Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الخميس 23 يناير 2025 8:34 صباحًا - بتوقيت القدس

الشهداء يُحررون الأحياء

الأسرى الفلسطينيون كانوا بحاجة إلى حرب، فلا يوجد شعب في الدنيا يرى الآلاف من أبنائه وبناته يقتلون ويعذبون ويهانون ويغتصبون وتدمر حياتهم في السجون والمعسكرات ومسالخ التحقيق والتوقيف ويبقى صامتاً، ولا يقبل أي شعب حر على وجه هذه الأرض أن يعود أسراه من السجون جثثاً بعد أن مزقهم زمن السجن الثقيل، وأطبق الموت عليهم حتى الفناء.


الأسرى الفلسطينيون كانوا بحاجة إلى حرب، لأن السجون تحولت إلى مكان للإبادة الانسانية، وكان لا بد من أن تغلق اقسام جهنم، ويخرج المعذبون من حطامهم وأمراضهم، ويستعيدوا ولو قليلاً أعمارهم المهدورة، وكان على حبل المشنقة الذي يسمى المؤبد أن يسقط ، وتتحرر الرقاب من الشنق والخنق والذبح والانسحاق، قال تعالى: (ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض).


رأيت في اتفاق وقف إطلاق النار يوم 19-1-2025 بوقف المجازر الدموية في قطاع غزة وتحرير آلاف الأسرى من ذوي الأحكام العالية والمرضى والنساء والأطفال انتصاراً للحضور على الغياب، ورأيت الفرح الفلسطيني يبزغ من وسط الأزمات والرماد والكوابيس، فلا يندهش أحد من الفرح الاستثنائي وسط كل هذا الألم، الفرح مقاومة، فرح الضحية التي أعلنت انتصارها على القاتل والجلاد، إنها قيمة الحرية الخارجة عن حسابات موازين القوى، ولولا هذه القيمة لما بقي الشعب الفلسطيني صامداً على أرضه، متمسكاً بحقوقه منذ النكبة حتى الآن.


دعوا أُم الأسير تغني وتفرح، دعوها تجلس فوق بيتها المدمر في غزة وتزرع وردة بين الركام، دعوها ترى الأمل في اليوم التالي، تعانق ابنها وتسند قلبها الصابر حتى لا ينهار، هكذا نحن الشعب الفلسطيني ، هذا ما يميزنا عن غيرنا، يبزغ البديل من وسط الخراب، نسمع أُغنيةً وسط عاصفة الموت والمجزرة، فلماذا تغضب الثقافة الجديدة عندما أزور نفسي الشهيدة وأقرأ على روحي السلام؟


"يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون، وإني أرى النور في نهاية النفق"، هذه كلمات الشهيد الرئيس أبو عمار، قالها في أحلك الظروف الذي مر بها الشعب الفلسطيني، هذه الكلمات تحولت إلى ثقافة وصمود ونشيد وانتفاضات ومرجعيات روحية لشعب الجبارين، فإما أن نكون أو لا نكون، فلا خيار لنا سوى بلوغ ذلك البصيص من الأمل في نهاية هذا النفق المظلم.


الشهداء حرروا الأحياء، وحرروا أنفسهم من مقابر الأرقام والثلاجات الباردة، نهضوا من تحت أكوام الأنقاض، حرروا اللحم والعظام والصوت من النسيان، ولعل أكثر من 95% من صفقات التبادل وتحرير الأسرى جاءت بعد حروب ومعارك وتضحيات، فالحرية تُنتزع انتزاعاً من براثن الاحتلال، فلا تقاس حرية أي شعب بالأرقام، وكان الشهيد الأسير المفكر وليد دقة قد قال يوماً: حرروا الشهداء الأسرى، وحرروا الأسرى الشهداء، حرر نفسك بنفسك، ولم يسمح لهم أن يكتبوا السطر الأخير قبل استشهاده ، فعاد الشهداء والأسرى إلى رام الله، وهذا ما يجب أن يكون.


نحن أكثر الشعوب التي اجترحت قرارات دولية تساند حقوقنا العادلة والمشروعة، ولكن هذه القرارات بقيت عاجزة وقاصرة على إزاحة الاحتلال من حياتنا وأرضنا وحماية أسرانا، وإلى حين يستيقظ القانون الدولي وتكون له مخالب علينا أن نكون أقوياء، نستعيد قوانا حبة حبة، وننهص خطوة بخطوة، نستعيد صرخة ذلك الشهيد وذلك الأسير، ولنختر الموت العالي أذا كان لا بد من الموت، ذلك الموت الذي يأخذنا في الشعاع إلى السماء روحاً وذاكرة.


أُصيبت دولة الاحتلال بالجنون وبالهوس، يلاحقون عائلات الأسرى، ويمنعون الاحتفالات والاستقبالات، أغلقوا الضفة الغربية والقدس بالبوابات والحواجز، سور حديدي يشبه أسوار السجون، ويبدو أنه كلما ابتسمت الضحية غضبت تل أبيب ومتطرفوها ومستوطنوها، وهناك على حاجز عطارة في رام الله أوقفت جندية صهيونية محمود درويش وسألته: ألم أقتلك؟ قال لها: قتلتِني ونسيتُ مثلك أن أموت. 



