Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأربعاء 09 أبريل 2025 9:53 صباحًا - بتوقيت القدس

المال بين التوظيف للتحرير والاستثمار في المأساة


في كل مرة تُرفع فيها قضية ضد فلسطيني في المحاكم الأمريكية أو غيرها، يتجدد السؤال، القديم الجديد، من يُحاسب من؟ وكيف تحولت فلسطين، الضحية الدائمة، إلى متهم دائم؟ ومتى ينتهي هذا الانفصام والنفاق العالمي، ذلك الذي يرى في الضحية تهديداً، وفي الجلاد شريكاً شرعياً؟

في السنوات الأخيرة، شهدنا موجة من الدعاوى القضائية التي تُرفع ضد شخصيات أو مؤسسات فلسطينية، ممن يصفون أنفسهم بأنهم "ضحايا الإرهاب الفلسطيني"، وتحت ذرائع كثيرة، وكان آخرها الاتهامات التي وُجهت لبشار المصري بالضلوع في تمويل بنية تحتية "خدمت" حماس في غزة أو "استخدمتها" في هجوم السابع من أكتوبر، بغض النظر عن تفاصيل القضية وتوقيتها وغايتها – على أهمية ذلك كله – تبقى الصورة الأكبر هي أن الدول ذاتها التي تُحاكم الفلسطينيين بتهم واهية، هي نفسها التي تمدّ الاحتلال بالسلاح، وأحدث التقنيات، والدعم الاستخباراتي والسياسي، دون أن تُرفع ضدها الدعاوى.

فماذا عن السلاح الأمريكي الذي مزق أجساد أطفال غزة؟ ماذا عن القنابل "الذكية" التي استهدفت المستشفيات وقتلت عمّال الإغاثة؟ ماذا عن الحكومات الغربية التي تموّل الاحتلال علنا، وتمنحه الغطاء الدبلوماسي ليفلت من العقاب؟ أليس هذا دعما مباشراً للإرهاب، حتى بمقاييسهم هم؟ لماذا لا تسخّر السلطة الفلسطينية كل ما تملكه من أدوات قانونية ودبلوماسية لتقديم هذه الدول وقادتها وشركاتها للمساءلة، كما يفعل الاحتلال عندما يُقاضي الفلسطينيين؟ ولماذا لا تُرفع قضايا باسم كل قطرة دم أريقت؟ لماذا لا تُرفع دعوى باسم كل عائلة أُبيدت، وطفل قُطّعت أوصاله، وسيدة دُفنت تحت الركام، وصحفي أحرق أمام الكاميرا، وكل أسير يُذبح ؟ وباسم المستشفيات والجامعات والمؤسسات التي سُوّيت بالأرض لمجرد "ظنون" ؟ لماذا لا يتم تجنيد جيش من القانونيين والمتطوعين حول العالم لإغراق المحاكم والنظام القضائي الدولي بعشرات آلاف الدعاوى؟ أين هي منظومة الدفاع الفلسطيني الحقوقي والسياسي حول العالم؟

وفي قلب هذه المعادلة، تظهر مفارقة أخرى أكثر قسوة، المال الصهيوني مقابل المال الفلسطيني، ورجال الأعمال الصهاينة مقابل رجال الأعمال الفلسطينيين، فضلا عن المسلمين والعرب، فالأول، تحوّل - منذ عقود- إلى سلاح استراتيجي، يدعم الاستيطان، يُموّل التهويد، يُستخدم كجسر للتطبيع، ووسيلة ضغط، بما يملكه ويشغّله من منظومات، إعلامية وسياسية، يبني نفوذاً سياسياً، ويبتزّ "صنّاع" القرار، ويسخّر كل إمكاناته لخدمة الاحتلال بشراسة واتساق، حتى أصبح شريكاً فعليا فيه، وفي بناء "إسرائيل كبرى"، لا يخجلون من دعمه، ولا من تمويل الاستيطان، بل يتفاخرون بذلك، ويكافؤون عليه، ويُستقبلون بحفاوة بالغة في عواصم العرب والمسلمين.

في المقابل، نجد في المشهد الفلسطيني طبقة من رجال الأعمال – بعضهم قديم وكثير منهم مستجد – استغلوا أزمات شعبنا، وركبوا موجة آلامه، فجعلوا منها وسيلة لجني المال دون أي اعتبار، وما جرى ويجري في غزة اليوم خير شاهد على ذلك، بعضهم ولج في دم شعبنا وقُوته ودوائه، وتنفس من رئة نكبته، واقتات على أوجاعه ومعاناته، فجعل دموع الأطفال مغنما، ومن آهات الثكالى والمعذبين سلعة "رائجة".

وقبل ذلك، كان المال الفلسطيني – في حالات عديدة – رهينة لمصالح شخصية، وشبكات محسوبية وفساد، مستفيدا من "امتيازات" يقدمها الاحتلال من جهة، أو من خلال التقارب مع دوائر النفوذ السياسي من جهة أخرى، قادته نحو استثمارات "آمنة"، بعيدة عن حلم شعبنا، وجوهر مشروعه الوطني، بعض أصحابه تورطوا في مشاريع خدمت الاحتلال مباشرة، وبعضهم شارك، بصمت أو صراحة، في إنشاء بنى تحتية، "أحيت" المستوطنات، أو قدم خدمات لوجستية لها، دون أي وازع، ديني أو أخلاقي أو وطني، وبينما كان شعبنا يُساق للبطالة، ويرزح تحت وطأة الحصار في غزة والضفة، بات عماله "يُضطرون" لبناء ما يُفترض أننا نعمل على هدمه واقتلاعه، ذلك لأن البدائل غير متوفرة، وهذه ليست قراءة للتبرير، بل لتوصيف واقع معقد بتفاصيله.

