Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الخميس 10 أبريل 2025 9:37 صباحًا - بتوقيت القدس

فلسطين بين نكبة الأمس ومحاولات الإلغاء الرسمي اليوم و حل الدولة الواحدة

تمر القضية الفلسطينية اليوم في أخطر مراحلها منذ نكبة العام 1948، ليس فقط من حيث حجم الجرائم الميدانية من تهجير وإبادة جماعية تُرتكب بحق شعبنا، خصوصًا في قطاع غزة، بل أيضًا من حيث ما لا يقل خطورة: وهو استهداف شرعية التمثيل الفلسطيني الرسمي والسعي لإلغائه كليًا. فالمشروع الصهيوني لطالما سعى إلى محو الوجود السياسي الفلسطيني، وها هو اليوم يُكثّف محاولاته لإفراغ الساحة من أي كيان رسمي جامع، ممثَّلاً بالسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

فالنكبة عام 1948 لم تكن فقط كارثة إنسانية ومأساة تطهير عرقي، بل كانت أيضًا ضربة قاتلة للقيادة الفلسطينية ولتمثيلها الرسمي للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، ما أدّى إلى ضياع الصوت الفلسطيني الموحد والمستقل لعقود. واليوم، يعود هذا الخطر من جديد، ليس فقط عبر القصف والقتل والدمار وخطط التهجير العرقي، بل عبر مشروع سياسي منهجي يسعى إلى استبدال السلطة المركزية الفلسطينية بسلطات محلية عشائرية أو مناطقية، بصلاحيات بلدية أو مجالس محلية تُدار عبر مراكز قوى بديلة في كل محافظة. هذا يُحوِّل ما تبقّى من وحدة سياسية إلى كنتونات مفككة تخدم مصلحة الاحتلال.


وفي هذا السياق، ورغم كل الانتقادات الموجهة للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتي لا يمكن إنكار كثير من أوجهها، إلا أن الواقع يُحتّم علينا الاعتراف بأمر بالغ الأهمية: بقاء هذه السلطة، وتحسين أدائها، وإجراء إصلاحات جوهرية وانتخابات شفافة، هو الخيار الوحيد الواقعي اليوم لصون التمثيل الفلسطيني الشرعي والمعترف به دوليًا، ولمنع مشاريع تصفية القضية التي يُراد لها أن تُنفَّذ باسم إنشاء "حكم محلي" لكل محافظة يكون تابعًا للإدارة المدنية.


فالاحتلال الإسرائيلي نفسه هو الذي وقّع اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل أكثر من ثلاثين عامًا، لكنه اليوم يسعى للتهرّب من كل استحقاقاته، ويُحاول تفكيك ما تبقّى من مكاسب جزئية حققها الفلسطينيون في هذا الاتفاق. والهدف النهائي واضح: إنهاء أي وجود فلسطيني رسمي، وإلغاء مبدأ الدولة الفلسطينية من الأساس، وإنهاء مبدأ حق تقرير المصير.

ومن منطلق المصلحة الوطنية، لا ينبغي النظر إلى السلطة الفلسطينية – رغم ما تعانيه من ترهّل وما يحيط بها من سلبيات – باعتبارها مجرد مؤسسة حكم وإدارة لشؤون الشعب الفلسطيني، بل يجب إدراك دورها كرمز سياسي يتمتع بشرعية دولية، ويمثل الشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية. فهي منبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وما كان لوجود أي منهما أن يتحقق لولا التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب الفلسطيني عبر تاريخه النضالي.

وفي إطار القانون الدولي، يتمتع الشعب الفلسطيني بحق ثابت في تقرير المصير والتمثيل السياسي عبر كيان رسمي، وهذا ما نصّت عليه قرارات الأمم المتحدة، ومنها القرار 3236 عام 1974. إن محاولة تفكيك السلطة أو إضعافها أو تقليص صلاحياتها ومناطق نفوذها، أو خلق بدائل محلية لها في غزة والضفة الغربية، يخالف هذا الحق ويمنح الاحتلال فرصة ذهبية للقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية نهائيًا.

