أقلام وأراء

الأربعاء 27 أبريل 2022 10:24 صباحًا - بتوقيت القدس

طعن متسرع وحكم قضائي إسرائيلي متعسف حول أعداد المسيحيين المتعبدين في كنيسة القيامة!

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان


قبل عام 1967 كانت الحافلات السورية واللبنانية وحتى العراقية تحمل الحجاج المسيحيين السوريين واللبنانيين والعراقيين إلى الديار المقدسة للإحتفال بعيد الفصح المجيد كل عام، وكانت تصطف بالوانها الزاهية قرب كلية شميدت الألمانية في باب العامود. وبالمقابل كان الحجاج المصريون يفدون تباعا عبر مطار قلنديا من مصر الحبيبة، كذلك كان يفعل الحجاج القبارصة ومن أهل اليونان. وكانت القدس ومنازلها ومحلاتها تمتلىء عن بكرة أبيها من الحجيج المسيحي على اختلاف أنواعهم ولغاتهم ولهجاتهم، وباقل عدد من رجال الأمن الأردني، وبدون تقييدات عددية ولا إغلاق طرق ولا حواجز، بل سادت حرية دينية للمسيحيين مطلقة شكلت ظاهرة فولكورية للشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه توجتها زغرودة حاجة مسيحية قبطية ابتهاجا بقدومها للديار المقدسة، وزفة يوم سبت النورمن فلسطينيي الروم الأرثوذكس.


دار شريط الذكريات الحزين هذا في مخيلتي بعد اكثر من خمسين عاما من الإحتلال الإسرائيلي حيث خبت فيه هذه الذكريات ، والذي يجب أن يعرفها ويعيها شباب هذه الأيام، وليعلموا أية حرية دينية كانت سائدة في الأراضي المقدسة، وليبصروا ويتبصروا الإنتهاكات الإسرائيلية اليومية بحق المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين ومفهومهم الزائف والمشوه للحرية الدينية. فها هي حريتهم الدينية المزعومة تنطق بممارساتهم وانتهاكاتهم لحرمة المسجد الأقصى المبارك في الأيام الأخيرة وصلت حد إطلاق الرصاص ورمي القنابل داخل مبنى المسجد الأقصى، وفي المقابل حرمان كثير من المسيحيين المؤمنين من حقهم في زيارة كنيسة القيامة والمشاركة في احتفالات أيام خميس الغسل والجمعة الحزينة وسبت النور وعيد القيامة. كل ذلك يجري بحجة الأمن الإسرائيلية الواهية ، والتي هي إسطوانة مشروخة لم تكن يوما إلا في هواجس الإسرائيليين من عشرات السنين وما زالت معشعشة في كل تصرفاتهم بينما كان ينعم الفلسطيني سابقا على اختلاف دينه، والحجيج بالسكينة والطمأنينة، رغم توافد عشرات الألوف من الحجاج لمدينة القدس من كل حدب وصوب. فلم يجر ولم يسجل حادث واحد طيلة أيام الوحدة الأردنية الفلسطينية على مدى ربع قرن ما ينغص هذه الإحتفالات أو يضيق من الصلوات أو يحدد عدد المتعبدين، بل كان يسودها حرية عبادة وطمأنينة وسكينة غير عادية في وحدة مسيحية إسلامية واضحة بارزة للعيان.


