أقلام وأراء
الأحد 26 يناير 2025 9:12 صباحًا - بتوقيت القدس
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
بعد الحرب الأخيرة على غزة التي استمرت سنة وخمسة أشهر يبدو أن المشهد العام يتجاوز مجرد دمار البنية التحتية أو تشريد العائلات بلا مأوي بل يمتد ليطال جوهر المجتمع الغزي في القطاع. المشهد الآن هو انعكاس لأزمة ما بعد الصدمة، سوف تبرز على السطح قريباً متعددة الأبعاد تشمل التحديات الاقتصادية والأزمات الإنسانية والتحولات السياسية والمآزق الدولية. في ظل هذه الظروف يقف الفلسطينيون أمام خيارات محدودة في محاولة مستمرة للبقاء على قيد الحياة في ظل ظروف غير مسبوقة من الانهيار والتراجع.
منذ وقف إطلاق النار بدأ المواطنون في غزة يحاولون إعادة ترتيب ما تبقي من حياتهم بعد النجاة من المجازر التي تجاوزت حدود العقل لكن الدمار الذي خلفته الحرب أكبر من مجرد إصلاح مادي. آلاف المنازل التي تهدمت لم تعد مأوى لأسرها، وأماكن العمل والشركات الكبرى التي تعرضت للقصف تركت أصحابها بدون مصدر دخل في وقت تتزايد فيه معدلات البطالة وتقل فيه فرص كسب العيش. في الوقت نفسه أدى استنزاف الموارد الحياتية في تعميق الأزمة الإنسانية، حيث يواجه السكان نقصاً حاداً على كل المستويات، بدايةً من الصحة والتعليم التي تعد من أهم الأساسيات لبناء أي مجتمع والنهوض به.
على الرغم من صعوبة الأوضاع تحاول الفصائل السياسية، وعلى رأسها حماس في غزة، تقديم صورة من الثبات والصلابة. حركة حماس التي تتولى إدارة القطاع أعلنت النصر في الحرب الأخيرة، وأكدت قدرتها على الصمود. لكن الواقع على الأرض يوضح تناقضاً صارخاً بين الخطاب الرسمي وما يعيشه المواطنون. فمعاناة الناس اليومية وانتشار الفوضى الفكرية وغياب حلول استراتيجية واختزال المشهد بالعروض العسكرية وتقديم الهدايا للأسرى الإسرائيليين كلها مؤشرات على أن القطاع يواجه أزمة داخلية حقيقية، ليس فقط بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وإنما بسبب انعدام الرؤية السياسية المتكاملة. وإن تلك الاستعراضات والبروباغندا الإعلامية تخدم إسرائيل، وسوف تكون لها عواقب وخيمه عندما يسترد الاحتلال أسراه.
إسرائيل الاستعمارية سوف تحرص على استمرار الحصار المفروض، وتضييق الخناق على غزة في تقويض أي جهود لتحسين الأوضاع، سوى أنها سوف تفتح بوابه صغيرة لتقديم الطعام والشراب لسد رمق السكان بضغوط دوليه. وعلى الجانب الآخر تبقى الدول المانحة التي شاهدت دمار الحرب الأخير تبدو مترددة في اتخاذ خطوات حاسمة لكسر الحصار الفعلي أو دعم عملية إعادة الإعمار مستقبلاً. وفي الوقت نفسه سوف تعكس الدبلوماسية الدولية حالة من الجمود، حيث يتطلب أي تحرك تجاه تخفيف المعاناة أو بدء مشاريع تنموية موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا الجمود يزيد من تعقيد الموقف، ويضع الفلسطينيين أمام معضلة حقيقية: كيف يمكن الخروج من هذا النفق المظلم في ظل غياب الدعم الدولي الفعال لطالما بقيت حماس على رأس الحكم وتريد إدارة قطاع غزة
وبينما يستمر النقاش حول كيفية إعادة إعمار القطاع تتراكم التحديات الاقتصادية والاجتماعية. في كل منزل تقريباً تجد عائلة تحاول التكيف مع واقع انعدام الأمل، حيث لا فرص عمل ولا ضمانات لمستقبل أفضل سوى مساعدات مرهونة ومشروطة. الأطفال الذين يشكلون غالبية سكان غزة يكبرون في ظل هذه الظروف حاملين إرثاً من الألم والخوف والاضطراب النفسي. المدارس التي تعاني من نقص حاد في الموارد تحاول جاهدة توفير بيئة تعليمية مستقرة، لكن كيف يمكن أن تزدهر العملية التعليمية في ظل الدمار الشامل وانقطاع الكهرباء ونقص الكتب والمستلزمات؟
في ظل هذه التحديات الهائلة يصبح الحديث عن إعادة إعمار غزة أقرب إلى مشروع طويل الأمد، وليس مجرد عملية سريعة لإعادة بناء المباني المهدمة. عملية الإعمار تتطلب تخطيطاً استراتيجياً واستقراراً سياسياً داخلياً وإرادة دولية حقيقية. كما أنها بحاجة إلى بيئة تضمن مشاركة جميع الأطراف المعنية؛ من السكان الغزيين إلى الفصائل السياسية والمجتمع الدولي. لكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي والتوترات الإقليمية والدعم غير المحدود الذي تتلقاه إسرائيل من القوى الكبرى لتفيد مخططاً تحلم به المنظمة الصهيونية منذ عقود.