هذا الواقع لم يكن مجرد مصادفة، فقد عمل الاحتلال طويلاً على خلق "نظام" اقتصادي جعل من الفلسطيني وقودا "متجدداً" له، وعاملاً في "مشروع" احتلاله، ومستهلكاً أو مروجاً لسلع مستوطناته، بل وفاعلاً – شاء أو أبى – في خدمة بقائه.

لكنه ما كان لينجح في ذلك لولا غياب سياسة اقتصادية فلسطينية مقاومة، فعلاً لا قولاً، تلك التي حدثنا عنها الساسة مراراً وتكراراً، وكانت مادة لخطابات جماهيرية، ألهبت مشاعرنا، يوم قدموا لنا عشرات الخطط والوعود، كان آخرها الحكومة الثامنة عشرة، يوم "بشّرتنا"، في أشهر حملها الأولى - لهموم شعبنا – أي في أكتوبر 2019 ، بأنها بدأت فعليا بتطبيق نموذج "فك الارتباط التدريجي" مع الاحتلال، وفي جميع المجالات، فوقفنا طويلاً، وصفقناً كثيراً، لكنها سرعان ما تبخرت عند أول اختبار، وتحولت إلى مجرد شعارات، تُرفع في المهرجانات، وتُنسى في غرف القرار، و"رحلت" يوم رحلت، بعد خمسٍ عِجاف، وتركت اقتصادنا أكثر هشاشة وانكشافاً مما مضى، بل وأكثر "ارتباطا" و"تبعية"، ذلك لأنها – وسبع عشرة حكومة سبقتها – طوال ثلاثة عقود، لم تبنِ اقتصاداً وطنياً بديلاً، ولم تدعم الزراعة والصناعة، ولم تروّج لثقافة المقاطعة والاعتماد على الذات كما كان ينبغي لها، فتركت عمالنا فريسة للبطالة والفقر، وعرضة للمساومات، وأصبح الوطن خريطة ترسمها المعونات.

وبالتالي، فكل فلسطيني يرفض - اليوم وكل يوم - أن يُصبح الوحيد في قفص الاتهام، بينما يفلت القتلة وداعموهم من أي حساب، أو أن تُسخّر العدالة لخدمة "الأقوياء"، أو أن تتحول المحاكم الدولية إلى أدوات لشرعنة الاحتلال، بدلا من تعريته وفضح جرائمه.

حتى وإن كان متأخراً، فإن ما نحتاجه اليوم هو يقظة شاملة، يُعاد فيها توجيه المال نحو التحرر، تُبنى فيها أدوات قانونية لملاحقة الاحتلال وداعميه – أفراداً وحكومات – فوق كل أرض، وتحت كل سماء، في كل محكمة وقطر، ولتسقط فيها ورقة التوت عن نظام عالمي يمدّ القاتل بالسلاح، ثم يُدين الضحية لأنها ما زالت تتنفس أو على قيد الحياة.


لماذا لا يتم تجنيد جيش من القانونيين والمتطوعين حول العالم لإغراق المحاكم والنظام القضائي الدولي بعشرات آلاف الدعاوى؟ أين هي منظومة الدفاع الفلسطيني الحقوقي والسياسي حول العالم؟

دلالات

شارك برأيك

المال بين التوظيف للتحرير والاستثمار في المأساة

المزيد في أقلام وأراء

لا يمكن أن يستمر الحال في غزة على هذا النحو.. "فلا نتنياهو ولا السياسيين الألمان...

المجر والاحتلال.. تحالف سياسي أم انحياز أيديولوجي ؟

أمين الحاج

منطق "الاستثناء".. انتهاك للحريات

في الذكرى الـ37 لاستشهاد القائد الرمز خليل الوزير "أبو جهاد"

مخطط خطير ومعادٍ

هل بتسليم السلاح تَسْـلم الأرواح؟

أمين الحاج

المنهاج الخفي في الدراسات الاجتماعية.. كيف تُصنع العقول في الظل؟

د. سارة محمد الشماس... باحثة وكاتبة في التراث والعلوم التربوية

تنكيس الأقلام!

ابراهيم ملحم

بوادر مصالحة تركية كردية تاريخية في الأُفق

كريستين حنا نصر

لا لسلطة متجددة بالمفهوم الإسروأمريكي... وللشعب الفلسطيني تعني دولة مستقلة

فوزي علي السمهوري

حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين

فادي أبو بكر

أين أخلاق العالم؟ عام ونصف من الجوع والموت!

إسماعيل مسلماني

تدمير المدمر وقصف المقصوف

بهاء رحال

معركة غزة لم تحسم بالانتصار أو الهزيمة

حمادة فراعنة

استمرار الإبادة أم التهدئة والوحدة ؟

هاني المصري

ما بين ذكرى استشهاد أبو جهاد وأختطاف مروان ويوم الأسير ونمط الاستثمار

مروان إميل طوباسي

ما بعد الحداثة في فلسطين.. عمارة بلا سردية وهوية

د. عمر السلخي

ترامب يتّجه نحو كارثة وطنية

ألون بن - مئير

المخيمات الفلسطينية والحرب الإسرائيلية الأمريكية على الأونروا

د. حسن بريجية

نوبة الغضب من الرسوم الجمركية الأمريكية: حرب تجارية تُدمّر نفسها

شين بينغ

أسعار العملات

الخميس 17 أبريل 2025 1:14 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.69

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.2

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 4.19

شراء 4.18

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1076)