بقلم: حمدي فراج
كأن الحزن واليأس توأمان ، يقودان بعضهما، فكم من يائس أصبح حزينا، وكم من حزين أصبح يائسا. هذا وصف مبسط للحالة الذاتية التي ألمّت بي بعد نبأ مقتل نزار بنات. حزن ملأ رئتي على الفقدان، والرئة الاخرى على نحو عشرين فلسطينيا بينهم وبين نزار عشرون قاسما مشتركا؛ فلسطينيتهم، وطنيتهم، بيوتهم، لغتهم، دينهم ، شجرة زيتونهم او/ و دالية عنبهم، وربما ان بعضهم يحمل نفس اسمه ويدخن سجائره الرخيصة.
لماذا يطرقون بابه، بابنا، الساعة الثالثة والنصف فجرا؟ ماذا فعل لكي يصدر الامر باعتقاله؟ يأتيك الجواب : انه قال اشياء كثيرة ضد السلطة. أسالك ماذا فعل، تجيبني بأنه قال وهل الرد على “قال” بأن يضرب حتى الموت؟
وبدأ الحزن يتبدد، فيحل محله اليأس الذي اكرهه حد العم، خاصة بعد موقعة “سيف القدس” وما شكلته من حالة نهوض جماهيري فلسطيني وعربي وأممي ، وأدركت ان هناك من يعمل على تيئيسنا، فتتولد عنه حالة عارمة من الاحباط، تدفع الآخرين كف تعاطفهم معنا والانفضاض من حول قضيتنا العادلة؛ أنظر كيف يفعلون بأنفسهم ، انهم يفتكون بمعارضيهم، انهم ضد الرأي والرأي الآخر، ويقفز سؤال: لماذا تم تعريته؟ ألا يجوز اعتقاله بملابسه؟
في عام 1985 صدر ربما لاول مرة في تاريخ السجون الاحتلالية اجراء ما يسمى بالتفتيش العاري على الاسرى، كنا في سجن الخليل ، وتداولنا في الامر، وقال القيادي الفتحاوي محمد الحوراني، اليوم هو عضو في المجلس الثوري ، قال يجب ان نتصدى لذلك، وتطوع ان يكون هو أول المتصدين، وذهب الى غرفة التعرية، ورفض الانصياع لهذا الاجراء المذل، وضرب ضربا مدميا ومبرحا، لكنه في النهاية انتصر عليهم واوقف الاجراء ضدنا كلنا ، فكيف الآن تتم ممارسته من قبلنا ضد بعضنا؟
يفتح اليأس الحزين على صفحة من التمنيات الفارغة، لو فعلنا كذا لما وصلنا الى كذا ، لو قدمنا المتورطين في صفقة الاسمنت المصري الى المحاكمة لما قتل نزار ، لو قدمنا مدير شرطة نابلس الذي اقتحم جامعة النجاح للمحاكمة لما قتل نزار. لكن من قال ان الحزن اليائس لا يفتح على الغضب، انه الشعور الثالث المصاحب، وربما يكون الابن الشرعي في تزاوجهما، انه الذي قاد الشعوب الحرة ان تصبح حرة ، تنظر الى رؤسائها على انهم موظفون لديها ، تمكن محاسبتهم كل اربع سنوات مرة ، وعندما صفع مواطن الرئيس الفرنسي ، كانت لائحة الاتهام : الاعتداء على موظف اثناء تأديته وظيفته وحكم بالسجن اربعة اشهر .
اين مرسوم الحريات قبل ثلاثة أشهر من حق نزار في الكلام، بل في ممارسته حقه الالهي في الحياة ؟ أم انه ألغي مع الغاء الانتخابات ؟
نزار بنات ، قبر آخر يضاف الى “قبور الثورة بلا ثقافة، والثقافة بلا ثورة” المنتشرة في بيد العرب الكبرى و سجونها المتلاصقة “سجّان يمسك سجّانا” .
شارك برأيك
نزار بنات و قبور الثورة بلا ثقافة والثقافة بلا ثورة