لنقاتل بالفرح، ونرفع شعار الانتصار، لنضمد جروحنا ونتوحد موتاً وحياة، الأحياء عادوا بعد سنوات طويلات، عادوا ليبنوا البيت ويدفنوا الشهداء، فلنستقبل محمد الطوس ونائل البرغوثي وآلاف الأسرى الخارجين من تحت الأرض، ونرفع الرايات، ونكتب لمروان البرغوثي ولأحمد سعدات أن أرضكم دافئةٌ والسماء.

عندما زرت الأسيرة القائدة خالدة جرار قالت إنها منذ 150 يوماً لم ترَ أحداً تكلمه، لقد قبعت في زنزانة انفرادية ضيقة ومخنوقة، وعندما أُفرج عنها ورأت الناس، بدأ صوتها يستعيد إيقاعه وسخونته في ليل رام الله البارد والمحاصر بالدبابات.


وعندما زرت مزيونة، والدة الأسير ناصر أبو سرور، الذي يقبع منذ 32 عاماً في السجون، قالت لي: الآن شُفيت من الجلطة الدماغية التي أصابتني، وسأظل قويةً حافظةً لوصية ابني ناصر الذي قال لي: أُمي أرجوك لا تموتي قبلي، الأسير المشلول منصور موقدة، المحكوم بالسجن المؤبد، صنع سيارة داخل السجن، فعندما كان يخرج إلى الساحة على عجلته المتحركة كان الأسرى المصابون والجرحى الذين صادرت إدارة السجون عكازاتهم يستقلون عربته ويتحركون في الساحة، وهو يدور بهم تحت سماء مُسيجة، فالجرح يداوي الجرح، والذاكرة لها أقدام تعود إلى البيت. 


الأسرى كانوا بحاجة إلى حرب، ومَن لم يدخل السجن لا يعرف معنى الحرية، متمنياً أن ترتقي لغة الكتابة بعد الحرب على غزة إلى لغة الشهداء، وأن تكون لغةً قادرةً على رؤية هؤلاء البشر الذين يقبعون خلف القضبان، ما هذه التحليلات القاتمة والغامضة والمهلكة؟ فالطريق إلى الحرية لا يحتاج إلى عبقرياتٍ سياسية، الحرية تحتاج إلى مقاومة، الحرية لا تحتاج إلى كل هذا الجدل، الطريق واضح، فإما أن تموت طبيعياً بإرادةٍ إلهية، وإما أن تموت شهيداً في معركة تحرر وطني، لا وسطية في الموقف، غير مسموحٍ أن يعبث أيّ أحدٍ بكل هذا الموت الشريف، فإما حياةٌ تسرّ الصديق، وإما مماتٌ يغيظ العدا.

دلالات

شارك برأيك

الشهداء يُحررون الأحياء

المزيد في أقلام وأراء

حكاية شعب لا ينسى

حديث القدس

لقاء الدوحة الفلسطيني

حمادة فراعنة

حكومة التطرف وتفجير الصراع في الضفة

سري القدوة

هل تسقط الهدن المؤقتة على جبهتي جنوب لبنان وقطاع غزة؟

راسم عبيدات

اتـفـاق الـهـدنـة: "نـحـن الـذيـن صـمـدنـا فـي هـذه الـحـرب" تـقـول بـراء

د. ماهر الشريف

كيف يمكن للفن الفلسطيني أن يساهم في الصحة النفسية للمجتمع؟

د.سماح جبر

العَلْمانِيَّةُ في العالَمِ العَرَبِيِّ: أُفُقُ التَّجْدِيدِ أَمْ تَهْدِيدٌ لِلْهُوِيَّةِ؟

ثروت زيد الكيلاني

ملامح سياسات ترامب الخارجية الجديدة

كريستين حنا نصر

جنين أول فصول المذبحة الإسرائيلية في الضفة

حديث القدس

الاحتلال الإسرائيلي وسيناريو فرض كيان طواعي في غزة

فادي أبو بكر

آنا فرانك وهند رجب رمزان لمأساتين مختلفتين ودروس مشتركة

عمر فارس

معارك ترمب المقبلة

حمادة فراعنة

المساعدات الدولية: بين الصمود والمرونة!

أمين الحاج

من يحكم غزة بعد هذه الإبادة؟!

محمد جودة

رسائل فلسطينية لترامب

حديث القدس

جدل الانتصار والهزيمة

هاني المصري

بَحرُ غزّة..

المتوكل طه

غزة.. الكارثة والبطولة !

جمال زقوت

ما لها وما عليها

حمادة فراعنة

التسوية الإقليمية والقضية الفلسطينية في ظل الرؤية الأمريكية القادمة

مروان اميل طوباسي

أسعار العملات

الأربعاء 22 يناير 2025 9:11 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.55

شراء 3.54

دينار / شيكل

بيع 5.01

شراء 5.0

يورو / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 477)