أقلام وأراء
السّبت 18 مايو 2024 9:09 صباحًا - بتوقيت القدس
القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة
تلخيص
القمة العربية التي انعقدت في المنامة بالبحرين، كان من المفترض في هذه الظروف أن تتناول بشكل أساسي التحديات المتعلقة بالوضع في قطاع غزة على أقل تقدير، من حيث الضرورة لاتخاذ قرارات عملية ترتقي إلى مستوى تلك التحديات من استمرار حرب الإبادة والتهجير والتجويع وما يرتبط بذلك سياسياً من وجهة نظر التحالف الأمريكي الاسرائيلي.
أصبح واضحا أن هناك عاملان يتحكمان في سياسات نتنياهو: الأول، البعد الأيدلوجي المتمثل بالسيطرة التامة والكاملة على الضفة الغربية والتهجير كعامل مساعد على السيطرة، واستمرار فصل الضفة عن غزة لمنع كيانية سياسية فلسطينية، وتدمير فكرة الدولة المتواصلة ذات السيادة. اما الثاني، فهو أزمته الشخصية التي يرى بها أن الحرب قد تحمل إما حلاً او تأجيلا لها، لذلك فقد عمل على إفشال صفقة التبادل.
أمام هذا الواقع وبانعقاد قمة البحرين، فقد صدرت عن القمة العربية عدة قرارات لم تتجاوز الإعلان عنها، كانت قد اتخذت في قمم عربية سابقة، وتم تكرارها بما لا يأخذ جديد التطورات، تؤكد على دعم القضية الفلسطينية والسعي لإيقاف العدوان الإسرائيلي. لقد تم إعادة التأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية كإطار أساسي لتحقيق السلام في المنطقة، والتشديد على أن تحقيق السلام الدائم يتطلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام ١٩٦٧.
كما ودعت قمة المنامة إلى دعم الجهود الدولية لإطلاق عملية سلام جادة، على أساس حل الدولتين الذي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس ، والضغط على إسرائيل من خلال استخدام الأوراق الاقتصادية والسياسية لوقف العدوان، بما في ذلك تفعيل استراتيجيات التعاون العربي وتعزيز التكامل في المجالات الاقتصادية والسياسية.
لكن، وعلى الرغم من هذه القرارات، تبقى هناك تساؤلات حول فعالية الإجراءات المتخذة ومدى قدرتها على التأثير على الأرض في ظل التصعيد الإجرامي المستمر في غزة وباقي مدن فلسطين، إلى جانب التساؤل حول آليات التنفيذ، فالقمة لم تتطرق إلى خطوات مباشرة مثل قطع العلاقات أو العقوبات الاقتصادية على إسرائيل، مما يعكس الفجوة بين الطموحات السياسية والواقع العملي.
في المجمل، ورغم أن القرارات اللفظية لا تعكس بالضرورة التزام الدول العربية بدعم غزة، لكنها تحتاج إلى إجراءات أكثر قوة وتأثيرًا لتحقيق تغيير ملموس على الأرض لوقف أعمال التطهير العرقي الجارية، وهي ما تشكل امتدادا واستمرارا لفكر الحركة الصهيونية العالمية ومن يقف إلى جانبها منذ أكثر من ٧٦ عاما، والتي لا تحتاج إلى مبررات للقيام بجرائمها المستمرة أو إلى سبب يدفعها إلى ذلك.
ورغم أن التوقعات لمخرجات هذه القمة لم تتجاوز ما صدر عنها، بحكم تاريخ القمم العربية أو المدخلات السياسية بحكم الأوضاع القائمة، إلا أنه كان من المفترض أمام وقائع وخطورة الأحداث التي لم يشهد العالم مثيلا لها منذ الحروب العالمية التي أثارتها الولايات المتحدة بحق الشعوب، والجرائم المرتبطة بها، أن تكون القرارات العربية على مستوى الأحداث الجارية في قطاع غزة، والتي كان ينبغي على الأقل من حيث المسؤولية الأخلاقية والقومية والسياسية، أن تتضمن عدة إجراءات محورية تتناسب مع حجم الأزمة والمعاناة الإنسانية، بحيث تشمل طرد السفراء الإسرائيليين من الدول العربية وقطع العلاقات الدبلوماسية حتى يتم وقف عدوان الإبادة على غزة. مثل هذه الخطوة كان يمكن أن تعبر عن رفض واضح وقوي للسياسات الإسرائيلية، إضافة إلى فرض ضغوط اقتصادية، تشمل حظر تصدير واستيراد السلع من وإلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتعليق التعاون التجاري معها، بالإضافة إلى ضرورة التهديد بوقف تصدير النفط للدول التي تدعم إسرائيل عسكرياً بالحد الأدنى.
هذا إلى جانب ضرورات الاتفاق على التحرك القانوني الدولي لرفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وممارسة الإبادة الجماعية، ومتابعة الإجراءات القانونية لتقديم القادة الإسرائيليين المسؤولين إلى العدالة كمجرمي حرب، أسوة بما تقوم به في لاهاي دول صديقة، غير عربية أو اسلامية، تمتلك قرارها الوطني وكرامتها مثل جنوب أفريقيا وعدد من دول أمريكيا اللاتينية. طبعا إلى جانب فرض إدخال وإيصال المساعدات الإنسانية لأهلنا في غزة، من خلال ممرات آمنة وفق القانون الدولي.
ومن جهة أخرى كان من المفترض الإتفاق دون إعاقة أحد، على تقديم الدعم اللازم لمنظمة التحرير، كأطار تمثيلي وحيد، ولقوى المقاومة الفلسطينية، ماليا ولوجستيا، وتحديدا لأبناء شعبنا الفلسطينيين في قطاع غزة، لتعزيز صمودهم في مواجهة عدوان الإبادة، خاصة وأن التحرك الاسرائيلي يقوم على استهداف الكل الفلسطيني، بما في ذلك مؤسسات السلطة الوطنية.