في ظل الظروف الراهنة يبقى الرهان الأكبر على صلابة الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود في وجه التحديات التي لا تنتهي. فالتاريخ يشهد بأن الفلسطينيين، بالرغم من كل ما تعرضوا له من محن واحتلال، يتمسكون بحقوقهم ويرفضون الرضوخ. ومع ذلك يلوح في الأفق خطر أكبر قد يتجاوز الصمود التقليدي، وهو التهجير الطوعي الذي يبدو أنه جزء من مخطط محتمل تعمل إسرائيل على تحقيقه بالتنسيق مع حلفائها.
هذا التهجير الذي قد يفرض نفسه تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والنفسية والسياسية يهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الشرعيين، ما يسمح لإسرائيل بالسيطرة الكاملة على الضفة الغربية التي تمثل أهم مطامعها. في حال تحقق هذا السيناريو لن تكون القضية الفلسطينية مجرد نزاع محلي، بل ستتحول إلى مفتاح لصراعات جديدة تمتد إلى المنطقة بأسرها.
إن الفوضى التي قد تنجم عن هذا المخطط ستدفع الشعوب إلى البحث عن الأمان بأي ثمن، ما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في التركيبة السياسية والجغرافية للمنطقة. هذا المشهد الكارثي لن يستثني أحداً، بل إن الجميع سيكون معرضاً للآثار المدمرة، وسيشرب من نفس الكأس الذي بدأ بصبه على الفلسطينيين.
المؤشرات الحالية لا توحي بالخير، لكن يبقى الأمل معقوداً على وعي الشعوب العربية والدول المعنية بخطورة هذا المخطط، وضرورة التحرك الجماعي لإفشاله قبل أن يفوت الأوان. فما يحدث في فلسطين ليس مجرد قضية وطنية، بل هو امتحان لإرادة الأمة بأكملها وقدرتها على الوقوف في وجه المخاطر المحدقة، وهذا لا يشمل فقط الأطماع في فلسطين، وأنما أبعد من ذلك بكثير. وإحقاقاً للحق، المنطقة كلها أمام اختبار حقيقي.
دلالات
احمد محسن قبل حوالي 20 ساعة
فعلا واقع مؤسف
Hamada قبل حوالي 20 ساعة
أحسنت النشر استاذ اياد كل الاحترام
المزيد في أقلام وأراء
رسالة إلى ترمب .. لن يرحل الشعب
حديث القدس
تأملات حداثية في معجزتي الإسراء والمعراج
مسعود ريان
يتعاملون مع مسألة التهجير كأنها عمل خيري
د. أحمد رفيق عوض
الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين
حمادة فراعنة
الضفة الغربية بين "السور الواقي" و"السور الحديدي"
أحمد عيسى
عندما "تُحرَّم" الأرض على أهلها ؟
عطية الجبارين
الصفقة اليوسفية بعد أن حصحص الحق
وليد الهودلي
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
عريب الرنتاوي
وللحرية باب
بهاء رحال
قدسية الأسرة في القدس.. بين التحديات والحلول
د. فريال رياض التميمي
"الأيديولوجيا تسقط من جيبي": قراءة في ديوان "في البيت وما حوله" لعبود الجابري
نداء يونس
بين يدَي الذكرى العطرة
إبراهيم ملحم
السجن ما بسكّر على حدا..!
ابراهيم ملحم
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
كتب: عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية
٢٥-١-٢٥ يوم للتاريخ
حديث القدس
بوابات وحواجز قهر وإذلال وامتهان كرامة
راسم عبيدات
الحرب على الضفة هي الأسوأ منذ النكسة
د. عقل صلاح
مأزق نتنياهو وهزيمته
حمادة فراعنة
مفاوضات صفقة تبادل الأسرى هل هي مستدامة؟
د. دلال صائب عريقات
تربية الأمل!
ابراهيم ملحم
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته (4) ..سوريا... "فرحة" اللحظة و"قلق" السياق
الاحتلال يمنع عائلة أبو حميد من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
آلاف النازحين يبدأون بالعودة إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد
"مستعربون" يختطفون شقيقين بعد إصابة أحدهما جنوب الخليل
حكومة نتنياهو توعز للجيش الإسرائيلي بألّا ينسحب من القطاع الشرقي بجنوب لبنان
الصين ترد على تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن مصدر فيروس كورونا
الأكثر قراءة
مغازلة أبو مرزوق لواشنطن استراتيجية أم تكتيك؟
قدورة فارس: الفلسطينيون المبعدون سيبقون بالقاهرة لترتيب وجهتهم
الأشقاء نصر ومحمد وشريف أبو حميد يتنسمون الحرية وتم إبعادهم خارج فلسطين
وزارة الداخلية بغزة توضح بشأن عودة النازحين إلى الشمال غداً
قائمة الأسرى الذين ستُفرج عنهم "إسرائيل" اليوم ضمن صفقة التبادل
الهلال الأحمر الفلسطيني ينفي شائعات استبدال الأونروا في القدس الشرقية
إعلام مصري: الأسرى الفلسطينيون الـ70 المبعدون يتجهون إلى القاهرة
أسعار العملات
الأربعاء 22 يناير 2025 9:11 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.54
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 504)
شارك برأيك
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل