Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 18 أبريل 2025 9:53 صباحًا - بتوقيت القدس

المجر والاحتلال.. تحالف سياسي أم انحياز أيديولوجي ؟

 كثيرون شاهدوا أو سمعوا عن فيلم "دراكولا غير المروي" (Dracula Untold)، من إنتاج العام 2014، بميزانية فاقت مئة مليون دولار حينها، وعرض في دور العرض الغربية والعربية، لم يكن هذا الفيلم الأول حول هذه الشخصية المرعبة، والمستوحاة من رواية "برام ستوكر" الشهير، فقد سبقته عشرات الأفلام، إلا أنها لم تعر اهتماماً للفترة التي سبقت تحول "الكونت فلاد" إلى مصاص دماء "دراكولا"، بل كانت تركز على فعل سفك دماء الأبرياء، لكن هذا الفيلم تناول الشخصية من زاوية مختلفة، وهي الصراع الإسلامي-المسيحي،  وقدم الوحش من منظور مغاير، باعتباره بطلاً في مواجهة "الأتراك الأشرار"، فكان "فلاد المخوزق" أو "الخازوقي"، (Vlad the Impaler)، الذي سمي بذلك لكثرة ما قتل من الأتراك على "الخازوق"، فظهر الفيلم مشبعاً بالتاريخ، ورغم أن "فلاد" روماني الأصل، إلا أن حكمه لإمارة "ولاخيا" التي خضعت للنفوذ المجري، جعله يستدعى في المخيال الشعبي المجري كبطل، قاتل الأتراك بوحشية.


تاريخياً، عرفت المجر (هنجاريا) خلال حقبة الحرب الباردة، موقفا أقرب للدعم الرمزي للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية تحرر تتناغم مع مواقف الكتلة الشرقية عموماً، لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وانضمام المجر إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، شهدت السياسة الخارجية تحولات جذرية، تسارعت مع صعود اليمين القومي بزعامة "فيكتور أوربان"، الذي يشبه في ثرائه "ترامب"، ويحكم البلاد منذ عام 2010، خلال هذه الفترة، شهدت علاقات المجر مع إسرائيل "نمواً" استثنائياً في مختلف المجالات، وسط تجاهل شبه تام لمعاناة الفلسطينيين وحقوقهم.


وفي مشهد يكشف عن حجم التحولات السياسية في أوروبا الشرقية، تظهر المجر كواحدة من أبرز حلفاء إسرائيل، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضا في الخطاب الأيديولوجي، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين عموماً، وغزة خصوصاً، تبنت "بودابست" مواقف تعكس انحيازاً سافراً، ودعماً مباشراً للعدوان في أوجه، متجاهلة المأساة الإنسانية الجارية هناك، هذا الموقف يثير تساؤلات عميقة حول الدوافع الحقيقية لهذا الاصطفاف، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية تتبنى مواقف أكثر توازناً، بل وبعضها يدعم الحقوق الفلسطينية، أما المجر، فقد تجاوزت حدود المواقف الدبلوماسية، لتتخذ قرارات سياسية خطيرة، فعطلت في مرات عدة صدور بيانات أوروبية بشأن الاستيطان والعدوان، وفتحت مكاتب لها في القدس المحتلة، ومنعت مظاهر التضامن مع غزة، بل ورفضت مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق مجرمي الحرب، وباشرت إجراءات الانسحاب من المحكمة، وهي من الدول الموقعة على ميثاق روما والمصادقة عليه، ما يعني أنها ملزمة بتنفيذ قرارات المحكمة.


هذا السلوك مثل تسيسا خطيرا للعدالة الدولية، وعكس بوضوح أن دعم المجر للاحتلال لا يقتصر على الدبلوماسية، بل يشمل رفضا قانونيا صريحا لأي مساءلة له عن جرائم الحرب في غزة والضفة، وبهذا، ساهمت "بودابست" – بشكل مباشر أو غير مباشر – في إضعاف الموقف الأوروبي الجماعي بشأن فلسطين، ولا سيما فيما يتعلق بالدعم الإنساني، والمساءلة الدولية، وابطأت مساعي الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، فما الذي يفسر هذا التماهي؟ هل هو مجرد تقاطع مصالح؟ أم أنه تحالف أيديولوجي أعمق؟


حيث يتضح أن هذا التحالف لا يقتصر على المصالح الأمنية أو الاقتصادية، بل يتقاطع مع رؤى أيديولوجية أكثر خطورة، تتبنى القومية، وتقصي الأقليات، وتحارب الصحافة ، وتخضع المؤسسات لصالح السلطة، لذلك، تختزل فلسطين، بكل ما تمثله من نضال من أجل التحرر والعدالة،  كـ"عدو رمزي" لهذا المشروع القومي المتشدد.


من هنا، وجد كل من أوربان ونتنياهو في الآخر مرآة له، كيف لا، وكلاهما يؤمن بـ"الدولة القومية" القائمة على النقاء العرقي والديني، ويعارضان التعددية، ويشتركان في خطاب معاد للهجرة والإسلام، في هذا السياق، تصبح فلسطين "خصما" ضمنيا لمشروعهما، وقد تجلى هذا في خطاب نتنياهو من قلب بودابست، حين قال مخاطبا أوربان: "نحن والمجر ننتمي إلى حضارة واحدة قاومت معاداة السامية عبر التاريخ"، في إشارة واضحة إلى رفض الموروث العثماني الإسلامي كجزء من "الهوية الأوروبية"، وبالتالي فان هذا الخطاب لا يستند إلى المصالح فقط، بل يسعى إلى رسم خريطة ثقافية وحضارية جديدة، تقوم على إقصاء "الآخر"، وهو الفلسطيني، من "الفضاء الحضاري المشترك".


كل هذه المعطيات تشير إلى أن الموقف المجري ليس ظرفياً، ولا يرتبط بشخص أوربان وحده، بل يعكس توجها أعمق يعيد رسم خريطة التحالفات داخل القارة العجوز، حيث تقف بعض الدول ضد فلسطين، لا لأن قضيتها لا تستحق، بل لأنها تمثل نقيضاً للرؤية القومية اليمينية المتطرفة، التي تخشى التعددية، وتحالف الاحتلال بوصفه "خط الدفاع الأول" عن بقايا الحضارة الغربية، ففي حين يطالب الفلسطيني بتطبيق القانون الدولي، تسعى المجر إلى تشكيل معسكر يميني في أوروبا يرى في هذه المطالب تهديداً للسيادة والهوية، ويفضل الاصطفاف إلى جانب القوة الغاشمة على حساب العدالة.

دلالات

شارك برأيك

المجر والاحتلال.. تحالف سياسي أم انحياز أيديولوجي ؟

المزيد في أقلام وأراء

الاعتراف المزعوم والهراء المعلن

أمين الحاج

إسرائيل على مفترق طرق.. احتلال، إبادة جماعية، وموت رؤية

ألون بن - مئير

انكشاف الغرب الاستعماري وتعريته

حمادة فراعنة

الإدارة على مفترق طرق.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل دور القادة والمؤسسات؟

د. عمر السلخي

بين خطاب فريدمان ومصالح ترامب.. فلسطين قضية تحرر وطني وليست ورقة على طاولة الصفقات

مروان إميل طوباسي

شكوك حول نوايا وجدوى خطة المساعدات الأمريكية لغزة !

نبهان خريشة

كل الجهود لوقف حرب الإبادة وإفشال مخططات التهجير والترحيل

وليد العوض

في جدلية التناقض الرئيسي والثانوي

محسن أبو رمضان

تجارة لا تبور

إسماعيل الشريف

جائحة الركود التضخمي الجديد

حسام عايش

عائلة بأكملها في قبضة الغياب... حين تُقصف السماء الذاكرة

بن معمر الحاج عيسى كاتب وباحث جزائري

رفح.. سنة في درب المعاناة وسبع محطات من الصبر الجميل المقدّس

حلمي أبو طه

الهجمة على القدس تشتد وتمتد وتتسع

راسم عبيدات

اصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات (3)

غسان عبد الله

قراءة في مذكرة التفاهم الثنائية بين الحكومتين الفلسطينية والبريطانية

د. دلال صائب عريقات

أوروبا تحتفل.. ونحن ننتحب

أمين الحاج

كُـنْ مســاعداً...!

د. أفنان نظير دروزه

حين تُمنع الكلمات.. تكميم البحث العلمي وطمس المعرفة في زمن الإبادة

د. سماح جبر/ استشارية الطب النفسي

بعد ٨٠ عاماً من الانتصار على النازية.. شعبنا بإرادته وإتقان شروط المواجهة سينتصر أيضاً

دروز سوريَة بين نار داعش ونار إسرائيل!

أسعار العملات

الأربعاء 07 مايو 2025 11:16 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.62

شراء 3.61

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

يورو / شيكل

بيع 4.11

شراء 4.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1215)