مع انبلاج الصباح، سارع أهالي قطاع غزة برحلة العودة إلى ديارهم وقراهم ومخيماتهم التي وأد الاحتلال فيها كل مقومات الحياة والعيش والسكن، فكان حجم الدمار كارثياً ويفوق الوصف، فالشوارع مليئة بالركام، وجثامين الشهداء منتشرة في كل مكان، وقد تحللت وتعفنت، ولا شيء بقي على حاله.
رغم كل ذلك، فإن ما حصل يوم أمس سيُدوّن في السجلات كيوم فلسطيني مميز في تاريخ قضية شعبنا، انطلاقاً من الإصرار على حب الحياة والعيش بكرامة والعودة بسرعة إلى إعمار ما دمره الاحتلال، حيث إن إرادة الغزيين تفوق الوصف في هذه الجزئية، مروراً بعمليات الانتشار السريعة لقوى أمن وشرطة حماس التي توزعت في كل المحافظات من أجل الحفاظ على الهدوء والنظام وتوفير الحماية للمواطنين حرصاً على سلامتهم.
وانطلقت اللحظة الفارقة من قلب سرايا غزة، حيث تمت عملية التسليم للمحتجزات الإسرائيليات الثلاث وسط استعراض عسكري كبير لرجال المقاومة الذين قدموا مفاجأة مدوية بظهورهم على مشهد الحدث، وقدرتهم العسكرية بالتحكم بزمام الأمور، حيث عبر محللون عسكريون وسياسيون إسرائيليون عن صدمتهم إزاء الكم الكبير من المقاتلين الذين اعتقدت إسرائيل أن جيشها قام باغتيالهم، لكن الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد أن حماس نجحت كثيراً بهزيمة إسرائيل وائتلافها العالمي، حتى راح بعض الصحفيين للقول إن غزة كلها نخبة، ويبدو أن إسرائيل لم تخض حرباً مدتها أكثر من ١٥ شهراً، وفي أبرز تعليقات الإعلام الإسرائيلي قال معلق الشؤون العربية تسفي يحزكيلي:
- هناك في غزة بالفعل احتفالات فرح، الأمر الأصعب بالنسبة لي هذا الصباح هو رؤية هذه المشاهد، النخبة عادت على المركبات، تلك المركبات التي ذبحتنا، هؤلاء الأشخاص الذين ذبحونا.
- 15 شهراً من القتال ولم ننجح في تغيير معادلات الحرب في غزة.
- في الواقع أسأل نفسي: ماذا فعلنا هنا خلال عام وثلاثة أشهر؟ دمّرنا العديد من المنازل، وقدمنا خيرة أبنائنا، وفي النهاية النتيجة هي نفس الصيغ. حماس فرحة، المساعدات تدخل، والنخبة تعود.
وقال المسؤول الكبير في الشاباك ميخا كوبي: هذه ليست صفقة، بل عملية ابتزاز القرن، لقد استعادوا السيطرة على قطاع غزة
أما المحلل يانون يتاح، فقال في تعليق ساخر: إن آخر عمل يتولى مسؤوليته إيتمار بن غفير الذي قدم استقالته من حكومة الاحتلال هو الإشراف على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين تأخرت عملية الإفراج عنهم لساعات طويلة، حتى ما بعد منتصف الليل، بسبب الممارسات الإسرائيلية والإجراءات الانتقامية، في الوقت الذي قدمت فيه كتائب القسام شهادات وهدايا للمحتجزات الإسرائيليات تمثل صورة للقطاع وخارطة فلسطين وصوراً من ذكريات الاحتجاز، ليسارع محللو وسائل الإعلام الرسمية لمهاجمة حماس، واعتبار ذلك كجزء من حرب نفسية ، في الوقت الذي كان فيه الإعلام الإسرائيلي بوقاً للتحريض على المواطنين والشرطة الذين انتشروا بأسلحتهم منذ ساعات صباح أمس، فاختلقت إسرائيل ذريعة تأخر حماس في تسليم أسماء المحتجزات لترتكب مجازر جديدة راح ضحيتها أكثر من ١٩ شهيداً.
بعد بداية يوم عصيب في ساعات الصباح، دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ قبل الظهيرة، فعاشت غزة باقي ساعات النهار وحتى الليل بهدوء، فقد خمدت أصوات البنادق، وتوقف أزيز الرصاص، وتحليق الطائرات، وقصف المدافع والبوارج الحربية، لتحيا على أمل استعادة عافيتها في أسرع وقت ممكن، مع بدء دخول شاحنات المساعدات، والإصرار على انتزاع النور من عتمة وظلام السجون، ورصف الأحلام فوق الركام.
هكذا هي غزة التي كتبت شهادة ميلاد جديدة ممهورة بدماء الشهداء وتضحيات شعبها العظيم الذي أطلق تكبيرات العيد، في يومٍ سيبقى محفوظاً في السجلات الخالدة.
شارك برأيك
١٩-١-٢٠٢٥ يومٌ للتاريخ