وفي ظل هذا الواقع المتأزم، ومع تصاعد محاولات تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها تمهيدًا لتفكيك التمثيل الرسمي للشعب الفلسطيني، بدأ البعض يطرح تساؤلات حول جدوى الاستمرار في الرهان على حل الدولتين، وما هو دور السلطة الفلسطينية المطلوب. وبرزت في هذا السياق دعوات بديلة، أبرزها مشروع "حل الدولة الواحدة" الذي يُقدَّم في بعض الأوساط الفكرية كخيار استراتيجي لتحقيق المساواة والحقوق السياسية في كيان سياسي موحّد.

إلا أن هذا الطرح، ورغم وجاهته النظرية من حيث المبدأ الحقوقي، يظل بعيدًا عن الواقعية السياسية في السياق الحالي. فميزان القوى المختل لا يتيح مجالًا لأي حل كهذا، بل يفتح الباب أمام مزيد من التصفية السياسية والوطنية. فالمجتمع الإسرائيلي اليوم تهيمن عليه قوى اليمين الديني القومي المتشدد، والتي تعادي أصلًا مبدأ المساواة، وتتعامل مع الفلسطينيين كتهديد وجودي وديني، لا كأصحاب حق ووجود. وبالتالي، فإن أي نضال من أجل دولة واحدة ديمقراطية بحقوق متساوية لن يكون فقط صعب التحقيق، بل شبه مستحيل، وقد يُفضي إلى معركة صفرية تُستغل فيها الروايات الدينية والتاريخية لتبرير الإقصاء الكامل للفلسطينيين. فنحن، في نظر هذا التيار المتطرف، "نحن أو هم"، لا "مواطنون متساوون"، ما يجعل نتائج مثل هذا المشروع، في حال فُرض، أقرب إلى كارثة وطنية منه إلى حل سياسي.

فضلًا عن ذلك، فإن "حل الدولة الواحدة" لا يستند إلى أي مرجعية قانونية دولية قائمة. فمنذ قرار التقسيم رقم 181 الصادر عام 1947، قامت الشرعية الدولية على أساس وجود دولتين: يهودية وعربية. وأي مشروع لا يُبنى على هذا الأساس سيفتقر للدعم الدولي، وقد يُستغل سياسيًا لتقويض الحقوق الفلسطينية نفسها.

وبناءً عليه، فإن الحديث عن "حل الدولة الواحدة" أو أي بدائل أخرى غير قائمة على قرارات الشرعية الدولية، يبقى في هذه المرحلة أقرب إلى ترف فكري لا يعكس موازين القوى القائمة، بل قد يُوظَّف لتبرير الأمر الواقع. أما حل الدولتين، ورغم ما يعتريه من صعوبات وتحديات، فلا يزال هو الخيار الواقعي الوحيد المعترف به دوليًا، بشرط توافر إرادة فلسطينية موحدة، وضغط دولي فاعل، وإصلاح داخلي شامل يعيد للسلطة الوطنية ثقة الناس بها، ويحصّنها أمام مشاريع الإلغاء والتفكيك لتكون نقطة لانطلاقة جديدة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض الواقع.

في المحصلة، المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل على التمثيل والشرعية السياسية. الحفاظ على السلطة الوطنية الفلسطينية، وتطويرها، وإعادة إنتاجها بشرعية ديمقراطية، هو ضرورة وطنية قصوى، وهو الجدار الأخير الذي يقف في وجه مخطط تصفية القضية من جذورها. إن بقاء حل الدولتين خيارًا واقعيًا وممكنًا يتطلب توافر إرادة فلسطينية موحدة، وإصلاح داخلي يعيد ثقة الشعب بمؤسساته، ودعمًا دوليًا حقيقيًا لا يكتفي بالإدانة، بل يمارس ضغطًا فعليًا على الاحتلال الإسرائيلي لوقف مشروعه التوسعي، والالتزام بالاستحقاقات القانونية والاتفاقات الدولية.