تغيرت الأمور وانقلبت الأوضاع راسا على عقب بغزو القوات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية المقدسية واحتلالها وضمها في عام 1967، والسيطرة العسكرية على المرافق المقدسة الإسلامية والمسيحية على حد سواء. وخروج المزاعم القائلة بوجود الهيكل المزعوم تحت ساحات الأقصى المبارك إلى العلن، وترجمة هذه الأفكار الشريرة لصيحات المقتحمين المستوطنين اليمينيين الفاشيين لاقتحام المسجد الأقصى وتقديم القرابين فيه وممارسة الشعائر الدينية اليهودية بين جنباته. وكان أن سرقت كنيسة القيامة والجثمانية والإعتداءات على رجال الدين المسيحي والتحكم في اختيارهم، والأخطر هو منع و/أو تحديد عدد المؤمنين المسيحيين الفلسطينيين سواء من القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة من المشاركة في احتفالات عيد الفصح المجيد وبخاصة عند الطائفة الأرثوذكسية. فبإسم ماذا يحرم المسيحي من غزة هاشم أو بيت ساحور أو بير زيت أو رام الله أو عين عريك من الوصول لكنيسة القيامة والجلجثا فيها. لو بحثوا في أي كتيب أو منشور لعلموا وفهموا حقيقة الحرية الدينية، ولكنهم لا يودون الفهم ويقدمون باستمرار الأمن على الحريات جميعا ومنها الحرية الدينية.


تأتي اليوم عبر ما يسمى بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية في حكم تحكمي تعسفي غير متفق مع قواعد وقوانين الإحتلال الحربي، وخارج ولايتها وصلاحيتها، بتحديد عدد المصلين والحجاج المسيحيين المشاركين في احتفالات عيد الفصح المجيد في سابقة غير معهودة وغير مسبوقة إلى أربعة آلاف مصلٍ. ولا أعلم لماذا هذا الرقم بالتحديد، مع أنه يبدو رقما متوسطا بين الرقم الذي تقدمت به الشرطة الإسرائيلية وهو ألف وبين الرقم الذي تقدم أو قبل به المستدعي. وكأن المحكمة تود الإشارة أنها متقدمة على المفهوم الأمني الشرطي وتقدم تصورا متفوقا عليه بأربعة أضعاف وأن لها وجها حضاريا متميزا عن الجيش والأمن بينما في الحقيقة هما متفقان تماما شكلا وموضوعا. حتى هذا الرقم يبدو مخيبا للآمال متناقضا مع التزايد السكاني متضاربا مع المشاعر الدينية. فالسياسة الإسرائيلية منذ أن خلقت، قائمة على امتصاص الحدث والعودة إلى طريقتها وسنتها فلا عهد لديها ولا ميثاق. ناهيك عن الضرب على لحن فرق تسد والتفرقة بين المسلم والمسيحي.


كان على مقدمي الإستدعاء إلى المحكمة المزعومة أن يتبصروا ويدرسوا الموضوع من جميع جوانبه وأن لا يتعجلوا تقديم الطلب. فهذه المحكمة لم تنصف القضية الدينية أو الأمنية أو العقارية الفلسطينية يوما وطيلة رحلتها منذ نشأتها وإلى يومنا هذا. فضلا عن أن هذه المحكمة غير ذات اختصاص. ويجب أن لا يخدع الفلسطيني المسيحي أو المسلم برقيق كلمات القانوني الإسرائيلي سواء من يدرس في الجامعات أو من يتولى منصب القضاء أو يعمل في سلك المحاماة. ويجب أن نبتعد قدر الإمكان عن اللجوء إليها في قضايا الحرية الدينية والأراضي والأمن.فهذه المحكمة حينما أوصى النائب العام الليكودي آنذاك مئير شمغار قبل أن يصبح رئيسا لها فيما بعد، بقبول قضايا واستدعاءات الضفة والقطاع وشرقي القدس، كان يعلم علم اليقين أن الأمر ليس إلا أمرا شكليا لا يقدم ولا يؤخر وما هو إلا تجميل للوجه القبيح للإحتلال الإسرائيلي وأن الأمن الإسرائيلي بمفهومه الواسع سيبقى سيد الميدان القضائي. بل هذه هي سنّة السياسي الإسرائيلي، وهي سنّة معروفة باسم العصا والجزرة وهي اشكال كثيرة. وكان على مقدم الإستدعاء وهو العالم بخفايا القانون الإسرائيلي ومحاكمه أن لا ينخرط في هذا المسار ويتعظ من تجارب سابقة للوقف الإسلامي.


