صلاح جمعة : نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط والمتخصص في الشأن الفلسطيني
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من واشنطن وهو يجر خلفه خيبة سياسية ثقيلة بعد زيارة كان يعول عليها لتحقيق مكاسب استراتيجية في ملفات تمس الأمن القومي الإسرائيلي، لكنه اصطدم برسائل واضحة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تلب طموحاته، بل قيدت حركته في عدة اتجاهات، فبدلاً من ان يعود منتصراً سياسياً، عاد محملاً بمواقف متحفظة عكست تحولاً في أولويات الحليف الأميركي.
نتنياهو كان يأمل أن يحشد دعماً أميركياً لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، إلا أنه فوجئ باعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستبدأ مفاوضات مباشرة مع إيران يوم السبت، مشيراً إلى أن الاتفاق أفضل من المواجهة، وأن فشل المحادثات سيكون يوماً سيئاً جداً لطهران. هذه الرسالة مثلت صدمة سياسية لنتنياهو، الذي طالما رفض أي تفاوض مع طهران ودفع باتجاه الحسم العسكري، لكنه هذه المرة وجد نفسه أمام إدارة أميركية تميل إلى الحلول الدبلوماسية، ما افقده ورقة الضغط الأهم التي كان يلوح بها.
أما في الملف التركي، فكان موقف نتنياهو أكثر توتراً، حيث حذر من التمدد التركي في شمال سوريا واعتبر ان انقرة تشكل تهديداً استراتيجياً لإسرائيل، إلا ان ترامب رد عليه علناً قائلاً إنه يتمتع بعلاقة ممتازة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأبلغه بأن عليه ان يتصرف بعقلانية تجاه تركيا. هذا الرد مثل صفعة دبلوماسية جديدة، إذ كشف بوضوح أن واشنطن ليست في وارد الدخول في أي صدام مع أنقرة من أجل إرضاء تل أبيب، وأن التحالف مع تركيا لا يزال ركيزة في سياسة التوازنات الأميركية الإقليمية.
وفي الاقتصاد، دخل نتنياهو اللقاء مع ترامب وهو يأمل ان يحصل على إعفاء من الرسوم الجمركية الأميركية على الصادرات الإسرائيلية، خصوصاً في مجالات حيوية كالمنتجات الطبية والتكنولوجية، إلا أن ترامب كان صارماً حين قال أن بلاده تقدم لإسرائيل أربعة مليارات دولار سنوياً، وربما لا توقع اتفاقاً تجارياً جديداً. وبذلك اغلق الباب أمام اي امتياز اقتصادي إضافي، مؤكداً أن الدعم المالي لا يمنح إسرائيل الحق في المطالبة بمعاملة تجارية خاصة. لم تنفع تعهدات نتنياهو بخفض العجز التجاري لصالح واشنطن، لأن الرئيس الاميركي كان واضحاً بأن المعايير التجارية تطبق على الجميع، بلا استثناءات.
في بداية الحديث عن ملف غزة، بدأ ترامب متماهياً تماماً مع رواية نتنياهو، حيث كرر هجومه على حماس، ووصف القطاع بأنه مصيدة موت، بل لمح إلى نقل السكان وإعادة إعمار المنطقة بعد تفريغها. تصريحات بدت وكأنها تكرس السردية الإسرائيلية وتمنح نتنياهو غطاء سياسياً كاملًا.
لكن المفاجأة جاءت حين أعلن ترامب بشكل صريح أن الولايات المتحدة تبذل كل الجهد للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يشمل الإفراج عن الرهائن. هذه الفقرة بالتحديد شكلت إزعاجاً لنتنياهو، لأنها تضع حداً زمنياً للعمليات العسكرية وتدفع نحو حل تفاوضي لا يتماشى مع طموحه في استثمار الحرب سياسياً حتى النهاية. الرسالة هنا كانت واضحة من واشنطن: الدعم لا يعني تفويضاً مفتوحاً، ووقف النار بات مطلوباً في أقرب وقت.
في المحصلة، خرج نتنياهو من زيارته إلى واشنطن بلا مكاسب ملموسة، بل بمجموعة من الرسائل التي تؤكد أن الإدارة الأميركية الحالية، رغم صداقتها المعلنة، باتت تتعامل مع إسرائيل بمنطق أكثر توازناً وتحفظاً. المواقف الأميركية في ملفات إيران وتركيا والجمارك وغزة بدت أكثر واقعية وارتباطاً بالمصالح الأميركية لا بالضغوط الإسرائيلية، ونتنياهو أدرك أن موقعه في واشنطن لم يعد كما كان. وإذا كانت هذه الزيارة قد أثبتت شيئاً، فهي أن الدعم الأميركي لم يعد تلقائياً او غير مشروط، حتى تحت إدارة حليف اسمه دونالد ترامب.
............
خرج نتنياهو من زيارته إلى واشنطن بلا مكاسب ملموسة، بل بمجموعة من الرسائل التي تؤكد أن الإدارة الأميركية الحالية، رغم صداقتها المعلنة، باتت تتعامل مع إسرائيل بمنطق أكثر توازناً وتحفظاً.
شارك برأيك
نتنياهو يعود من واشنطن بخفي حنين لا تصعيد ضد إيران.. ولا مواجهة مع تركيا