بقلم: صدقي ابوضهير / باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

في عالمٍ تتصدر فيه الخوارزميات مشهد الحياة اليومية، وتُشكّل فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) توجهات البشر، وتُعيد برمجة أولوياتهم، نطرح سؤالاً جوهرياً:

من الأذكى في استخدام الذكاء الاصطناعي؟ إنستجرام أم تيك توك؟ ومن يسيطر أكثر على عقولنا ويدير "إيماننا" بالمحتوى؟

للإجابة، لا بد من تفكيك المنظومة الرقمية لكلا التطبيقين، واستخدام أدوات التفكير التحليلي، والتفكير العكسي الذي يُعيد بناء الفرضيات من النتائج، وليس العكس.

أولاً: الذكاء الاصطناعي في تيك توك – "التغذية الخوارزمية القسرية"

تيك توك، بمنصته السريعة والزاخرة، يعتمد على خوارزمية For You Page (FYP) التي تُدار بتقنيات الذكاء الاصطناعي العميق (Deep Learning). تُحلل هذه الخوارزمية:

• مدة المشاهدة

• نوع التفاعل (إعجاب، تعليق، مشاركة)

• التكرار في التصفح

• حتى نمط التوقف (Scroll behavior)

وتشير التقارير إلى أن:

90% من المستخدمين يقضون وقتهم في FYP، وهو محتوى مخصص من الخوارزمية [مصدر: Forbes AI Report, 2023]. 

أي أن تيك توك لا يمنحك حرية الاختيار، بل يُملي عليك ما تشاهده!

هنا نُفكّر بعكسية: هل نحن نبحث عن المحتوى، أم المحتوى يبحث عنا؟

باستخدام تفكير "ما وراء الإدراك"، نجد أن تيك توك يعيد تشكيل الذكاء البشري، عبر ما يمكن تسميته بـ:

"تزييف الاختيار الواعي"؛ فالمستخدم يظن أنه يختار، وهو في الحقيقة يُقاد.

ثانياً: الذكاء الاصطناعي في إنستجرام – "التخصيص الماكر"

أما إنستجرام، خصوصاً بعد دمج تقنيات ميتا (Meta AI)، يعتمد على ذكاء اصطناعي مُتعدد الطبقات:

• تحليل الصور والوجوه والنصوص تلقائياً

• استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء محتوى تسويقي مخصص

• خوارزميات "Explore" و"Reels" التي تتنبأ بتفضيلاتك وفق أنماط لاواعية

إحصائياً:

❗ 78% من التفاعل في إنستجرام يأتي من محتوى مقترح AI وليس محتوى مُتابَع [Statista, 2024].

لكن المدهش أن ميتا تُقدّم "ذكاءً خفياً"، فالمستخدم يشعر بالسيطرة، بينما الحقيقة:

الذكاء الاصطناعي هو من يُعيد ترتيب أولوياتك النفسية والاجتماعية والإيمانية بالمحتوى.

من يسيطر أكثر على الذكاء البشري؟

إذا طبقنا التفكير النقدي، ودرسنا التأثير النفسي والسلوكي، نجد أن:

الخلاصة: تيك توك يُسيطر بشكل "صاخب وعدواني"، أما إنستجرام فبشكل "ناعم وخفي". ولكن في المحصلة، كلاهما يُديران الذكاء البشري نحو حالة تابعة للذكاء الاصطناعي.

من يزرع الإيمان بالمحتوى؟

تُشير الدراسات إلى أن:

60% من المستخدمين يعتقدون أن المحتوى الموصى به "هو الأفضل" تلقائياً [Harvard Digital Media Lab, 2023]. 

وهذا يُؤكد أننا نُؤمن بالمحتوى لا لأنه عميق أو صادق، بل لأنه ذو انتشار خوارزمي.

إذًا، أصبح الذكاء الاصطناعي لا يتحكم فقط بما نُشاهد، بل بما نؤمن به، وهنا تكمن خطورة المرحلة:

انتقال الذكاء الاصطناعي من مرحلة الترفيه إلى مرحلة إدارة "الإيمان الرقمي". وبفكر غير تقليدي، علينا كصناع محتوى وجمهور أن نُعيد السؤال للواجهة:

"هل الذكاء الاصطناعي يخدمنا؟ أم نحن نخدمه بوقتنا وعقولنا وإيماننا؟"

استخدم وعيك النقدي، حرر ذكاءك من الخوارزميات، وكن أنت من يختار، لا من يُختار له.