أقلام وأراء
الأربعاء 22 يناير 2025 8:41 صباحًا - بتوقيت القدس
المساعدات الدولية: بين الصمود والمرونة!

لطالما ارتبط مفهوم المساعدات الدولية في فلسطين بالمرونة، وذلك في سياق المقاربات التنموية، وعند تحليل هذه المفاهيم، يتضح أنها ليست بالحيادية التي قد تبدو عليها للوهلة الأولى، وهذه محاولة لنقد كل من مفهوم المساعدات الدولية وآلياتها من جهة، ومفهوم المرونة في إطار التنمية من جهة أخرى، مع التركيز على السياق الفلسطيني كمنظور تحليلي.
نشأت المساعدات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، لا سيما مع إطلاق خطة مارشال، كجزء من نظام عالمي يدعم الهيمنة الاقتصادية والسياسية للدول المانحة، وفي السياق الحالي، فإن "المساعدات" إلى دول الجنوب غالبا ما تأتي تحت غطاء "التنمية"، لكنها تعكس تاريخا طويلا من الاستعمار واستنزاف الموارد، فقد نهبت دول الشمال موارد دول الجنوب لعقود، مما خلق فجوة اقتصادية هائلة، وما يقدم منها اليوم لا يمثل سوى جزء بسيط مما نُهِب، ومعظمها تكون مشروطة بتطبيق سياسات اقتصادية تعزز التبعية السياسية والاقتصادية، وذلك كخصخصة القطاعات الحيوية وفتح الأسواق أمام الشركات العابرة للقارات، كما تضعف مؤسسات الإقراض الدولية سيادة الدول المتلقية من خلال فرض برامج "الإصلاح الاقتصادي".
في السياق الفلسطيني، وفي كثير من الحالات، تصبح المساعدات أداة لتحقيق أهداف سياسية، وشهدنا كيف استخدمت المساعدات للضغط على الفلسطينيين للالتزام بأجندات سياسية لا تحقق العدالة في جوهرها، حتى لو بدت في ظاهرها مختلفة، فبدلا من مواجهة الاحتلال بوصفه السبب الرئيسي لمعاناة الفلسطينيين، تركز على تخفيف الأعراض الناجمة عنه كالبطالة والفقر والسيطرة على الموارد، ما يؤدي إلى "تجميل" الوضع الحالي وجعله "مقبولا" أو قابلا للتحمل، فيُصَوَّر الصمود (Steadfastness) والمرونة (Resilience) كوجهين لعملة واحدة، حتى إن الأخير غزى الخطاب الرسمي، ويمكن اليوم ملاحظة استخدامه على نطاق واسع في الأدبيات الرسمية، كما هو الحال في الاستراتيجيات والخطط، الوطنية والدولية منها.
عند الحديث عن القطاع الزراعي بوصفه أحد أهم القطاعات الاقتصادية، وأكثرها تأثرا بالاحتلال وسياساته، عند الحديث عن المشاريع المقدمة للمزارعين في المناطق المصنفة "ج"، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، فهناك فرق بين أن تقديم هذه المشاريع من منظور الصمود أو المرونة.
فمن منظور الصمود، تعني هذه المشاريع أنها تحمل طابعا مقاوما؛ فتدعم المزارعين بموارد وأدوات تمكنهم من زراعة أراضيهم، حتى في ظل التهديد المستمر بالهدم أو المصادرة، أو إعادة تأهيل المدمر منها، فضلا عن حفر الآبار لتجاوز قيود الاحتلال موارد المياه، ولإبقاء الأرض مستخدمة ومزروعة، ما يعوق إعلانها كـ"أراضي متروكة" والذي يستخدم كمبرر لمصادرتها في كثير من الحالات، وبذلك، يصبح الفعل التنموي ذو بعد وطني مقاوم، ووسيلة للحفاظ على الوجود الفلسطيني والتأكيد على الارتباط بالأرض كمصدر للهوية والانتماء.
أما عند النظر إليها من منظور المرونة، فذلك يعني التكيف مع واقع الاحتلال وسياساته، وتخفيف تأثيرها على المزارع، دون مواجهته بشكل مباشر، فتسعى إلى إيجاد حلول "عملية" للتكيف مع واقع مستجد، كتزويد أنظمة ري حديثة أو "ذكية" تستهلك كميات أقل من المياه، عوضا عن الضغط لتحصيل الحقوق المائية، أو زيادة الإنتاجية من الموارد المتبقية أو "المحدودة"، لتقليل الاعتماد على الموارد التي يعوق الاحتلال الوصول إليها، أو "مساعدة" المزارع لتطوير أعماله ضمن المساحات المتبقية من الأراضي دون السعي لتوسيع الرقعة الزراعية، وعلى نحو مشابه، وفي قطاعات أخرى، "تحسين" ظروف سكان هذه المناطق، لتجنب الصدام المباشر مع الاحتلال، ما "يعفي" المناحين من مسؤوليتهم التاريخية والحالية، التي يجب أن تنصب باتجاه معالجة جذور المشكلة، الاحتلال، فتعمل على ترسيخ الوضع القائم عوضا عن تغييره، ما يجعل الفعل "التنموي" مفرطا بالتركيز على الأفراد بدل الجماعات، ويدفعهم إلى "التكيف" مع الأزمات كبديل لتغيير الواقع "الجديد".
وإذا ما أردنا إعادة تعريف المساعدات، فمن الواجب النظر إليها كجزء من مسؤولية تاريخية، ناجمة عن حقبة استعمارية طويلة، مصحوبة بنهب الموارد، لا كعمل خيري، وكجزء من عملية تعويض الدول والشعوب التي تم إضعافها وسحقها، والذي يتطلب إعادة هيكلة هذه المنظومة بشكل يفتح الباب أمام هذه الدول والمجتمعات للحاق بركب التنمية، وكذلك الأمر بالنسبة لمفهوم المرونة، والذي يجب أن يتضمن القدرة على مقاومة الأسباب الجذرية للأزمات، وتعزيز العمل الجماعي، والتضامن كوسيلة لبناء مرونة تحررية، تجمع بين مفهوم التحرر من القيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعزز قدرة المجتمعات على تحدي هذه الظروف والتغلب عليها، وبالتالي، تجاوز فكرة النجاة إلى التحرر من الهياكل القمعية التي تخلق هذه التحديات، وجعله مؤهلا لأن يكون رديفا للصمود ببعده الأوسع والشامل.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نتنياهو وتزييف الحقائق
حديث القدس
الحالة الفلسطينية وغياب العقد الاجتماعي
محسن أبو رمضان
الاقتراح المصري خطة وطنية وخطوة ضرورية
بهاء رحال
في القدس.. حرب على الوعي والمناهج والهوية والذاكرة والتاريخ
راسم عبيدات
الشرعية الفلسطينية تمثلها منظمة التحرير
فوزي علي السمهوري
قمة بعد أخرى.. ماذا قدمت القمم العربية للقضية الفلسطينية؟
أمين الحاج
عدالة القضية الكردية وتطلعاتها المشروعة
حمادة فراعنة
أمريكا من المكارثيـة إلى الترامبية
نبهان خريشة
المرسوم الرئاسي وملف الأسرى
دلال صائب عريقات
دون تهجير!
اتفاق مع وقف التنفيذ!
حديث القدس
خطة ترمب نكبة ثانية
عقل صلاح
فرعون العصر والرّد العربي!
بكر أبو بكر
الإعمار رداً على التهجير
بهاء رحال
"حرب سلاسل الامداد" خدعة اللص الذي يصرخ: توقف ايها اللص
شينخوا- القدس دوت كوم
رسائل متبادلة بين الملك وترامب..، غزة مفتاح السلام لشرق عربي مزدهر
كريستين حنا نصر
خطة العرب لمواجهة ترمب
حديث القدس
بين النارين
حمادة فراعنة
أسباب طرح ترمب مخطط احتلال غزة وتهجير سكانها
صلاح جمعة نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط
ترمب.. وتشتيت الانتباه عن القضايا الجوهرية
جيمس زغبي
الأكثر تعليقاً
القمة العربية المنتظرة هل تستجيب الأمة للمخاطر الوجودية؟
ترمب.. اسكُت
محاضرة في جامعة القدس للبروفيسور رياض إغبارية حول الموسيقى والدماغ وصحة الإنسان
ترامب يحث إسرائيل بشكل غير مباشر على استئناف الحرب على غزة