إن القرارات المتخذة في القمة العربية لم ترق إلى مستوى التحديات العسكرية والسياسية التي تتخذها حكومة دولة الاحتلال وبدعم ومشاركة أمريكية رغم الحديث عن خلافات بينهما، وذلك لعدة أسباب يمكن تلخيصها كالتالي: أولا: الانقسام العربي: هناك اختلافات سياسية بين الدول العربية تجعل من الصعب الوصول إلى توافق على إجراءات موحدة. هذا الانقسام يضعف من وحدة الموقف العربي وقدرته على اتخاذ خطوات حاسمة. ثانيا: الضغوط الدولية، فالعديد من الدول العربية تتعرض لضغوط من القوى العالمية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللتين تربطهما علاقات قوية مع إسرائيل، في ظل تأثير الإدارة الامريكية على قرارات عدد من الدول الشقيقة.
ثالثا: المصالح الاقتصادية: بعض الدول العربية لديها مصالح اقتصادية وتجارية كبيرة مع الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، مما يجعلها تتردد في اتخاذ إجراءات قد تضر بعلاقاتها الاقتصادية والاستثمارية مع هذه الدول.
رابعا: التحفظات الأمنية: بعض الدول تخشى من أن اتخاذ مواقف واضحة قد تؤدي إلى زعزعة استقرارها الداخلي أو أن تتسبب في ردود فعل أمنية أو عسكرية غير متوقعة.
خامسا: تأثير اللوبيات: وجود جماعات ضغط قوية داخل وخارج الدول العربية، تعمل على توجيه السياسات بما يتماشى مع مصالحها أو مصالح غربية، مما يعقد إمكانية تبني سياسات صارمة ضد إسرائيل.
سادسا: الواقع السياسي الدولي: النظام الدولي الحالي أحادي القطب رغم مناحي التهاوي فيه، لا يسهل معاقبة إسرائيل بشكل فعال بسبب الفيتو الذي تستخدمه الولايات المتحدة في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من القرارات الدولية التي تدينها أو تفرض عليها عقوبات.
سابعا: ضعف البنية التحتية للتنفيذ: حتى لو تم اتخاذ قرارات قوية، فإن ضعف البنية التحتية لتنفيذ هذه القرارات في العديد من الدول العربية، يمكن أن يعيق تطبيقها بشكل فعال، بحكم الأسباب التي أوردتها باختصار.
هذه العوامل مجتمعة تفسر لماذا لم تكن القرارات بحجم التحديات التي تواجه فلسطين، وتحديدا في غزة، رغم أن العديد من الدول العربية تعبر عن تضامنها ودعمها للقضية الفلسطينية.
إذن، فالقرارات الصادرة عن القمة العربية لم يكن لها تأثير ملموس على سياسات إسرائيل تجاه ما تقوم به. فالحملة الإسرائيلية على مدينة رفح وباقي مدن غزة التي عادت لها قوات الاحتلال بفعل نشاط المقاومة باسلوب حرب العصابات المُكلف لاسرائيل، تعتبر حاليا من أبرز التطورات العسكرية في قطاع غزة، رغم حجم الضحايا المؤسف من شعبنا.
ولكن يبدو أن هناك عدم تفاؤل حول إمكانية التوصل لصفقة ووقف الحرب، طبقا لما يسعى له نتنياهو. كما أن التوترات على الحدود اللبنانية مرتفعة ، ولكن ما لم يحصل تصعيد نوعي، فالوضع يبقى هشا ويمكن لأي تصعيد في غزة أن ينعكس على الحدود مع لبنان، مما قد يؤدي إلى توسيع رقعة الحرب في المنطقة.
الدور الدولي والوساطات المتمثلة بالمفاوضات الجارية برعاية مصر وقطر والولايات المتحدة يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تهدئة الأوضاع، إلا أن عدم التوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب قد يؤدي إلى استمرار التصعيد، وهو ما تؤثر به أيضا المواقف السياسية الداخلية في دولة الاحتلال، مما يعزز استمرار أعمال العدوان وتطويرها. لذلك فإن السيناريوهات المتوقعة تعتمد على تطورات الأيام القليلة القادمة، وخصوصاً نجاح أو فشل الجهود حول المفاوضات أمام التعنت الاسرائيلي، فلم يعد بالإمكان الاستمرار في ذات المستوى من الحرب وتحولها إلى استنزاف مرتفع المستوى على الاحتلال، الأمر الذي وصل إلى لحظات فاصلة يتوجب تحديد مساراتها.
وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أعلنت عن عدة أهداف للحرب على قطاع غزة بينها إنهاء حكم حماس وفرض سيطرة أمنية كاملة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي لم تتمكن من تحقيقه حتى الآن.
رغم أن التوقعات لمخرجات هذه القمة لم تتجاوز ما صدر عنها، بحكم تاريخ القمم العربية أو المدخلات السياسية بحكم الأوضاع القائمة، إلا أنه كان من المفترض أمام وقائع وخطورة الأحداث التي لم يشهد العالم مثيلا لها منذ الحروب العالمية التي أثارتها الولايات المتحدة بحق الشعوب، والجرائم المرتبطة بها، أن تكون القرارات العربية على مستوى الأحداث الجارية في قطاع غزة، والتي كان ينبغي على الأقل من حيث المسؤولية الأخلاقية والقومية والسياسية، أن تتضمن عدة إجراءات محورية تتناسب مع حجم الأزمة والمعاناة الإنسانية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة