مع نهاية الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، يطل عيد الفطر اللاسعيد هذا العام بينما حرب الإبادة في غزة مستمرة، والناس هناك في حالٍ صعب تحت عمليات القصف والقتل وسياسات التجويع والتطهير العرقي.
المشهد في غزة لا يزال كما هو، بل يزداد سوءًا: قتل، قهر، ظلم، جوع، وعراء في خيام رثة، حتى صار الحال يبكي الشجر والحجر. فكيف نكون بخير؟ وكيف تكون البشرية بخير في ظل هذا الواقع المرير الذي تخطى في قسوته حدود الخيال؟ الحقيقة في غزة أشد وأقسى من كل وصف، والمأساة أكبر من أن تختصرها الكلمات.
على مدار الأشهر الماضية، ومنذ اندلاع الحرب، لا تزال المجازر ترتكب بلا توقف، ولا تزال الأشلاء تُنتشل من تحت الأنقاض، والدماء تختلط بتراب الأرض التي كانت يومًا نابضة بالحياة. أطفال بلا آباء، وأمهات يودعن أبناءهن على أبواب المستشفيات التي لم تعد تتسع لمزيد من الضحايا، بل لم تعد تصلح لتقديم العلاج، بعد أن تم قصفها وتخريبها وحصارها.
الجوع ينهش الأجساد، والمرض ينتشر بلا دواء، والناس في الخيام ووسط العراء، بينما العالم يراقب بصمتٍ أقرب إلى التواطؤ.
العيد الذي يفترض أن يكون مناسبة للفرح صار مناسبة للحزن، وموسم الفقد الكبير، ومجالًا لتعداد أسماء الشهداءوالجرحى، ويومًا للبكاء. لم يعد للفرح مكان في قلب من فقدوا أحبّتهم، أو من ينتظرون الموت في كل لحظة، في كل زقاق وبيت وركن من غزة التي تحولت إلى أرض من خراب.
هذا العيد ليس سعيدًا، لا في غزة ولا خارجها، لأن الوجع الفلسطيني أصبح وجعًا عربيًا، بل إنسانيًا، يمتد أثره إلى كل القلوب الحرة التي لا تزال تنبض بالضمير والإنسانية، وغزة ليست وحدها في معاناتها، فحال الدول العربية اليوم يعكس نفس الوجع بأشكال مختلفة. سوريا، لبنان، العراق، اليمن، وغيرها من الدول العربية التي تعاني من ويلات الحروب، أو التي ترزح تحت أعباء الأزمات الاقتصاديةوالانقسامات الطائفية والسياسية، وفي هذه البقاع جميعها، لم يعد العيد عيدًا، بل صار مناسبة لتحسس الفقد والألم وحجم الدمار، وصار يومًا يذكر الجميع بأن هذا العالم لا يزال يدار بميزان القوة لا ميزان العدالة، وأن الإنسانية تُنتقى حسب المصالح لا المبادئ. وإذا كانت غزة في قلب الإبادة اليوم، فإن هذه المحنة كشفت عن وجه العالم الحقيقي، دول تدّعي حقوق الإنسان، لكنها تصمت أمام الإبادة الجماعية، ومؤسسات عالمية تقف مكتوفة الأيدي بينما يموت الأبرياء تحت القصف والتجويعوسياسات التطهير العرقي.
هذا العيد، ليس سعيد، فغزة تعيش تحت حرب الإبادة والتطهير العرقي، وتعيش الويلات الصعبة والمستحيلة، وما دامت غزة ليست بخير، فكلنا لسنا بخير، فحال غزة من حالنا ودمها من دمنا ومصائرها من مصائرنا.
شارك برأيك
إذا غزة مش بخير.. كلنا مش بخير