قطر تبدأ إمداد غزة بـ 15 مليون لتر من الوقود
نتنياهو يرفض إدخال الكرافانات لقطاع غزة وترامب يريد تغيير الاتفاق
ملك الأردن: لا يمكن تحقيق الاستقرار بالإقليم دون تنفيذ حل الدولتين
الأكثر قراءة
الاحتلال يحكم على الأسير المقدسي الطفل محمد زلباني بالسجن لمدة 18 عاما
مصادر لـ"القدس": صرف رواتب الموظفين اليوم

الدفاع المدني بغزة: ننتشل جثث الشهداء بمعدات يدوية وبلا وسائل حماية

ملك الأردن: لا يمكن تحقيق الاستقرار بالإقليم دون تنفيذ حل الدولتين
بيان من البيت الأبيض يكشف تفاصيل جديدة عن لقاء ترامب مع العاهل الأردني
بن غفير: الحكومة الإسرائيلية تعهدت بإدخال 60 ألف كرفان لقطاع غزة

الاحتلال يشن غارة على وسط قطاع غزة


أسعار العملات
الأحد 09 فبراير 2025 9:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.56
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
يورو / شيكل
بيع 3.68
شراء 3.67
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 645)
شارك برأيك
المساعدات الدولية: بين الصمود والمرونة!