وهنا، يجب أن نؤكد بوضوح أن الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية في هذه المرحلة الحساسة يجب أن تتمسك بخيار حل الدولتين باعتباره الإطار الواقعي والقانوني الوحيد الممكن حاليًا، وأن نعيد الاعتبار للسلطة الوطنية الفلسطينية كإنجاز سياسي تحقق بدماء ونضال الشعب الفلسطيني ، رغم كل ما يقال عنها من سلبيات أو تقصير. السلطة، على محدوديتها، تمثل الوجود الفلسطيني الرسمي الوحيد المعترف به، وضياعه سيعيدنا إلى مرحلة ما بعد النكبة، إلى حالة التيه السياسي وفقدان التمثيل، وهو ما يسعى إليه الاحتلال بوضوح. ولذلك فإن واجبنا الوطني اليوم لا يقتصر فقط على المطالبة بالإصلاح، بل على حماية هذا المكسب السياسي وعدم التفريط به تحت أي ظرف ليكون نقطة انطلاق  جديدة لمشروعنا الوطني المتمثل بالدولة  فلسطينية مستقلة.


........


إن أي نضال من أجل دولة واحدة ديمقراطية بحقوق متساوية لن يكون فقط صعب التحقيق، بل شبه مستحيل، وقد يُفضي إلى معركة صفرية تُستغل فيها الروايات الدينية والتاريخية لتبرير الإقصاء الكامل للفلسطينيين.

دلالات

شارك برأيك

فلسطين بين نكبة الأمس ومحاولات الإلغاء الرسمي اليوم و حل الدولة الواحدة

المزيد في أقلام وأراء

تحديات الاقتصاد الأردني

جواد العناني

سيناريوهات تعيين نائب للرئيس الفلسطيني.. بين الضغوط الخارجية والمصلحة الوطنية

بسام زكارنة

أهلنا في غزّة أبطال لكنهم ليسوا سوبرمان

داود كتّاب

في غزة.. الناس لا يبحثون عن "التحرير" بل عن "تذكرة نجاة"

محمد جودة

خَمِيسُ السِرِّ المُقَدَّسِ

بهاء رحال

المفاوضات الإيرانية- الأمريكية معقدة وتسودها حالة من انعدام الثقة

راسم عبيدات

لا يمكن أن يستمر الحال في غزة على هذا النحو.. "فلا نتنياهو ولا السياسيين الألمان...

المجر والاحتلال.. تحالف سياسي أم انحياز أيديولوجي ؟

أمين الحاج

منطق "الاستثناء".. انتهاك للحريات

في الذكرى الـ37 لاستشهاد القائد الرمز خليل الوزير "أبو جهاد"

مخطط خطير ومعادٍ

هل بتسليم السلاح تَسْـلم الأرواح؟

أمين الحاج

المنهاج الخفي في الدراسات الاجتماعية.. كيف تُصنع العقول في الظل؟

د. سارة محمد الشماس... باحثة وكاتبة في التراث والعلوم التربوية

تنكيس الأقلام!

ابراهيم ملحم

بوادر مصالحة تركية كردية تاريخية في الأُفق

كريستين حنا نصر

لا لسلطة متجددة بالمفهوم الإسروأمريكي... وللشعب الفلسطيني تعني دولة مستقلة

فوزي علي السمهوري

حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين

فادي أبو بكر

أين أخلاق العالم؟ عام ونصف من الجوع والموت!

إسماعيل مسلماني

تدمير المدمر وقصف المقصوف

بهاء رحال

معركة غزة لم تحسم بالانتصار أو الهزيمة

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الخميس 17 أبريل 2025 1:14 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.69

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.2

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 4.19

شراء 4.18

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1077)