هذا الإستدعاء للمحكمة العليا الإسرائلية يخلق سابقة قانونية في غاية الأهمية والخطورة. ويبدو لي أن السلطات الإسرائيلية سعيدة بهذا اللجوء لمحكمتها العليا وبسط صلاحيتها على الأماكن الدينية المسيحية بطلب ورضاء من أحد أفراد الطائفة المسيحية. وكأن المحكمة غدت مرجعا قانونيا لحل الخلاف بين الطائفة وقوات الإحتلال. فمنذ متى تكون محكمة المحتل مرجعا نزيها وأمينا في الخصومة بين المواطنين المسيحيين وبين قوات الأمن الإسرائيلية التي تمثل الوجه الحقيقي للإحتلال الإسرائيلي. بل قد تكون السلطة الإسرائيلية قد سعت إليه سواء أدرك مقدموه ذلك أم لم يدركوا وكلتاهما مصيبة رغم أن سوء النية غير وارد، لكنه التسرع وعدم الإنتباه والفخر. ويبدو أن التنافس القانوني والراي الفردي والظن الإيجابي بسلطة الإحتلال والكلام المعسول قانونيا يجب أن يركن جانبا، وأن لا يتم اللجوء إليه مهما كانت الظروف والأحوال لأنه سيقود إلى الخطل والزل فهذا أمر تاريخي ومصير وطن. فالحكم قد صدر والرصاصة قد انطلقت ولا يمكن استرجاعها، كما لا يمكن إبطال الحكم باي طريق، وإن كان يمكن تجاهله لكن ذلك يعرض مخالفه للمسؤولية الجزائية.


كان الأفضل أن تترك الشرطة ألإسرائيلية والمحكمة الإسرائيلية وإن علت في غيّهما، وأن لا يتم التوجه إليهما ، لا قبل ولا بعد عيد الفصح، ولا غيره من الأعياد المسيحية، وأن لا يسمح لهما بالتدخل في شأن مسيحي خالص، فهما ليستا بصاحبة اختصاص أو ولاية على الأماكن الدينية الإسلامية أو المسيحية، وأن يبقى الحال على ما كان بدون تدخل قضائي أو أمني، فكلا التدخلين لن يجر وراءه إلا الويلات والكوارث والثبور فدع الكلاب النائمة تغط في سبات عميق!!!.

شارك برأيك

طعن متسرع وحكم قضائي إسرائيلي متعسف حول أعداد المسيحيين المتعبدين في كنيسة القيامة!

المزيد في أقلام وأراء

قلق كبير على حياة الرئيس الإيراني

حديث القدس

أهل النقب المغيَّبون

حمادة فراعنة

خيارات إسرائيل الصعبة بعد رفح

أحمد رفيق عوض

التبني الغربي لإسرائيل

عقل صلاح

قمة المنامة تقدم في الشعارات وعجز مزمن في التنفيذ

راسم عبيدات

فصول النكبة تتواصل مع جرائم الحرب والصمود الأسطوري

نهى نعيم الطوباسي

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية

عبد المنعم سعيد

في زمن التيه

يونس العموري

أقل الكلام

إبراهيم ملحم

هناك خطة للغد

غيرشون باسكن

إسرائيل تصارع اوهام النصر

حديث القدس

الاحتلال الإسرائيلي بين «الذكاء الاصطناعي» و«الغباء الفطري»

عماد شقور

المفاوضات بين حماس والمستعمرة

حمادة فراعنة

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر!

سمر هواش

تأملات-- النساء الفاضلات كثيرات

جابر سعادة / عابود

هل هو تنازع على من يخدم إسرائيل أكثر؟

فتحي أحمد

التعافي من الفاقد التعليمي واستقرار منظومة التعليم

ثروت زيد الكيلاني

اليابان: غزة والشرق الوسط

دلال صائب عريقات

شكراً تونس

رمزي عودة

تأثير الحرب على التعليم.. دمار شامل بغزة وصعوبات كبيرة بالضفة

رحاب العامور

أسعار العملات

الإثنين 20 مايو 2024 10:57 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 4.02

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 90)

القدس حالة الطقس