سياسي فلسطيني.
*أستاذ وباحث في علم الجريمة السياسي

دلالات

شارك برأيك

بن غفير والمقدسيين

المزيد في أقلام وأراء

هناك خطة للغد

غيرشون باسكن

إسرائيل تصارع اوهام النصر

حديث القدس

الاحتلال الإسرائيلي بين «الذكاء الاصطناعي» و«الغباء الفطري»

عماد شقور

المفاوضات بين حماس والمستعمرة

حمادة فراعنة

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر!

سمر هواش

تأملات-- النساء الفاضلات كثيرات

جابر سعادة / عابود

هل هو تنازع على من يخدم إسرائيل أكثر؟

فتحي أحمد

التعافي من الفاقد التعليمي واستقرار منظومة التعليم

ثروت زيد الكيلاني

اليابان: غزة والشرق الوسط

دلال صائب عريقات

شكراً تونس

رمزي عودة

تأثير الحرب على التعليم.. دمار شامل بغزة وصعوبات كبيرة بالضفة

رحاب العامور

إسرائيل تحاول التنصل من جرائمها

حديث القدس

الفعل وليس القرارات ما هو مطلوب

حمادة فراعنة

حراك الجامعات في مواجهة ألة القمع الإسرائيلية

زاهي علاوي

استكشاف هندسة الأوامر: الابتكار والتطور والتأثير على المستقبل

صدقي أبو ضهير

‏ الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي

عقل أبو قرع

معاداة السامية" ... سلاح ظلم وبغي

عطية الجبارين

القادمون من السراديب والذاهبون إليها

حمدي فراج

القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

مروان أميل طوباسي

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

صبحي حديدي

أسعار العملات

الأحد 19 مايو 2024 10:55 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.01

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 78)

القدس حالة الطقس